معسكرات الشياطين وفراديس الملائكة
نصر شمالي
نصر شمالي
2011-07-29
حسب التصنيفات والتوصيفات الأطلسية/الصهيونية للعالم تدخل الشعوب العربية/الإسلامية جميعها في نطاق محور الأشرار الدولي، وتدخل بلدانها جميعها في نطاق معسكرات الشياطين. والقاعدة الأطلسية (الفقهيّة) هنا هي أنّ الأشرار الشياطين لا يمكنهم أن يكونوا أخياراً ملائكة حتى لو ظهر بينهم (كاستثناء) من لديه مثل هذه الرغبة، ولذلك لا توبة ولا مغفرة، وما ينبغي فعله هو إرغامهم على الانصياع التام، وإلاّ فليس لهم سوى الموت الزؤام أمّا الشعوب الأطلسية (الأنكلوسكسونية/الفرنكوفونية/اليهودية) فتدخل جميعها في نطاق الأخيار، وتدخل بلدانها جميعها في نطاق فراديس الملائكة، ولا يغيّر في القاعدة وقوع جريمة قتل جمعي عشوائي رهيبة كالتي شاهدناها قبل أيام في النرويج، فمرتكبها (المدعو أندرس بيرينغ برييفك) ملاك أطلسي، شنّ هجوماً استباقياً ضدّ الشياطين المسلمين والماركسيين، ترتّبت عليه بعض الأضرار الهامشية.
' ' 'لقد رأينا كيف عومل برييفك من قبل أجهزة السلطة، بعد استسلامه، بمنتهى اللطف والاحترام. وقد اعترف صراحة بجريمته وبدوافعها وأهدافها كأنّما هو يلقي موعظة. وطوال الوقت لم يوجّه إليه عناصر الأمن كلمة جارحة، ولا نظرة قاسية، ولم يتلقّ صفعة، بالطبع. كان أنيقاً هادئاً، مستقرّاً براحته التامة عند النافذة في المقعد الخلفي من سيارة البوليس الفارهة، كأنّما هو في طريقه إلى حفل ساهر (في بلادنا يشتدّ التنكيل بجرحى المظاهرات العزّل). وسرعان ما انتهى التحقيق الأوّلي مع برييفك من قبل هيئة محكمة نظامية، وأعلن هو شخصياً ببساطة أنّه يقبل الحكم عليه بالسجن المؤبّد، كما هو متوقّع، علماً أنّ 'المؤبّد' في بلاد الملائكة، في سجونهم الملائكية، هو في حدود العشرين عاماً، أمّا في بلاد الشياطين( ونحن نستخدم المصطلحات الأطلسية) فقد سجن أكثر من عشرين عاماً بكثير أشخاص لم تثبت عليهم تهمة، ولم يمثلوا أمام محكمة، بينهم صبيان لم يبلغوا سنّ الرشد عند اعتقالهم.
' ' 'والآن ينبغي أن نسارع إلى القول أنّ برييفك المواطن الأطلسي هو ذاته برييفك الحاكم (وأحياناً المعارض) في البلاد العربية، يرتدي الزيّ العربي وينطق باللغة العربية، ويدمّر ويعذّب ويسجن ويقتل كما يشاء وأين يشاء ومتى يشاء، منطلقاً بدافع أخلاقي، فهو يفتك بالشياطين الأشرار ويدمّر معسكراتهم. ولتلمّس خلفيات هذا 'الفقه' نذكر أنّ أحد القادة الأوروبيين أفتى قبل عدّة قرون بأنّ الفعل الذي يعتبر جريمة في أوروبا هو فعل طبيعي مشروع وليس جريمة في آسيا وأفريقيا. وقبل حوالي نصف قرن صرّحت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير أنّها لن تغفر للفلسطينيين إكراههم إياها على قتلهم. وكذلك فإنّ الحاكم العربي عموماً (وأحياناً المعارض العربي) كثيراً ما يحقد على المواطن 'الحقير' الذي يريد أن يبرهن أنّه ليس شيطاناً، والذي يرغمه على قتله قتلاً مباشراً معلناً، ولا يدعه يميته موتاً ذاتياً بطيئاً غير مرئي.
