السبت، 26 نوفمبر 2011

وعد بلفور ... قراءة في الصهيونية المسيحية

بقلم / د. سليم محمد الزعنون

       د. معمر فيصل الخولي

يصادف الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني 2011 الذكرى السنوية الرابعة والتسعين لـ 'وعد بلفور 1917'، وما تضمنه من وضع الأسس لقيام وطن قومي لليهود في فلسطين؛ وشكل مدخلاً إلى النكبة الفلسطينية في الخامس عشر من مايو 1948 وما نتج عنها من تداعيات كان لها انعكاساتها من حيث مفاعيلها على الشعب الفلسطيني بشكل خاص والمنطقة بشكل عام، غير أن وعد بلفور 1917 لا يشكل البداية لفكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين؛ فقد يكون 'آرثر بلفور' مهندس الفكرة ومجسدها السياسي؛ ولكن هذا لايعني أن أفكاره ورؤاه كانت جديدة فقد سبقه الكثيرون الذين وضعوا وطوروا تلك الأفكار قبل ذلك بثلاثة قرون, في هذا السياق فإن فكرة انشائه تضرب بجذورها في القرن السادس عشر الميلادي؛ حيث تبلورت في إطار ما سمي بـ 'الصهيونية المسيحية' التي وضعت المقدمات الحقيقية لظهور الصهيونية بوصفها مجموعة من المعتقدات المنتشرة بين غير اليهود والتي تؤيد قيام دولة قومية يهودية في فلسطين.

أولاً / الصهيونية المسيحية

يطلق مسمى الصهيونية المسيحية على معتقد جماعة من المسيحيين المنحدرين غالباً من الكنائس البروتستانتية الأصولية والتي تؤمن بأن قيام دولة إسرائيل عام 1948 كان ضرورة حتمية بوصفها تتمم نبؤات الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد وتشكل المقدمة لمجيء المسيح  إلى الأرض كملكٍ منتصر، ويَعتقد الصهاينة المسيحيون أن من واجبهم الدفاع عن الشعب اليهودي بشكل عام وعن الدولة العبرية بشكل خاص، ويعارضون أي نقد أو معارضة لدولة إسرائيل.

ثانياً / السياق التاريخي للصهيونية المسيحية.

لا يمكن عزل مفهوم الصهيونية المسيحية عن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والتطورات السياسية التي حصلت في أوروبا في القرنين السادس والسابع عشر, عصر التجارة والإكتشافات الجغرافية وعصر الاستعمار التجاري ' المركنتلي'؛ ووصلت إلى ذروتها في نهاية القرن التاسع عشر.

قام الفكر الكنسي الكاثوليكي في القرون الوسطى على الفصل بين العبرانيين القدامى و بين اليهود المعاصرين, وكانت فلسطين بنظر الكنيسة الكاثوليكية تعتبر أساس الوطن المقدس  للمسيحيين، نظراً لذلك لم تنظر لليهود على أنهم الشعب المختار الذي قدر له أن يعود إلى الأرض المقدسة, ووفقاً للعقيدة الكاثوليكية لا يوجد لليهود مستقبل جماعي؛ من منطلق أنهم ارتكبوا إثماً فطردهم الله إلى منفاهم في بابل وعندما أنكروا أن عيسى هو المسيح المنتظر نفاهم ثانية وبذلك انتهى وجود ما يسمى ' بالأمة اليهودية' إلى الأبد.

1-      المملكة المتحدة 'بريطانبا'

في القرنين الرابع والخامس عشر بدأت الاحتجاجات ضد الكنيسة الكاثوليكية التي كانت على قمة الهرم الإقطاعي والبابا الديكتاتور المطلق؛ وفي القرن السادس عشر تمكن الشعب الانجليزي من الانفصال عن الكنيسة الكاثوليكية، والانتقال إلى المذهب البروتستانتي، وبمرور الوقت تمكن ساسة انجلترا من نشر المذهب البروتستاني بالقوة في كل من اسكتلندا، والجزء الشمالي من إيرلندا، وبذلك أصبحت بريطانيا المكونة من 'إنكلترا واسكتلندا وشمال إيرلندا' أقوى دولة بروتستانتية في غرب أوربا.

لقد اعتمدت الكنيسة البروتستانتية على إحياء العهد القديم 'التوراه' بوصفه يمثل أساس المسيحية وجعلت الكتاب المقدس هو المرجعية بدلاً من تفسيرات الكنيسة الكاثوليكية؛ وأعادت الاعتبار للغة العبرية من منطلق أنها لغة الكتاب المقدسة؛ واستخدمتها كلغة للصلاة في الكنائس البيوريتانية 'طائفة من البروتستانتية '، وصارت ذكرى قيام المسيح يوم السبت بدلاً من يوم الأحد.

