محمود جبريل.. رهان الليبيين
يتطلعون إليه في بناء الدولة وترميم الشروخ وجبر الخواطر
القاهرة: عبد الستار حتيتة
http://aawsat.com/details.asp?section=45&article=686106&issueno=12281
يتطلعون إليه في بناء الدولة وترميم الشروخ وجبر الخواطر
القاهرة: عبد الستار حتيتة
http://aawsat.com/details.asp?section=45&article=686106&issueno=12281
عاد محمود جبريل، أول رئيس لحكومة ليبية أثناء ثورة 17 فبراير (شباط) 2011، بقوة، في الأيام الأخيرة، إلى واجهة الحياة السياسية في البلاد التي تعوم على بحر من الشكوك.
رجع بأناقته وصراحته واسم قبيلته المرتبط أغلبها بالنظام السابق، بعد أن
كان قد ترك موقعه الحكومي في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.. عاد جبريل
بكاريزما جديدة نضجت ملامحها في لحظة تاريخية من تاريخ ليبيا، مما جعل
الأوساط العامة ترشحه رئيسا للحكومة من جديد، وترى أنه قادر على بناء دولة
تتسع للجميع، خاصة بعد أن ظهر أن التيار الذي يمثله يمكن أن يحوز نصيب
الأسد من أصوات الليبيين في أول انتخابات من نوعها تشهدها البلاد منذ نحو
نصف قرن.
حين ترك جبريل موقعه الحكومي، الذي يشغله حاليا عبد الرحيم الكيب، توارى عن
الأنظار وعن الحياة السياسية المباشرة لعدة أشهر، حتى ظن البعض أنه هجر
الحياة العامة وزهد في أي موقع قيادي في بلاده التي تحاول النهوض من
كبواتها المتلاحقة.. إلا أن مقربين منه ظلوا في الفترة الماضية يتحدثون عن
أنه سيرجع أقوى مما كان.. وهذا ما حدث.. حمل حقائبه وعاد ليستقر في ليبيا
وليؤسس الحزب الوطني الديمقراطي ويخيف منافسيه في صناديق الاقتراع.
لكن يبدو أن مكانته الشخصية وصورته التي كونها عنه الليبيون في وقت الشدة،
أي في أيام الحرب ضد قوات النظام السابق.. عززت من مكانته في الانتخابات،
إضافة إلى انتماءاته القبلية والجغرافية.. فهو من قبيلة الورفلة، أكبر
القبائل المؤيدة للقذافي، والتي كان بعض أبنائها، خاصة في معقلهم بمدينة
بني وليد في الوسط الليبي، جنوب سرت، حتى ربيع هذا العام، يرفعون علم
القذافي الأخضر ويرددون الأناشيد المدرسية التي كانت شائعة في العهد
البائد.
وبسبب انتمائه القبلي لـ«ورفلة» لم تصوت مصراتة لجبريل، وهذا أمر لافت،
خاصة أن مصراتة وثوارها يعتبرون أنفسهم أمناء على ثورة «17 فبراير»، بعد ما
أبلوه من قتال ضد كتائب القذافي في العديد من المدن الليبية، إضافة إلى
معاناتهم الأولى داخل مدينتهم بسبب الحصار والتجويع والقتل في بداية
الثورة.
وجبريل الذي يطلق عليه البعض لقب «الورفلي» من مواليد مدينة بنغازي عام
1952 وهي مدينة تعرف عنها طبيعتها الثورية، وذلك، كما يروي البعض، بسبب
بعدها عن العاصمة وبسبب دور التعليم فيها وبسبب مثقفيها وشعرائها. وتقول
المؤشرات إن الأصوات التي حصل عليها التيار الذي يتزعمه جبريل جاءت
غالبيتها من مناطق كان يبدو أن الإسلاميين المتشددين والقبليين المحافظين
يهيمنون عليها، مثل سبها في الجنوب، وطبرق ودرنة في إقليم برقة في المنطقة
الشرقية، وهي منطقة تضم أيضا مدينة جبريل (بنغازي) التي يشتهر أبناؤها كذلك
بالخيال والتمرد والرغبة الدائبة في التغيير.