ويجب أن لا تفوتنا الإشارة إلى أنّ الإلحاح الأطلسي على امتداح وتقدير 'الواحة الديمقراطية الإسرائيلية' يأتي في معرض تكريس الحدود الأبدية بين الملائكة والشياطين، فهذه الواحة دولة حدود أطلسية وخطّ قتال أمامي أطلسي ضدّ معسكرات الشياطين العربية. لكنّ هذا التصنيف والتمييز يمكن أن يشمل اليهود أيضاً. فقد صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ليفي أشكول ذات مرة قائلاً: اليهود متساوون، ولكن هناك يهوداً متساوون أكثر. لقد كانت تلك إشارة إلى اليهود 'الوضيعين' من أصول عربية وآسيوية وأفريقية. وكان الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان قد قال مخاطباً يهود نيويورك: إنّ 'إسرائيل' هي الديمقراطية الوحيدة 'التي يمكننا الاعتماد عليها في بقعة من العالم قد تشهد مأساة هرمجدون. إنّ جميع القادة الأطلسيين كما أشرنا - يمتدحون ويقدّرون 'الواحة الديمقراطية الإسرائيلية'، لكنّ تصريح ريغان يتميّز ببعده التلمودي الذي يفصل سرمدياً بين الملائكة والشياطين في الدنيا وفي الآخرة. إنّ 'هرمجدون' التلمودية هي قرية 'مجدو' الفلسطينية الواقعة على طريق جنين حيفا، والتي تقول الأساطير الصهيونية أنها سوف تشهد حتماً معركة فاصلة تقع بين قوى الخير وقوى الشرّ، وسوف تعمّ أهوالها الأسطورية 'الشرق الأوسط' بمجمله.
إنّ الأطلسيين، من الرئيس الأميركي ريغان إلى المواطن النرويجي برييفك، يتهمون المسلمين بالتعصّب الديني، سواء في ما بينهم كمسلمين أو تجاه أمم الحلف الأطلسي الأنكلوسكسونية/الفرنكوفونية غير المسلمة. لكنّ الوقائع التاريخية القديمة والحديثة تقول غير ذلك، وتظهر أنّ أوروبا والولايات المتحدة هما من ينتج ويستهلك ويصدّر ويسوّق التعصّب والتمييز الديني والعرقي والطبقي. ففي اعتراف برييفك تضمين للثلاثة: الديني والعرقي والطبقي. لقد قال صراحة أنّ عمليته تستهدف الإسلام والمسلمين (في آسيا وأفريقيا) والماركسية والماركسيين (في أوروبا وأميركا). أمّا رونالد ريغان فقد تحدّث إلى اليهودي الصهيوني توماس دين مدير لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (بتاريخ 18/10/1983) شاكراً إياه على مساعيه في إقناع الكونغرس بالسماح للرئيس بإبقاء قوات المارينز في لبنان مدّة ثمانية عشر شهراً أخرى. وقد أضاف قائلاً له: إنني أعود إلى أنبيائكم في العهد القديم، وإلى النذر التي وردت، والتي تسبق معركة هرمجدون، وأسائل نفسي عمّا إذا كان جيلنا سيرى هذه الواقعة. ولا أدري إذا أنت لاحظت مؤخّراً تحقّق هذه النبؤات. صدّقني إنّ النبؤات تصف بوضوح أيامنا التي نعيشها الآن. (صحيفة 'جيروزاليم بوست').