وقد جاءت البيوريتانية في القرن السابع عشر في بريطانيا لتعلن تمسكها بالعهد القديم وحده متجاهلة العهد الجديد؛ وتقديسهم للعهد القديم دفعهم إلى تحسين العلاقة مع اليهود بوصفهم أبناء الرب وشعب الله المختار، نظراً لذلك تبنوا فكرة إعادة أبناء الرب إلى وطنهم 'فلسطين' كمقدمة لعودة المسيح؛ ثم انتشرت هذه الفكرة 'عودة المسيح' في أنحاء أوروبا المسيحية وارتبطت بضرورة إعادة اليهود أولاً إلى أرضهم 'فلسطين'.

لقد أدى إيمان البروتستانتية المطلق بأفكار التوراه إلى وجود فكر يربط بين الديني والسياسي وبين مجيئ المسيح وإقامة دولة يهودية، ففي عام 1615 طالب البرلماني 'السير هنري فينش' حكومة بلاده بدعم اليهود ليرجعوا لأرض الموعد قائلاً ' ليس اليهود قلة مبعثرة، بل أنهم أمة، ستعود أمة اليهود إلى وطنها، وستعمر كل زوايا الأرض وسيعيش اليهود بسلام في وطنهم إلى الأبد'؛ وفي عام 1649م رفع اثنان من علماء الأديان الإنجليز خطاباً إلى حكومتهم جاء فيه : ' ليكن شعب إنجلترا أول من يحمل أبناء إسرائيل على سفنهم إلى الأرض التي وعد بها أجدادهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب لتكون إرثهم الأبدي'.

وقد تجسدت الصهيونية المسيحية في بعدها السياسي الأيديولوجي للمرة الأولى في بريطانيا عام 1655 عندما دعا 'أوليفر كرومويل' رئيس المحفل البوريتاني لعقد مؤتمر يسمح لليهود بالعودة للسكن والإقامة في المملكة 'فلسطين'؛ بعدما تم نفيهم منها بقرار من الملك إدوارد الأول عام 1290.

كما برز في القرن التاسع عشر العديد من الشخصيات تدعو للصهيونية المسيحية مثل 'جون نلسون داربي' و'القس لويس واي' بحيث اصبحت الجمعية التي يترأسها الأخير أهم منبر للتعبير عن أفكار الصهيونية المسيحية بما في ذلك الدعوة لعودة اليهود إلى فلسطين؛ اضافة إلى البرلماني البريطاني 'هنري دارموند' الذي ترك الحياة السياسية بعد زيارته الأراضي المقدسة ليكرس بقية حياته لتعليم المسيحية بنسختها الأصولية وليدعوا لعودة اليهود إلى فلسطين؛ وايضاً 'القس ويليام هشلر' الذي قام بتنظيم عمليات نقل المهاجرين اليهود الروس إلى فلسطين؛ ونشر كتاباً عام 1894 بعنوان 'عودة اليهود إلى فلسطين' اعتبر فيه أن العودة تجسد تحقيقاً لنبوءات وردت في العهد القديم، وأخيراً من أشهر السياسيين البريطانيين اللورد 'آرثر بلفور' مهندس وعد بلفور1917.

2-      الولايات المتحدة الأمريكية

مع بدايات القرن التاسع عشر ولذات الاعتبارات الدينية مثلت الكنيسة البروتستانتية في الولايات المتحدة الداعم الأكبر لمشروع الوطن القومي لليهود في فلسطين، بوصفها تشكل أكبر الطوائف المسيحية 65% مقارنة بالكاثوليك 30%، ولاقت أفكار المذهب البروتستانتي رواجاً في الولايات المتحدة بفضل جهود لاهوتيين بروتستانت مثل 'دوايت مودي'  و'سايروس سكوفيلد' و'ويليام بلاكستون'، حيث روج 'ويليام بلاكستون' في كتابه ' يسوع قادم' عام 1878 لفكرة عودة المسيح والحياة الألفية السعيدة، وذلك يستدعي قيام دولة اليهود الممهدة لذلك؛ وكتب 'سايروس سكوفيلد' حول الحرب الكونية على الأشرار، ولكنه جعلها حرباً نووية مدمرة 'هرمجدون' بين اليهود وأعدائهم من المسلمين والكفار.

أنشأ القس 'جيري فالويل' في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1979 'منظمة الأغلبية الأخلاقية'، التي تضم لجان سياسية لمسيحيين ذوي توجهات محافظة، وينص أحد المبادئ الأربعة التأسيسية للمنظمة على 'دعم إسرائيل والشعب اليهودي في كل مكان'، وقد عبرت تصريحات 'جيري فالويل' عن البعد الديني في العلاقة مع اسرائيل قائلا 'إن من يؤمن بالكتاب المقدس حقاً يرى المسيحية ودولة إسرائيل الحديثة مترابطتين على نحو لا ينفصم، إن إعادة إنشاء دولة إسرائيل عام 1948 لهي في نظر كل مسيحي يؤمن بالكتاب المقدس تحقيق لنبوءات العهدين القديم والجديد'.