وتمتلئ أزقة بنغازي وشوارعها الضيقة والواسعة بالشكوك والريبة، ورغبة أهلها
في إعادة تقييم الحركات والسكنات. ويمر بالمدينة العابرون إلى أقصى الغرب
الليبي وأولئك المتجهون إلى المشرق.. وتبدو وجوه الغرباء فيها، من عرب
وأفارقة وآسيويين أكثر مما ينبغي في كثير من الأحيان والظروف. لكن يظل
أبناؤها الأصليون، من مختلف القبائل، بمن فيها ورفلة، على ولاء وإخلاص
للمدينة حتى لو ابتعدوا عنها سنوات وراء سنوات.
وعلى مر التاريخ بدأت الثورات من إقليم برقة، ومن بنغازي تحديدا، لا من
طرابلس. وحتى القذافي انقلب على الملك انطلاقا من بنغازي، كما أن مركز
عمليات التمرد المسلح ضد حكم القذافي نفسه بدأ من الساحة الرئيسية في تلك
المدينة الواقعة بين البحر المتوسط والصحراء.
يقول أحد أصدقاء جبريل القدامى، إن دراسته المبكرة في كلية الاقتصاد
والعلوم السياسية بالقاهرة الصاخبة، حين كان طالبا في جامعتها، أثرت على
سلوكيات ابن الصحراء والقبيلة وابن المدينة الساحلية المتمردة، وجعلته أكثر
قدرة على ضبط مشاعره وردود أفعاله.. «جعلته أكثر قدرة على التعامل مع
الحياة العصرية بكل تشابكاتها»، خاصة بعد أن تزوج من زميلته بالجامعة، وهي
السيدة سلوى شعراوي جمعة، ابنة وزير الداخلية المصري الأسبق»، مشيرا إلى أن
الرجل أدرك المشكلات التي تعرقل التقدم في المجتمعات العربية سريعا، مما
دفعه لمواصلة دراسته في الولايات المتحدة الأميركية بعد تخرجه في الكلية
بمصر عام 1975.
وبعد نحو ثلاثة أسابيع من اندلاع الثورة الليبية كانت الأوضاع في البلاد
شديدة التعقيد.. ثوار يشكلون كتائب عسكرية سريعا على الأرض، ومنشقون من
النظام السابق يبحثون عن ملاجئ آمنة في الداخل والخارج، وعملاء للنظام
الجريح يندسون وسط المتمردين، ومجلس انتقالي يولد تحت قصف صواريخ القذافي
ومدفعيته وكتائبه.. أجواء من الفوضى والاقتتال لا قبل لأحد بها.
في هذه الظروف الصعبة، تولى جبريل في مارس (آذار) من العام الماضي، رئاسة
المكتب التنفيذي التابع للمجلس الانتقالي، ليكون أول رئيس لحكومة ليبية لا
تعترف بحكم القذافي بعد نحو 42 سنة من تولي العقيد الراحل الحكم. وبسبب
خبرته في السياسة وفن التخطيط والإدارة، تحمل جبريل في تلك الأوقات العصيبة
أيضا ملف العلاقات الخارجية في مواجهة الآلة الدبلوماسية والاستخباراتية
الرهيبة لنظام القذافي. وإضافة إلى إدارة المهمة الصعبة الخاصة بتدخل حلف
الناتو لمؤازرة الثورة، تمكن جبريل بمساعدة بعض الأصدقاء الدوليين ومنشقين
كبار عن النظام السابق كسفراء ليبيا ومندوبيها بالخارج، من انتزاع الاعتراف
الدولي بالمجلس الانتقالي وذراعه التنفيذية (حكومة الثورة).
وطوال صيف العام المنصرم، وإلى أن حل الخريف الماضي بمقتل القذافي، تعرض
جبريل لهجوم منظم من بعض أصحاب المصالح الذين رأوا أنه يمكن أن يهيمن على
مقاليد الأمور في ليبيا مستقبلا، بسبب علاقاته الداخلية والخارجية، وأسلوبه
الذي يستوعب الفرقاء ممن ظهرت المنافسة بينهم لجني ثمار الثورة حتى قبل
الانتهاء من «تحرير» بني وليد والقضاء على جيوب كتائب القذافي في الجنوب
والجنوب الغربي.
كان نظام القذافي يتهاوي، وفي الوقت نفسه كانت الضغوط تزداد لإبعاد جبريل
عن المكتب التنفيذي والحكومة المؤقتة، بحجج كثيرة منها القول بإهماله ملف
التحقيق في قضية مقتل عبد الفتاح يونس، رئيس أركان الجيش الوطني الليبي
الذي تم اغتياله على أيدي «ثوار متشددين» وهو يقاتل قوات القذافي على جبهة
البريقة، صيف العام الماضي.
ومما تعرض له جبريل من انتقادات أيضا القول بأنه كان كثير السفر إلى خارج
البلاد في وقت كانت تحتاج فيه الدولة الجديدة إلى وجوده في الداخل، حيث كان
العهد الجديد يولد يوما بعد يوم من تحت النار والجثث والدمار. ووصف البعض
حكومته حينذاك بـ«الحكومة الطائرة»، بسبب كثرة الأسفار، وهو أمر يرد عليه
أحد المقربين من جبريل بالقول إن أسفاره كانت تهدف في الأساس لدعم الثورة.
لكن استقالة جبريل من موقعه، بعد دحر النظام الديكتاتوري أواخر عام 2011،
أشعر الكثير من الليبيين بوجود فراغ يتطلب ظهور رجل مثله. وربما يكون جبريل
ورجاله في الداخل الليبي، قد أدركوا هذا الاتجاه وهذا المزاج العام، فسارع
بالإعلان عن نيته تأسيس حزب التف حوله كثير من الناشطين الجدد، وأغلبهم لا
خبرة له بالعمل السياسي الحزبي بسبب تحريم القذافي الأحزاب طيلة 42 عاما.
يقول طارق القزيري، مدير المركز الليبي للدراسات والأبحاث، في تعليقه
لـ«الشرق الأوسط» عن الدور الحكومي المرتقب الذي يمكن أن يقوم به جبريل:
«للسيد محمود جبريل ميزة أنه من مواليد الشرق مع أصول من الغرب، حيث ينتمي
لقبيلة ورفلة، لكن بعده القبلي ربما لا يدعمه كثيرا؛ فهو من جهة غير مرضي
عنه من القبيلة (ورفلة) التي ما زالت تعد معقلا للقذافي، وهي كانت بين آخر
المدن التي حررها الثوار، وهو من جهة أخرى سيكون محسوبا عليها مهما كانت
الحال، ولعل هذا ما يفسر عدم انتخاب قائمته في مصراتة التي لديها حساسيات
تاريخية مع ورفلة».
وهذا لا يعني أن جبريل تغلب عليه النزعة القبلية أو الجهوية، ويقول مقربون
منه إنه تخلص من مثل هذه التحيزات التي تربك أي فرصة للعمل العام أو
المؤسسي، منذ وقت طويل، وأسهمت دراساته وانشغاله بالعلوم وعمله في العديد
من البلدان العربية والأجنبية، في التأثير على نظرته للأمور في بلد لعب
نظامه السياسي القديم لأربعة عقود على التمييز القبلي والولائي والمناطقي.
وحصل جبريل على الدكتوراه في التخطيط الاستراتيجي وصناعة القرار عام 1984، من جامعة بتسبيرغ بولاية بنسلفانيا في أميركا، وأصدر في مجال تخصصه عدة كتب، وأشرف على تدريب قيادات بالإدارة العليا في عدة بلدان عربية وأجنبية، وحاول في السنوات الأخيرة من حكم القذافي، تنفيذ مشاريع لتأسيس بنية لدولة ديمقراطية تتعايش مع العصر الجديد، وذلك أثناء ظهور ما سمي قبل خمس سنوات «جيل الإصلاح» بقيادة سيف الإسلام نجل القذافي، إلا أنه أدرك سريعا على ما يبدو عدم وجود رغبة من النظام السابق وقياداته القديمة في التغيير، فانشق على القذافي وانضم للثورة رئيسا للمكتب التنفيذي.
ويضيف القزيري قائلا عن جبريل إنه «على الرغم من أدائه الإعلامي الجيد، فإن
محمود جبريل ليس شخصية إعلامية مميزة.. يشهد على ذلك فترة مكتبه التنفيذي.
كما أن علاقاته الشعبية غير مميزة أيضا، فقد اتهم إبان الثورة بقيادة
الحكومة الطائرة والسفر للخارج وإهمال قضايا محلية ملحة توجت بأزمة اغتيال
عبد الفتاح يونس المعروفة».
ويرى بعض المراقبين أن جبريل سيتوجب عليه مواجهة العديد من المشكلات
العالقة، وأن هذا سيفرض عليه تشكيل تحالف وطني لوضع أسس الدولة الليبية
الجديدة. ويوضح القزيري بقوله: «وبتحقيق جبريل غالبية تضمن له مباشرة - أو
عبر تحالف إضافي - تشكيل حكومة وطنية انتقالية، فسيتعين عليه معالجة أزمة
الميليشيات التي ستقوده لصدامات ظاهرة أو خفية مع كتائب الثوار التي تتبع
شخصيات لا تنظر بعين الرضا لجبريل.. فعبد الحكيم بلحاج، القائد السابق
لمجلس طرابلس العسكري، وكذلك أبناء الصلابي في بنغازي.. ولا ننسى كتائب
مصراتة (التي).. ستحتاج (من جبريل) لخريطة توازنات معقدة للوصول لتفاهمات
معها».
وبتحقيق تيار جبريل الأغلبية التي تؤهله لرئاسة الحكومة، فإن هناك شكوكا في
ما إذا كان سيقود الحكومة بنفسه، أم إنه سيكتفي بالعمل من خلف ستار، ويدفع
بشخصية أخرى من تياره أو عبر توافق مع التيارات الأخرى، لتكون في الواجهة،
وتتحمل ما يمكن أن يحدث من تداعيات في حال اتخاذ قرارات مفصلية مثل تفكيك
الميليشيات والقضاء على مظاهر التسلح أو مواجهة طموحات الفيدرالية، وغيرها
من مفردات بناء دولة متماسكة. ومثل كثير من المحللين الليبيين، يتساءل
القزيري بقوله: «ثمة سؤال مهم؛ وهو: هل سيدفع جبريل بنفسه لقيادة المرحلة
أم يقودها من الخلف؟ فخطورة أو إلحاحية القضايا المطروحة ربما تعني أن يظل
خارج الصورة في حكومة عمرها الافتراضي عام واحد ولديها مهام انتقالية
أبرزها صياغة الدستور، وما يرافقها من استهلاك تفاوضي مضن».
ويتوقع القزيري أيضا أنه سيكون على جبريل «ملاحظة عثرة الإخوان المسلمين في
ليبيا الذين دخلوا في صراع حقيقي مع الفيدراليين في الشرق، وكلفهم ذلك
خسارة معقلهم ببنغازي، ونظرا لمعارضة جبريل للطرح الفيدرالي، فهو مطالب
بمقاربة لا يخرج بها عن موقفه ولا يقطع شعرة معاوية مع الفيدراليين الذين
يصمتون على مضض حاليا بعد نكستهم وفشلهم في معارضة الانتخابات ومنع قيامها،
ولا شك أن لديهم رصيدا كافيا لإشعال حدة التوتر مجددا في برقة التاريخية».
حين استعان المجلس الانتقالي بجبريل ليكون رئيسا للمكتب التنفيذي (الحكومة)
في بداية الثورة، أصر جبريل على التمسك أيضا بشغل وزارة الخارجية.. لكن
هذا أمر من المستبعد أن يحدث في حالة توليه موقع الحكومة الجديدة هذه
الأيام، كما يقول القزيري، الذي يضيف أيضا أن جبريل «قد يسلط الضوء على
استفهامات تتعلق بالصف الثاني من تحالفه، مثل علي الترهوني، وزير المالية
والنفط أيام الثورة، وشخصيات أخرى ذات صلة بعالم الأعمال.. هل ستبرز على
السطح أم لا؟ وإذا برزت هل ستكون تكلفة ظهورها الإعلامي مقبولة شعبيا، خاصة
مع (فوبيا الفساد) غير المتزنة في أعقاب حقبة القذافي».
ويتوقع مدير المركز الليبي للدراسات والأبحاث أن تفرض بداية المرحلة
الانتقالية المنتخبة على جبريل «بيان قدراته والنضال ضد ما يقال إنه مبالغة
إعلامية في هذه القدرات، حيث يتندر البعض على وصفه بأنه ضمن أفضل 10
مخططين استراتيجيين في العالم، وهو أمر حاول نفيه لكن على استحياء، كما أن
علاقته برجالات ذوي علاقة بالنظام السابق، خاصة في مجال التجارة، وعلاقته
هو نفسه بمشروع سيف القذافي، ربما ستكون مشاريع قنابل موقوتة في حقبة جبريل
المقبلة».
ومع ذلك، تشير بعض التقارير إلى أن قطاعات واسعة من الليبيين تضع كثيرا من
الأمل والثقة في جبريل لإعادة بناء اقتصاد ليبيا. وإضافة إلى خبرته
الإدارية والتخطيطية النظرية، تمكن جبريل من النجاح عمليا على مستوى
مشروعاته الخاصة التي يستمد منها استقلاليته وقوته، أو هذا ما يتحدث عنه
الليبيون، سواء من أصدقائه المقربين الذين يعيشون في القاهرة، أو من خلال
المناقشات الجارية في المنتديات الليبية.
وفي تقدير عوض عبد الهادي الشاعري، مدير تحرير صحيفة «المختار» الليبية،
فإن «السيد محمود جبريل يعتبر رجل المرحلة بدرجة كبيرة». ويضيف الشاعري في
حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا إن «هناك توافقا كبيرا من الليبيين على هذه
الشخصية لأسباب عديدة؛ لعل أهمها ما يتمتع به من خبرة في مجال الاقتصاد
والتنمية والتخطيط المستقبلي، وهو ما تحتاجه البلاد فور الانتهاء من
المرحلة الحالية».
ويتابع الشاعري قائلا: «كما لا ننسى الصورة التي يحملها له الليبيون خلال
فترة ترؤسه المكتب التنفيذي التي وإن شابها بعض القصور والارتجال واتخاذ
بعض القرارات بشكل مرتبك، فإن رصانة وهدوء جبريل وتعقله؛ بل حنكته، استطاعت
في أغلب الأحيان تخليص البلاد من الابتزاز السياسي أو ارتهان قرارات
المكتب التنفيذي لبعض الدول أو الوقوع في أخطاء قد تعرقل مسيرة أي حكومة
مقبلة كما وقع في دول أخرى تعرضت لظروف مشابهة للحالة الليبية».
ويتمتع جبريل بكاريزما في أوساط الليبيين، بسبب بعده عن الاستقطابات والصراعات التي ظهرت بعد «تحرير طرابلس» في شهر رمضان الماضي، وجعلت كثيرا من الشخصيات المعروفة مثار شكوك، سواء بالنسبة لقادة الميليشيات أو التيارات الإسلامية المتشددة.. فهو رجل أنيق يتقن ارتداء الملابس الغربية ويضع رابطة عنق ملونة ونظارة طبية شفافة.. والآن يطل على الليبيين مجددا، من خلال شاشات التلفزة وصور المطبوعات، بصفته رجلا لديه حلول عملية، وهو يتحدث بترفع وثقة مثل مشاهير العالم.
ويقول الشاعري: «نحن إذا ما سلطنا بصيصا من الضوء على شخصية الدكتور محمود
جبريل، فلن نكون مجانبين للحقيقة إذا ما قلنا إنه يمتلك كاريزما القيادة
المرحلية القادرة على العبور بالبلاد من عنق الزجاجة وترتيب البيت السياسي
الليبي بأفكاره البعيدة عن سياسة الاستئثار أو إبعاد العناصر الوطنية عن
عملية المشاركة في الحياة السياسية كما تسعى بعض الكيانات الأخرى وإن لم
تعلن عن ذلك صراحة».
وبينما كان قادة لبعض الميليشيات يتقاتلون في مناطق حول طرابلس والزنتان
والمشاشية والكفرة وغيرها.. وبينما كانت تيارات دينية وحزبية تتجاذب
وتتبادل الاتهامات، وتنشغل بقضايا مثيرة للقلق، مثل مشروعية «هدم قبور
الأولياء»، والزوايا السنوسية (الصوفية)، كان الخطاب السياسي الذي تبناه
تيار جبريل يأتي من بعيد، ويعلو، متحدثا عن قضايا جوهرية تتعلق ببناء
الدولة والإنسان والاقتصاد، وترميم الشروخ وجبر الخواطر وحل المشكلات التي
أثقلت كاهل الليبيين طويلا.
ويوضح الشاعري قائلا: «ربما وقوع بعض التيارات والكيانات السياسية الجديدة
في العديد من الأخطاء، جعل الناخب الليبي أكثر حرصا في أن يمنحها الثقة
الكافية للنجاح؛ مما عزز الفرصة أمام التحالف الوطني بقيادة جبريل».
ووضع تحالف جبريل ميثاقا ووثيقة لفتت الأنظار في الأوساط العامة جاءت تحت
اسم «تحالف القوى الوطنية لإرساء دعائم الدولة المدنية الديمقراطية»، وتوحي
بأن ما ورد فيها يمكن أن يكون هو مشروع الدستور الليبي الجديد. ووقعت على
الالتزام بالوثيقة قوى وشخصيات متعددة من نسيج المجتمع الليبي، ولا يجوز
تعديل الوثيقة أو إلغاؤها إلا بأغلبية ثلثي أعضاء الهيئة العليا للتحالف.
وتركز الوثيقة على الوفاء لمبادئ وأهداف ثورة 17 فبراير في الكرامة والحرية
والعدالة، وعلى أن ليبيا «جمهورية مدنية ديمقراطية تعددية قوامها السيادة
للشعب، والولاية لمن ينتخبهم عبر الاقتراع الحر».
ويضيف مدير تحرير صحيفة «المختار» الليبية: «يبقى أيضا أن نقول إن وصول محمود جبريل لرئاسة الحكومة الليبية المقبلة ربما سيمهد الطريق للوصول إلى مصالحة وطنية شاملة إذا ما وضعنا في الاعتبار جذور الرجل التي تعود إلى قبيلة ورفلة، وهي ما هي عليه من ناحية الموقع والبعدين التاريخي والاجتماعي والمكانة السياسية في ظل تحالفها مع النظام السابق، وهذا في نظري سيشكل حافزا إضافيا لجبريل وحكومته في السعي بجدية لقفل هذا الملف الذي قد يعيق أي بوادر للتنمية والبناء أمام أي حكومة مقبلة».
ولن يتمكن جبريل وحده من العمل في بلد مضطرب يبحث عن الثقة، وسيكون عليه أن يشكل تحالفا أوسع من بين التيارات الأخرى لتشكيل حكومة قادرة على فرض نفسها ونفوذها والسيطرة على جموح بعض الكتائب العسكرية وتطلعات قادة تيارات دينية وطموح مناطق وقبائل في الحكم الكونفيدرالي. ويقول عوض الشاعري إن الأمر يعتمد على الليبيين أنفسهم. ويزيد موضحا بقوله: «هنا يأتي دور الليبيين أنفسهم وقدرتهم على إعادة بناء دولتهم والخروج من هذا النفق باتجاه الضوء، وهي مهمة ليست بالسهلة، لكنها ليست بالمستحيلة في كل الأحوال».
ويضيف مدير تحرير صحيفة «المختار» الليبية: «يبقى أيضا أن نقول إن وصول محمود جبريل لرئاسة الحكومة الليبية المقبلة ربما سيمهد الطريق للوصول إلى مصالحة وطنية شاملة إذا ما وضعنا في الاعتبار جذور الرجل التي تعود إلى قبيلة ورفلة، وهي ما هي عليه من ناحية الموقع والبعدين التاريخي والاجتماعي والمكانة السياسية في ظل تحالفها مع النظام السابق، وهذا في نظري سيشكل حافزا إضافيا لجبريل وحكومته في السعي بجدية لقفل هذا الملف الذي قد يعيق أي بوادر للتنمية والبناء أمام أي حكومة مقبلة».
ولن يتمكن جبريل وحده من العمل في بلد مضطرب يبحث عن الثقة، وسيكون عليه أن يشكل تحالفا أوسع من بين التيارات الأخرى لتشكيل حكومة قادرة على فرض نفسها ونفوذها والسيطرة على جموح بعض الكتائب العسكرية وتطلعات قادة تيارات دينية وطموح مناطق وقبائل في الحكم الكونفيدرالي. ويقول عوض الشاعري إن الأمر يعتمد على الليبيين أنفسهم. ويزيد موضحا بقوله: «هنا يأتي دور الليبيين أنفسهم وقدرتهم على إعادة بناء دولتهم والخروج من هذا النفق باتجاه الضوء، وهي مهمة ليست بالسهلة، لكنها ليست بالمستحيلة في كل الأحوال».