لقد احتلّت الولايات المتحدة مكانتها الدولية الفريدة، وحققت سويّة ثرائها ورفاهتها وبذخها المذهلة، بفضل العلوم المادية الحديثة. ويفترض أنّ الإيمان بهذه العلوم لا يتناقض دائماً وبالضرورة مع الإيمان الديني عموماً، عندما توضع منجزات العلوم المادية الحديثة في خدمة الإنسان والحياة عموماً. غير أنّ الاحتكارات اللئيمة مصمّمة على الاستئثار بهذه العلوم وبمنجزاتها الرائعة، ومصمّمة على حجبها عن الآخرين الذين تريد استعبادهم، فكان أن استعانت بالخرافات والأساطير الدينية في بلادها وفي بلاد الآخرين لإنهاك البشرية، وفي الوقت نفسه استبعدت وحاربت الإيمان الديني النزيه عموماً، الموسوي والمسيحي والإسلامي. وهكذا فإنّ معسكرات الشياطين لا تقتصر على المسلمين وحدهم، أمّا فراديس الملائكة فتقتصر فقط على أصحاب المذاهب المتصهينة، من أمثال ريغان ودين وبرييفك، الأمر الذي يعطيهم الحقّ في تدمير أوطان الآخرين وقتلهم عند الضرورة بأعصاب باردة وجنان ثابت.
' كاتب سوري
' ' 'لقد رأينا كيف عومل برييفك من قبل أجهزة السلطة، بعد استسلامه، بمنتهى اللطف والاحترام. وقد اعترف صراحة بجريمته وبدوافعها وأهدافها كأنّما هو يلقي موعظة. وطوال الوقت لم يوجّه إليه عناصر الأمن كلمة جارحة، ولا نظرة قاسية، ولم يتلقّ صفعة، بالطبع. كان أنيقاً هادئاً، مستقرّاً براحته التامة عند النافذة في المقعد الخلفي من سيارة البوليس الفارهة، كأنّما هو في طريقه إلى حفل ساهر (في بلادنا يشتدّ التنكيل بجرحى المظاهرات العزّل). وسرعان ما انتهى التحقيق الأوّلي مع برييفك من قبل هيئة محكمة نظامية، وأعلن هو شخصياً ببساطة أنّه يقبل الحكم عليه بالسجن المؤبّد، كما هو متوقّع، علماً أنّ 'المؤبّد' في بلاد الملائكة، في سجونهم الملائكية، هو في حدود العشرين عاماً، أمّا في بلاد الشياطين( ونحن نستخدم المصطلحات الأطلسية) فقد سجن أكثر من عشرين عاماً بكثير أشخاص لم تثبت عليهم تهمة، ولم يمثلوا أمام محكمة، بينهم صبيان لم يبلغوا سنّ الرشد عند اعتقالهم.
' ' 'والآن ينبغي أن نسارع إلى القول أنّ برييفك المواطن الأطلسي هو ذاته برييفك الحاكم (وأحياناً المعارض) في البلاد العربية، يرتدي الزيّ العربي وينطق باللغة العربية، ويدمّر ويعذّب ويسجن ويقتل كما يشاء وأين يشاء ومتى يشاء، منطلقاً بدافع أخلاقي، فهو يفتك بالشياطين الأشرار ويدمّر معسكراتهم. ولتلمّس خلفيات هذا 'الفقه' نذكر أنّ أحد القادة الأوروبيين أفتى قبل عدّة قرون بأنّ الفعل الذي يعتبر جريمة في أوروبا هو فعل طبيعي مشروع وليس جريمة في آسيا وأفريقيا. وقبل حوالي نصف قرن صرّحت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير أنّها لن تغفر للفلسطينيين إكراههم إياها على قتلهم. وكذلك فإنّ الحاكم العربي عموماً (وأحياناً المعارض العربي) كثيراً ما يحقد على المواطن 'الحقير' الذي يريد أن يبرهن أنّه ليس شيطاناً، والذي يرغمه على قتله قتلاً مباشراً معلناً، ولا يدعه يميته موتاً ذاتياً بطيئاً غير مرئي.