أعطى قيام دولة إسرائيل عام 1948 زخماً قوياً لمتبني الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة، كما أن حرب حزيران عام 1967 كانت بالنسبة لهم أشبه بمعجزة إلهية تمكن فيها اليهود من دحر عدة جيوش عربية مجتمعة في آن واحد وأحكمت خلالها الدولة العبرية سيطرتها على بقية أراضي فلسطين التاريخية خصوصاً القدس الشرقية والمواقع الدينية التي تحتضنها؛ ويعتبر البروتستانت أنه باحتلال إسرائيل للقدس والضفة الغربية تحققت نبوءة الكتاب المقدس.

في عام 1989حل 'جيري فالويل' منظمة الأغلبية الأخلاقية لكن المسيحيين المحافظين حافظوا على دورهم كداعمين لإسرائيل رغم افتقارهم لوجود مؤسسة قوية رسمية لدعم الدولة العبرية بقوة؛ ولتأطير هذا الدعم أسس الصهاينة المسيحيين في الولايات المتحدة عدة مؤسسات هدفها المعلن التشجيع على مساندة إسرائيل، أبرزها 'مسيحيون متحدون من أجل إسرائيل' وصفها القس 'جون هاجي' بالنسخة المسيحية من أيباك، ومؤسسات أخرى مثل 'مؤتمر القيادة المسيحية الوطني من أجل إسرائيل' و'ائتلاف الوحدة من أجل إسرائيل' و'السفارة المسيحية العالمية في أورشليم' وغيرها.

منذ ثمانينات القرن الماضي سيطر اليمين المسيحي المحافظ على الحزب الجمهوري منذ 'جيمي كارتر' و'رونالد ريغن' و'جورج بوش الأب' وصولاً إلى 'جورج بوش الإبن'،  بما تشكل التحالف الجمهوري الجديد بين ' الصهيونية المسيحية '

ثالثاً / الانتاج الفكري والأدبي في خدمة الصهيونية المسيحية

منذ القرن السادس عشر بدت سيطرة البعد الديني واضحة في انتاج الغرب الفكري والأدبي والفلسفي؛ والقى بكل قيم الصهيونية المسيحية في معادلة فلسطين اليهودية؛ فكتب 'ميلتون' قصيدته الشهيرة ' الفردوس السعيدة ' التي تُظهر إيمانه بالعصر الألفي السعيد عن طريق اعادة اليهود إلى فلسطين بتدخل قوة إلهية خارقة؛ ونشر 'هنري فنش' عام 1621 كتابه حول 'البعث العالمي الكبير- أو عودة اليهود ومعهم كل ممالك الأرض إلى دين المسيح'، وجدد 'الكسندر بوب' فكرة المملكة اليهودية في قصيدته ' المسيح'؛ ونشر 'توماس برايتمان' كتابه الذي يدعو إلى إعادة 'الشعب اليهودي' إلى أرض 'آبائه وأجداده' لتحقيق نبوءة الكتاب المقدس؛ وصور 'جاك بوسيه' عام1681 قي كتابه ' دراسة التاريخ العالمي' إسرائيل على إنها الأمة التي تعلو كل الأمم؛ فهي حجر الأساس في تاريخ العالم.

وفي ألمانيا تناول 'هانس ساش' في كتابيه عام 1552 موضوعات عن التاريخ اليهودي؛ وأكدت 'كريستان وايز' نفس الأفكار في كتابها عام 1683؛ وكتب الشاعر 'جوتهلد ابهريم لستنغ' روايته ناتان الحكيم عام 1779 التي تنتقل إلى موطن البطل اليهودي ناتان وتصور الرواية الحملة الصليبية الثالثة وتصور صلاح الدين الأيوبي كمحتل للقدس.

في ذات السياق نلاحظ مناصرة لقضية عودة اليهود إلى فلسطين على أسس دينية في كتابات الفلاسفة 'جوزيف بريستلي'؛ 'جون لوك', 'إسحق نيوتن', 'جوهان جوتغريد وهودر'، 'جان جاك روسو'؛ 'بليز باسكال'؛ 'ايمانويل كانت'؛ 'فخته'، فقد كان جوزيف بريستلي هو أول من تصور بأن فلسطين أرضا ًغير مأهولة بالسكان وتمنى لليهود ' أن يجمعهم و يعيد توظيفهم في وطنهم أرض كنعان و يجعلهم أكثر الأمم شهرة'؛ وقام إسحاق نيوتن بوضع جدول زمني للأحداث التي سوف تؤدي إلى عودة اليهود إلى فلسطين انطلاقاً من نبوءات العهد القديم؛ أما الفيلسوف 'جان جاك رسو' صاحب نظرية 'العقد الاجتماعي'  قال 'لن نعرف الدوافع الداخلية لليهود أبداً حتى تكون لهم دولتهم الحرة ومدارسهم وجماعاتهم'، وكتب 'بليز باسكال' ' إن بقاء اليهود 4000 سنة سبب كاف للإ قتناع بأن الله موجود'، ووصف الفيلسوف 'إيمانويل كانت' اليهود بأنهم «الفلسطينيون الذين يعيشون بيننا». وأوجد بعض الفلاسفة الأوروبيين ذرائع لاحتلال فلسطين، إذ يرى الفيلسوف الألماني 'فخته' بأن لا مكان لليهود في أوروبا، وحل مشكلاتهم لا يتم إلا 'باحتلال أرضهم المقدسة ثانية وإعادتهم جميعاً إليها'.

رغم تراجع هذا النوع من الكتابات بداية القرن الثامن عشر الا أنه شهد تصاعداً مع نهاية القرن وبدايات القرن التاسع عشر مع كتاب جيمس بشينو' عودة اليهود – أزمة جميع الأمم' عام 1800.

رابعاً / تزاوج الفكر الديني والمصلحة السياسية

في البداية كان يُنظر لعودة اليهود إلى فلسطين من منطلق ديني بحت من حيث تحقيق النبوءة؛ بما أوجد علاقة بين اليهود وتحقيق الوعد القائم على عودة المسيح المخلص وحلول العصر الألفي السعيد.

وفي القرن السابع عشر بدأت المصلحة السياسية تلقي بثقلها إلى جانب الدين، فتم ربط الأفكار الدينية مع السياسة الواقعية القائمة على الحصول على نفوذ في الشرق الأدنى وتقوية هذا النفوذ تحت شعار الدين، وأصبحت أفكار عودة اليهود تُستغل كستار للمصالح الإستعمارية البريطانية في فلسطين التي ارتبط موقعها بالمتطلبات الأساسية للإمبراطورية، تجسد ذلك فعلياً في مقررات مؤتمر 'وايت هول' الذي دعا اليه 'أوليفر كرومويل' عام 1655 لبحث شرعية عودة اليهود, وتمخض عنه نص القرار' بالسماح لليهود بدخول دولة بروتستانتينية ينبغي ألا يكون قانونياً فحسب بل وأمراً نفعياً '؛ بما يؤشر لبداية توظيف البعد الديني لخدمة البعد السياسي بالإستفادة من اليهود وتوظيفهم في خدمة المصالح البريطانية، وتلخص 'بربارة تخمان' المؤرخة الصهيونية دراستها عن الإرتباط الإنجليزي المبكر بالصهيونية فتقول ' الدين وحده لم يكن كافيا, إذ أن شعور البيورتانيين الغامض والتآخي الروحي مع أبناء إسرائيل وآرائهم المثالية في التسامح وأمالهم الصوفية بالتعجيل بالعصر الألفي السعيد ما كانت لتؤدي إلى نتائج عملية لو لم تتدخل المنفعة السياسية'، ومنذ عهد 'كرومويل' أصبح أي اهتمام بريطاني بفلسطين يعتمد على دافعين متلازمين : دافع الربح تجارياً أو استعمارياً وعسكرياً والدافع الديني.

وفي ذات السياق يمكن تفسير دعوة 'نابليون بونابرت' في آخر القرن الثامن عشر 1799 لعودة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولتهم التي منحهم الله إياها؛ فقد أراد بذلك استثمار فكرة إعادة اليهود إلى وطنهم ليستفيد من أموالهم ومن جعل فلسطين دولة يهودية ترعى وتحمي مصالح فرنسا، وفي عام 1860 ظهر كتاب 'أرنست لاهاران' السكرتير الخاص لنابليون بَيَنَ فيه أهمية وجود دولة يهودية في فلسطين وما ستعكسه على المصالح الأوروبية؛ ودعا إلى مساعدة اليهود على إقامة دولة لهم في فلسطين، ورفع شأن اليهود إلى أعلى الدرجات.

لقد مثل القرن التاسع عشر ذروة المطالبة بعودة اليهود إلى وطنهم، حيث كانت المصالح المحرك الأساسي لعصر الإمبرياليات ولكنها بقيت مغلفة بالدين؛ أثراً لذلك سعي 'بالمرستون' وزير الخارجية البريطاني منذ ثلاثينات القرن الماضي من أجل تنفيذ الفكرة، وبذل 'تشارلز تشرشل' مجهوداً كبيراً في أربعينات القرن الماضي لحث شخصيات يهودية لتبني فكرة الوطن القومي في فلسطين، وأجرت شخصيات بريطانية العديد من الاتصالات مع الشخصيات اليهودية لإقناعها بمشروع الدولة اليهودية وطرد العرب منها أمثال 'كلورنس أوليفنت' 1829-1888، و'وليم هشلر' 1845-1931، وصاغ اللورد الانجليزي 'شافتسبيري' في مقاله عام 1839 عبارة 'شعبٌ بلا أرض؛ لأرضٍ بلا شعب'؛ تلك المواقف أسهمت في تجسيد فكرة الصهيونية اليهودية السياسية الرسمية في أواخر القرن التاسع عشر، من خلال المؤتمر الصهيوني اليهودي الأول الذي عقد في بال في سويسرا عام 1897م برئاسة 'تيودور هرتزل'، وفي إطاره تم خلق صلة ما بين أفكار الصهيونية المسيحية والمصالح الإستراتيجية لبريطانيا، وتتابعت مواقف الصهيونية المسيحية لتصل إلى 'آرثر جيمس بلفور' الذي خط اللمسات الأخيرة على المشروع بإستصدار وعد بلفور 1917 الذي يضع الأسس لعودة اليهود لفلسطين كتمهيد لعودة المسيح، وخدمة المصالح البريطانية في المنطقة.

في ذات الإطارت وظفت الولايات المتحدة البعد الديني لخدمة البعد السياسي، بدا ذلك واضحاً في تصريحات السياسين والمفكرين ورجال الدين، في هذا السياق تحدث ' جيري فالويل' بأن 'الله بارك أمريكا لأن أمريكا باركت اليهود. فإذا أرادت هذه الأمة أن ترى حقولها محافظةً على بهائها وإنجازاتها العلمية محافظة على ريادتها وحريتها محمية، فعلى أمريكا أن تبقى واقفة إلى جانب إسرائيل'، وكذلك القس المسيحي 'مايك إيفانز' بقوله 'إن إسرائيل تلعب دوراً حاسماً في المصير الروحي والسياسي لأمريكا‏'.

التقيم والخلاصة

يؤشر ما سبق إلى أن وعد بلفور 1917 لا يشكل البداية لفكرة الوطن القومي لليهود في فلسطين، وانما تضرب الفكرة بجذورها في القرن السادس عشر حيث تبلورت في إطار ما سمي بـ 'الصهيونية المسيحية' التي وضعت المقدمات الحقيقية لظهور الصهيونية بوصفها مجموعة من المعتقدات المنتشرة بين غير اليهود والتي تؤيد قيام دولة قومية يهودية في فلسطين من منطلقات دينية.

وفي القرن السابع عشر بدأت المصلحة السياسية تلقي بثقلها إلى جانب الدين، فتم ربط الأفكار الدينية مع السياسة، وأصبحت أفكار عودة اليهود تُستغل كستار للمصالح الإستعمارية البريطانية في فلسطين التي ارتبط موقعها بالمتطلبات الأساسية للإمبراطورية.

المحصلة أن ما حدث ولا زال يحدث مرتبط بالبعد العقدي للغرب الذي يؤمن بأن عودة المسيح لا يمكن أن تتحق إلا بعودة اليهود إلى فلسطين، لذلك ليس هناك أي احتمال يبدو في الأفق بموجبه يتراجع الغرب عن مساعدة اليهود إلا إذا حدث تغيُّر عقائدي جديد على غرار ما حدث في القرن السادس عشر.

الأحد، 20 نوفمبر 2011

معسكرات الشياطين وفراديس الملائكة

معسكرات الشياطين وفراديس الملائكة
نصر شمالي
2011-07-29
حسب التصنيفات والتوصيفات الأطلسية/الصهيونية للعالم تدخل الشعوب العربية/الإسلامية جميعها في نطاق محور الأشرار الدولي، وتدخل بلدانها جميعها في نطاق معسكرات الشياطين. والقاعدة الأطلسية (الفقهيّة) هنا هي أنّ الأشرار الشياطين لا يمكنهم أن يكونوا أخياراً ملائكة حتى لو ظهر بينهم (كاستثناء) من لديه مثل هذه الرغبة، ولذلك لا توبة ولا مغفرة، وما ينبغي فعله هو إرغامهم على الانصياع التام، وإلاّ فليس لهم سوى الموت الزؤام أمّا الشعوب الأطلسية (الأنكلوسكسونية/الفرنكوفونية/اليهودية) فتدخل جميعها في نطاق الأخيار، وتدخل بلدانها جميعها في نطاق فراديس الملائكة، ولا يغيّر في القاعدة وقوع جريمة قتل جمعي عشوائي رهيبة كالتي شاهدناها قبل أيام في النرويج، فمرتكبها (المدعو أندرس بيرينغ برييفك) ملاك أطلسي، شنّ هجوماً استباقياً ضدّ الشياطين المسلمين والماركسيين، ترتّبت عليه بعض الأضرار الهامشية.
' ' 'لقد رأينا كيف عومل برييفك من قبل أجهزة السلطة، بعد استسلامه، بمنتهى اللطف والاحترام. وقد اعترف صراحة بجريمته وبدوافعها وأهدافها كأنّما هو يلقي موعظة. وطوال الوقت لم يوجّه إليه عناصر الأمن كلمة جارحة، ولا نظرة قاسية، ولم يتلقّ صفعة، بالطبع. كان أنيقاً هادئاً، مستقرّاً براحته التامة عند النافذة في المقعد الخلفي من سيارة البوليس الفارهة، كأنّما هو في طريقه إلى حفل ساهر (في بلادنا يشتدّ التنكيل بجرحى المظاهرات العزّل). وسرعان ما انتهى التحقيق الأوّلي مع برييفك من قبل هيئة محكمة نظامية، وأعلن هو شخصياً ببساطة أنّه يقبل الحكم عليه بالسجن المؤبّد، كما هو متوقّع، علماً أنّ 'المؤبّد' في بلاد الملائكة، في سجونهم الملائكية، هو في حدود العشرين عاماً، أمّا في بلاد الشياطين( ونحن نستخدم المصطلحات الأطلسية) فقد سجن أكثر من عشرين عاماً بكثير أشخاص لم تثبت عليهم تهمة، ولم يمثلوا أمام محكمة، بينهم صبيان لم يبلغوا سنّ الرشد عند اعتقالهم.
' ' 'والآن ينبغي أن نسارع إلى القول أنّ برييفك المواطن الأطلسي هو ذاته برييفك الحاكم (وأحياناً المعارض) في البلاد العربية، يرتدي الزيّ العربي وينطق باللغة العربية، ويدمّر ويعذّب ويسجن ويقتل كما يشاء وأين يشاء ومتى يشاء، منطلقاً بدافع أخلاقي، فهو يفتك بالشياطين الأشرار ويدمّر معسكراتهم. ولتلمّس خلفيات هذا 'الفقه' نذكر أنّ أحد القادة الأوروبيين أفتى قبل عدّة قرون بأنّ الفعل الذي يعتبر جريمة في أوروبا هو فعل طبيعي مشروع وليس جريمة في آسيا وأفريقيا. وقبل حوالي نصف قرن صرّحت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير أنّها لن تغفر للفلسطينيين إكراههم إياها على قتلهم. وكذلك فإنّ الحاكم العربي عموماً (وأحياناً المعارض العربي) كثيراً ما يحقد على المواطن 'الحقير' الذي يريد أن يبرهن أنّه ليس شيطاناً، والذي يرغمه على قتله قتلاً مباشراً معلناً، ولا يدعه يميته موتاً ذاتياً بطيئاً غير مرئي.
ويجب أن لا تفوتنا الإشارة إلى أنّ الإلحاح الأطلسي على امتداح وتقدير 'الواحة الديمقراطية الإسرائيلية' يأتي في معرض تكريس الحدود الأبدية بين الملائكة والشياطين، فهذه الواحة دولة حدود أطلسية وخطّ قتال أمامي أطلسي ضدّ معسكرات الشياطين العربية. لكنّ هذا التصنيف والتمييز يمكن أن يشمل اليهود أيضاً. فقد صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ليفي أشكول ذات مرة قائلاً: اليهود متساوون، ولكن هناك يهوداً متساوون أكثر. لقد كانت تلك إشارة إلى اليهود 'الوضيعين' من أصول عربية وآسيوية وأفريقية. وكان الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان قد قال مخاطباً يهود نيويورك: إنّ 'إسرائيل' هي الديمقراطية الوحيدة 'التي يمكننا الاعتماد عليها في بقعة من العالم قد تشهد مأساة هرمجدون. إنّ جميع القادة الأطلسيين كما أشرنا - يمتدحون ويقدّرون 'الواحة الديمقراطية الإسرائيلية'، لكنّ تصريح ريغان يتميّز ببعده التلمودي الذي يفصل سرمدياً بين الملائكة والشياطين في الدنيا وفي الآخرة. إنّ 'هرمجدون' التلمودية هي قرية 'مجدو' الفلسطينية الواقعة على طريق جنين حيفا، والتي تقول الأساطير الصهيونية أنها سوف تشهد حتماً معركة فاصلة تقع بين قوى الخير وقوى الشرّ، وسوف تعمّ أهوالها الأسطورية 'الشرق الأوسط' بمجمله.
إنّ الأطلسيين، من الرئيس الأميركي ريغان إلى المواطن النرويجي برييفك، يتهمون المسلمين بالتعصّب الديني، سواء في ما بينهم كمسلمين أو تجاه أمم الحلف الأطلسي الأنكلوسكسونية/الفرنكوفونية غير المسلمة. لكنّ الوقائع التاريخية القديمة والحديثة تقول غير ذلك، وتظهر أنّ أوروبا والولايات المتحدة هما من ينتج ويستهلك ويصدّر ويسوّق التعصّب والتمييز الديني والعرقي والطبقي. ففي اعتراف برييفك تضمين للثلاثة: الديني والعرقي والطبقي. لقد قال صراحة أنّ عمليته تستهدف الإسلام والمسلمين (في آسيا وأفريقيا) والماركسية والماركسيين (في أوروبا وأميركا). أمّا رونالد ريغان فقد تحدّث إلى اليهودي الصهيوني توماس دين مدير لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (بتاريخ 18/10/1983) شاكراً إياه على مساعيه في إقناع الكونغرس بالسماح للرئيس بإبقاء قوات المارينز في لبنان مدّة ثمانية عشر شهراً أخرى. وقد أضاف قائلاً له: إنني أعود إلى أنبيائكم في العهد القديم، وإلى النذر التي وردت، والتي تسبق معركة هرمجدون، وأسائل نفسي عمّا إذا كان جيلنا سيرى هذه الواقعة. ولا أدري إذا أنت لاحظت مؤخّراً تحقّق هذه النبؤات. صدّقني إنّ النبؤات تصف بوضوح أيامنا التي نعيشها الآن. (صحيفة 'جيروزاليم بوست').
لقد احتلّت الولايات المتحدة مكانتها الدولية الفريدة، وحققت سويّة ثرائها ورفاهتها وبذخها المذهلة، بفضل العلوم المادية الحديثة. ويفترض أنّ الإيمان بهذه العلوم لا يتناقض دائماً وبالضرورة مع الإيمان الديني عموماً، عندما توضع منجزات العلوم المادية الحديثة في خدمة الإنسان والحياة عموماً. غير أنّ الاحتكارات اللئيمة مصمّمة على الاستئثار بهذه العلوم وبمنجزاتها الرائعة، ومصمّمة على حجبها عن الآخرين الذين تريد استعبادهم، فكان أن استعانت بالخرافات والأساطير الدينية في بلادها وفي بلاد الآخرين لإنهاك البشرية، وفي الوقت نفسه استبعدت وحاربت الإيمان الديني النزيه عموماً، الموسوي والمسيحي والإسلامي. وهكذا فإنّ معسكرات الشياطين لا تقتصر على المسلمين وحدهم، أمّا فراديس الملائكة فتقتصر فقط على أصحاب المذاهب المتصهينة، من أمثال ريغان ودين وبرييفك، الأمر الذي يعطيهم الحقّ في تدمير أوطان الآخرين وقتلهم عند الضرورة بأعصاب باردة وجنان ثابت.

' كاتب سوري

انها الحرب زاحفة وبسرعة _ عبد الباري عطوان

انها الحرب زاحفة وبسرعة
عبد الباري عطوان
2011-11-13


نحن نعيش هذه الايام الظروف نفسها التي عشناها قبل عشرين عاما عندما اجتمع القادة العرب في القاهرة تحت قبة الجامعة العربية وقرروا بالأغلبية اتخاذ قرار بدعوة القوات الاجنبية لشن حرب لاخراج القوات العراقية من الكويت. بل لا نبالغ اذا قلنا ان الملاسنات التي حدثت في اروقة الجامعة العربية اثناء انعقاد مؤتمر وزراء الخارجية العرب بعد صدور قرار بتعليق عضوية سورية، هي نفسها التي حدثت في آب (اغسطس) عام 1990، مع فارق اساسي وهو ان الاولى كانت بين الوفد العراقي (كان رئيسه طه ياسين رمضان، ووزير خارجية الكويت في حينها الشيخ صباح الاحمد)، وهذه المرة حدثت بين سفير سورية يوسف الاحمد، ورئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني.
النظام السوري كان في المرة الاولى يقف في خندق دول الخليج نفسها في مواجهة النظام العراقي، او ما يسمى بمعسكر دول 'الضد'، والاكثر من ذلك ارسل قوات الى الجزيرة العربية للمشاركة في 'تحرير' الكويت، او قوات عاصفة الصحراء، وها هو التاريخ يعيد نفسه ولكن بشكل آخر، حيث يجد النظام السوري نفسه في مواجهة حلفائه، وربما عاصفة صحراء اخرى. السؤال هو: هل ستواجه سورية مصير العراق، وهل سينتهي الرئيس بشار الاسد واركان نظامه النهاية نفسها التي انتهى اليها الرئيس الراحل صدام حسين واركان نظامه، مع الفارق في المقارنة؟
قرار وزراء الخارجية العرب الذي اتخذ على عجل في جلسة طارئة يوم امس الاول يفتح الباب على مصراعيه امام تدخل عسكري خارجي في سورية تحت عنوان حماية الشعب السوري. فالجامعة العربية، وفي السنوات العشرين الماضية بات دورها محصورا في توفير الغطاء العربي، بغض النظر عن شرعيته من عدمه، لمثل هذا التدخل، هذا الدور بدأ في العراق، وبعد ذلك في ليبيا، وبات من المرجح، وفي القريب العاجل ان تكون سورية المحطة الثالثة، والله وحده، ومن ثم امريكا، يعلم من هي الدولة الرابعة.
الرئيس العراقي صدام حسين كان له بعض الاصدقاء، وان كان هؤلاء من دول ضعيفة او هامشية (في نظر البعض) مثل اليمن والسودان وليبيا وتونس وموريتانيا، الى جانب منظمة التحرير، ولكن المفاجئ ان الرئيس السوري، ومثلما تبين من التصويت على قرار تعليق العضوية، لم يجد صديقا يصوت ضد القرار غير لبنان واليمن ، مع امتناع العراق، فحتى السودان المحاصر المفكك المستهدف لم يجرؤ على معارضة القرار، وكذلك هو حال الجزائر. ان هذا ابلغ درس يجب ان يستوعبه النظام السوري، ويستفيد منه، ويطور سياساته في المرحلة المقبلة، بل عفوا الايام المقبلة، على اساس العبر المستخلصة منه.
' ' '
من المؤكد ان هناك 'سيناريو ما' لهذا التدخل العسكري جرى وضعه منذ اشهر، وربما سنوات، فهذا التسرع في اصدار القرار بنزع الشرعية عن النظام السوري لا يمكن ان يأتي بمحض الصدفة، فكل شيء يتم الآن في عجالة، ابتداء من التوظيف الاعلامي الشرس، ومروراً بالتوليف المفاجئ للمجلس الوطني السوري، وانتهاء بالاجتماعات المفتوحة والمتواصلة لوزراء الخارجية العرب، وما تتسم به من حسم جريء، والدقة المحبوكة في اتخاذ القرارات.
السيد نبيل العربي امين عام الجامعة العربية قال ان جامعته بصدد اعداد آلية لتوفير الحماية للشعب السوري، ولكنه لم يكشف عن طبيعة وهوية هذه الآلية، هل هي عربية (هذا مستبعد) ام هي امريكية غربية (وهذا مشكوك فيه لحدوث تغيير في الاستراتيجيات التدخلية الامريكية)، ام هي اسلامية (وهذا مرجح بعد تزايد الحديث عن دور تركي عسكري في سورية)؟.
النظام السوري، وبسبب قراءته الخاطئة للوقائع على الارض منذ ان ايّد التدخل العسكري الدولي في العراق، يسهل تطبيق هذه السيناريوهات، فقد رفض كل النداءات والنصائح التي طالبته وتطالبه بوقف الاستخدام المفرط للحلول العسكرية والامنية الدموية، للتعاطي مع مطالب شعبه المشروعة في الاصلاح، وها هو الآن، وبسبب ذلك، او توظيفا له، يواجه تدويل الأزمة السورية.
من الصعب التكهن بطبيعة التحرك العسكري المقبل ضد سورية وان كنا نستطيع ان نقول، ومن خلال تصريحات بعض رموز المعارضة السورية الذين لا ينطقون عن هوى، ان اقامة مناطق عازلة على الحدود مع تركيا والاردن، ربما تكون الفصل الاول في مسلسل التدويل، فمن الواضح ان هناك هرولة لمنع تحول الأزمة في سورية الى حرب طائفية اهلية تمتد الى دول الخليج خاصة، وضرورة حسم الموقف بسرعة.
الادارة الامريكية تعلمت كثيراً من درسي افغانستان والعراق، وأبرز دروسها المستخلصة ان تترك العرب يحاربون العرب، والمسلمين يحاربون المسلمين، وان يقتصر دورها والدول الغربية الاخرى على الدعم من الخلف او من السماء. وجرى تطبيق هذه الخلاصة بنجاح كبير في ليبيا.
' ' '
سورية ليست ليبيا، وما ينطبق على الثانية قد لا ينطبق على الأولى، فالنظام السوري مازال يتمتع ببعض الدعم والمساندة داخلياً، حيث قطاع من الشعب يسانده لاسباب طائفية، او اقتصادية، وخارجياً من قبل ايران وحزب الله، وبعد ذلك الصين وروسيا. ولعل اهم دروس ليبيا بالنسبة الى النظام السوري، هو ادراكه، اي النظام، ان التدخل العسكري لو بدأ ضده لن ينتهي الا بسقوطه وربما كل رموزه، الأمر الذي قد يدفعه للقتال حتى الموت.
نحن امام حرب اقليمية هي الأشرس من نوعها، قد تغير خريطة المنطقة الديموغرافية قبل السياسية، والهدفان الرئيسيان من هذه الحرب تغيير نظامين هما اللذان بقيا في منظومة ما يسمى الممانعة، او 'الشرق الاوسط القديم' اي سورية وايران. والسؤال هو أين ستكون الضربة الاولى، فهل ستوجه الى ايران ام الى سورية، ام الى الاثنتين في آن واحد، اي تهاجم اسرائيل ايران، وتهاجم تركيا عضو حلف الناتو سورية بدعم عربي؟
من السابق لأوانه الاجابة على اي من هذه الاسئلة، ولكن الشخص الوحيد الذي يمكن ان يوقف هذه الحرب، او الشق السوري منها، هو الرئيس بشار الاسد، اذا ما اتخذ قراراً شجاعاً، واقدم على تطبيق الخطة العربية بحذافيرها، وتجرع كأس السم الذي تجرعه السيد الامام الخميني رحمه الله، عندما وافق مكرها على وقف الحرب مع العراق وانقذ بلاده، وجعلها هذا القرار قوة اقليمية عظمى بعد ذلك.
نتمنى ان يتخذ الرئيس الأسد هذا القرار الشجاع وان لا يعول كثيراً على المظاهرات المليونية، وان يتخذه في اليومن القادمين وبسرعة.