الثلاثاء، 27 مارس 2012

هل هناك استهدافاً للهوية العربية .. عبد الوهاب المسيري

يرى البعض أن هناك استهدافاً للهوية العربية بحد ذاتها أو بشكل خاص، ولكنني أذهب إلى القول أن هذا صحيحاً وغير صحيح فى الوقت ذاته، فهناك ما يهدد الهوية على الصعيد العالمي، حيث أفرزت الحضارة الغربية ظواهر تهدد ظاهرة الإنسان نفسه، من أهمها ما أسميه الاستهلاكية العالمية التي تضرب صميم ثوابت الإنسان وأخلاقياته. لقد ظهر في القرن التاسع عشر في الولايات المتحدة حضارة جديدة تتميز بالبرجماتية بمعنى أنها تفضل السهل على الخيّر والجميل. هذه الحضارة حققت انتشاراً غير عادي وأصبح يطلق عليها اسم النظام العالمي الجديد، وهى ترجمة لنظرية أن الناس هم مجموعة من البشر ليست لها هويات محددة، وما يهم هو الوفاء باحتياجاتهم المادية المباشرة، وبذلك اختفى المشروع الخاص وحلت محلة حضارة الكوكاكولا والهامبورجر! ومع تآكل الهوية، يزداد التراخي الإنساني، وتزداد النزعات الذرية في المجتمع، وتصبح الهجرة إلى الخارج أو السطو على بنك أو شراء ورقة يا نصيب هو الحل، وأصبح من الصعب أن نطلب من الجماهير أن تستيقظ مبكرة وأن تضحي بنفسها وأن تؤدي عملها في غياب مثل أعلى!! لابد أن يدرك الناس أن الهوية ليست مجرد فولكلور ولكنها فى واقع الأمر تعبير عن رؤية كاملة للكون. فالناس تستيقظ كل يوم لأداء عملها لتحقيق هدف ما، ولكن بدون وجود هدف تصبح عملية الاستيقاظ عملية بيولوجية خالية من المعنى. بينما أعتقد أنه في ظل وجود مشروع حضاري يعبر عن الهوية وعن رؤية الكون يصبح الاستيقاظ فعل إنساني يسهم في بناء الوطن.
ومع هذا هناك عوامل تهدد الهوية العربية على وجه الخصوص منها أن حضارة الصورة بدأت تحل محل اللغة المكتوبة أو الشفهية، والعرب لم يتملكوا بعد ناصية هذه اللغة الجديدة، ولذا فإن الأفلام الأمريكية والفيديو كليبات (التى تعبر عن رؤية للكون لا تكترث كثيراً بالهوية أو بمجموعة القيم المرتبطة به) تكتسح الإنسان الغربي وتقوضه.
...
هناك كذلك محاولة لضرب الفصحى، وعاء الذاكرة التاريخية، وبدون هذه الذاكرة التاريخية وبدون الفصحى يتحول الإنسان العربي إلى الإنسان ذي البعد الواحد الذي يمكن التنبؤ بسلوكه ويمكن توجيهه ليستهلك السلع التي تنتجها له الشركات عابرة القوميات والحدود والهويات. أما الإنسان الذي لا يدخل ضمن هذه المنظومة فإنه إنسان غير استهلاكي وبالتالي فهو بوسعه مقاومة هذه المنظومة.
لكل هذا لابد أن نتصدى للجهود المبذولة لتفتيت الهوية، فلابد أن نبين لجماهيرنا أن الهجوم على الهويات هو إحدى السمات الأساسية للنظام العالمي الجديد، وأن الهجوم على الهوية العربية هو إحدى البنود الأساسية فى المخطط الاستعماري بالنسبة لعالمنا العربي، وأن نبيّن لهم ضرورة التمسك بالهوية، وأنها ليست مجرد زخرف جميل، وإنما مكون أساسي من شخصيتنا القومية، وأن التنمية بدون تفعيل الهوية أمر مستحيل. وحيث أن منتجات الحضارة الغربية (الأفلام- الفاست فوود- الاستهلاكية) هى التى تهدد هويتنا، يصبح من الضروري أن نبيّن الجوانب المظلمة للحضارة الغربية ولمنتجاتها التى تُصدّر لنا والتى نبتلعها ونهضمها بسهولة بالغة. ومن هنا ضرورة قيام وكالة أنباء عربية متخصصة تعمد إلى رصد هذه الحضارة، بعيدا عن تأثير الإعلام الغربي، وتبيّن الثمن الفادح الذى يدفعه المواطن الأمريكي بسبب سياسات الحكومة الأمريكية. كما يجب أن نطرح مفهوماً للوحدة غير العضوية فيما أسميه "الوحدة الفضفاضة" التى تفسح المجال أمام كل الجماعات الإثنية والدينية أن تعبر عن هويتها، طالما أن هذا التعبير لا يفت في عضد سيادة هذه الدولة. فالنظام التعليمي -مثلا- ينبغي أن يقبل بالتعددية. والوحدة الفضفاضة هذه تسمح لكل دولة أن تدخل في إطار الوحدة العربية دون أن تفقد ما يميزها. فالمغرب -على سبيل المثال- بلد عربي إسلامي، يتسع لجماعات أخرى مثل الجماعات الأمازيغية. والعراق بلد عربي إسلامي يتسع للسُنَّة والشيعة والأكراد والتركمان.

د. عبد الوهاب المسيري