ويجب أن لا تفوتنا الإشارة إلى أنّ الإلحاح الأطلسي على امتداح وتقدير 'الواحة الديمقراطية الإسرائيلية' يأتي في معرض تكريس الحدود الأبدية بين الملائكة والشياطين، فهذه الواحة دولة حدود أطلسية وخطّ قتال أمامي أطلسي ضدّ معسكرات الشياطين العربية. لكنّ هذا التصنيف والتمييز يمكن أن يشمل اليهود أيضاً. فقد صرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق ليفي أشكول ذات مرة قائلاً: اليهود متساوون، ولكن هناك يهوداً متساوون أكثر. لقد كانت تلك إشارة إلى اليهود 'الوضيعين' من أصول عربية وآسيوية وأفريقية. وكان الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان قد قال مخاطباً يهود نيويورك: إنّ 'إسرائيل' هي الديمقراطية الوحيدة 'التي يمكننا الاعتماد عليها في بقعة من العالم قد تشهد مأساة هرمجدون. إنّ جميع القادة الأطلسيين كما أشرنا - يمتدحون ويقدّرون 'الواحة الديمقراطية الإسرائيلية'، لكنّ تصريح ريغان يتميّز ببعده التلمودي الذي يفصل سرمدياً بين الملائكة والشياطين في الدنيا وفي الآخرة. إنّ 'هرمجدون' التلمودية هي قرية 'مجدو' الفلسطينية الواقعة على طريق جنين حيفا، والتي تقول الأساطير الصهيونية أنها سوف تشهد حتماً معركة فاصلة تقع بين قوى الخير وقوى الشرّ، وسوف تعمّ أهوالها الأسطورية 'الشرق الأوسط' بمجمله.
إنّ الأطلسيين، من الرئيس الأميركي ريغان إلى المواطن النرويجي برييفك، يتهمون المسلمين بالتعصّب الديني، سواء في ما بينهم كمسلمين أو تجاه أمم الحلف الأطلسي الأنكلوسكسونية/الفرنكوفونية غير المسلمة. لكنّ الوقائع التاريخية القديمة والحديثة تقول غير ذلك، وتظهر أنّ أوروبا والولايات المتحدة هما من ينتج ويستهلك ويصدّر ويسوّق التعصّب والتمييز الديني والعرقي والطبقي. ففي اعتراف برييفك تضمين للثلاثة: الديني والعرقي والطبقي. لقد قال صراحة أنّ عمليته تستهدف الإسلام والمسلمين (في آسيا وأفريقيا) والماركسية والماركسيين (في أوروبا وأميركا). أمّا رونالد ريغان فقد تحدّث إلى اليهودي الصهيوني توماس دين مدير لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (بتاريخ 18/10/1983) شاكراً إياه على مساعيه في إقناع الكونغرس بالسماح للرئيس بإبقاء قوات المارينز في لبنان مدّة ثمانية عشر شهراً أخرى. وقد أضاف قائلاً له: إنني أعود إلى أنبيائكم في العهد القديم، وإلى النذر التي وردت، والتي تسبق معركة هرمجدون، وأسائل نفسي عمّا إذا كان جيلنا سيرى هذه الواقعة. ولا أدري إذا أنت لاحظت مؤخّراً تحقّق هذه النبؤات. صدّقني إنّ النبؤات تصف بوضوح أيامنا التي نعيشها الآن. (صحيفة 'جيروزاليم بوست').
لقد احتلّت الولايات المتحدة مكانتها الدولية الفريدة، وحققت سويّة ثرائها ورفاهتها وبذخها المذهلة، بفضل العلوم المادية الحديثة. ويفترض أنّ الإيمان بهذه العلوم لا يتناقض دائماً وبالضرورة مع الإيمان الديني عموماً، عندما توضع منجزات العلوم المادية الحديثة في خدمة الإنسان والحياة عموماً. غير أنّ الاحتكارات اللئيمة مصمّمة على الاستئثار بهذه العلوم وبمنجزاتها الرائعة، ومصمّمة على حجبها عن الآخرين الذين تريد استعبادهم، فكان أن استعانت بالخرافات والأساطير الدينية في بلادها وفي بلاد الآخرين لإنهاك البشرية، وفي الوقت نفسه استبعدت وحاربت الإيمان الديني النزيه عموماً، الموسوي والمسيحي والإسلامي. وهكذا فإنّ معسكرات الشياطين لا تقتصر على المسلمين وحدهم، أمّا فراديس الملائكة فتقتصر فقط على أصحاب المذاهب المتصهينة، من أمثال ريغان ودين وبرييفك، الأمر الذي يعطيهم الحقّ في تدمير أوطان الآخرين وقتلهم عند الضرورة بأعصاب باردة وجنان ثابت.
' كاتب سوري
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق