الأربعاء، 15 أغسطس 2012

. تونسيات في المقاومة المسلّحة:متواضعة لكن حاسمة د.عميرة عليّة الصغيّر

‎. تونسيات في المقاومة المسلّحة:متواضعة لكن حاسمة

. تونسيات في المقاومة المسلّحة:متواضعة لكن حاسمة
د.عميرة عليّة الصغيّر

* سنوات الحسم مع الاستعمار :

تعتبر سنوات الخمسين من القرن الماضي سنوات الحسم مع الاستعمار الفرنسي في المغرب العربي إذ اندلعت المقاومة العنيفة والشعبية في تونس منذ بداية 1952 ([1])، وفي المغرب خاصّة منذ عزل السلطان محمد بن يوسف في أوت 1953، وفي الجزائر منذ 1 نوفمبر 1954 ([2]). ونظرا لطبيعة الاستعمار في كل من البلدان الثلاثة والخصوصيات المتعلّقة بكل حركة تحرّر في كل منها إذ كان الطابع العنفي المسلح هو الأساس في الثورة الجزائرية وازدواج العمل السياسي مع المقاومة العنيفة في المغرب وتونس ونظرا كذلك لاختلاف الوزن الديمغرافي والامتداد الجغرافي للبلدان الثلاثة فإن حضور النساء في المقاومة المسلحة كان هو كذلك متباينا من بلد إلى آخر.
في تونس، كانت مساهمة المرأة متواضعة في المقاومة المسلحة في الخمسينات وكذلك قبل ذلك إذا استثنينا اسمين أو ثلاثة شأن مباركة بنت عمر بن عبد الملك وحليمة بنت عمر بن عبودة زوجة عبد الله الغول وقد شاركتا في إحدى معارك انتفاضة المرازيق (1943-1944). إذ في أعمال "الإرهاب الوطني" في المدن (اغتيالات المتعاونين، حرق أو تفجير رموز التواجد الاستعماري، قتل عناصر استعمارية...) أو في غيرها، لم نسجّل مثلا تورّط أي امرأة في عمليات مثل هذه طيلة الخمسينات ولا يعني ذلك أنه لم توجد بعض النساء اللواتي حملن أسلحة أو خبّأن متفجّرات في منازلهنّ ([3]). كذلك الأمر في حركة المقاومة المعروفة بحركة "الفلاّقة"، إن كانت في فصلها الأول (جانفي 1952- ديسمبر 1954) أو في فصلها الثاني (ديسمبر 1955- جويلية 1956)، والتي انخرط فيها بين 1952 و1954 حوالي 3000 مقاوم. وفي فصلها الثاني ما بين 600 و700 مقاوم لم تسجّل أسماء مقاومات صعدن للجبل إلا لثلاث نعود لهنّ لاحقا. منهنّ اثنتان تحصّلتا على "بطاقة أمان" (يسميها المقاومون "بطاقة دولاتور" نسبة إلى المقيم العام الجنرال بواييي دولاتور (Boyer de Latour) وهما حسينيّة رمضان عميّد من عصابة الأزهر الشرايطي وكذلك رفيقتها الجزائرية موساوي مسعودة والمعروفة بمحجوبة منصور تحت نفس القيادة ([4])، والتي استشهدت حاملة السلاح في الثورة الجزائرية بالأوراس ([5]). دون الثلاث هؤلاء، لا تذكر المصادر المتاحة حاليا ولا كذلك كل الذين درسوا المقاومة المسلّحة في تونس في الخمسينات أسماء نسوة أخريات. هل يعني ذلك أن المرأة لم تشارك في هذه المقاومة؟ طبعا لا. لقد شاركت النسوة خاصة اللواتي كنّ في علاقة قرابة مع المقاومين كزوجات أو أخوات أو بنات في دعم المقاومة اللوجستي، بتحويل الأسلحة وخاصة توفير المؤونة واللباس ونقل المعلومات أو الاستخبار، ولنا في الأمثلة التالية نموذجا من مساهمة المرأة التونسية في حركة المقاومة المسلحة:
- خضراء الزيدية صعدت إلى الجبل مع زوجها ([6]).
-مبروكة بنت محمد زوجة المقاوم حسن الغيلوفي: استقبال المقاومين وإيوائهم وحفظ أسرارهم وتعرّضها للتهديد من القوات الاستعمارية ([7]).
-حسينيّة رمضان عميّد: حملت السلاح مع الأزهر الشرايطي، فجّرت جسرا على وادي المالح بين قفصة وزانوش، تحصلت على "بطاقة دولاتور".
-محجوبة الموساوي: مقاومة وصحافية في عصابة الشرايطي، تجمع المعلومات.
-ريم المسّية: من المكناسي زوجة مناضل، مموّلة للمقاومة وتخيط زي المقاومين.
-محبوبة حرم عبد الحفيظ الحاجّي:أبنها المقاوم حسين الحاجّي، من أولاد الحاج سيدي عيش، مموّلة للمقاومة.
-دُولة بنت محمد الصالح عميّد: مخبرة تنقل الأخبار تحت غطاء تاجرة متجوّلة.
-تونس حرم العربي الرّاهم السلاّمي: من أولاد سلاّم، مموّلة "للثورة" مع زوجها، من كاف دربي (معتمدية قفصة الشمالية).
-محبوبة الحاج شكري: زوجة عبد الحفيظ الحاجي من سيدي عيش، مموّلة.
-عسريّة حرم أحمد اليحياوي: من سقي المظيلة، مموّلة وتأوي وتداوي المقاومين.
-الحاجة زهرة نصيب دُولة: من قصر قفصة، امرأة ثرية تموّل بالمال "الثورة".
-الطاوس حرم الأزهر الشرايطي: تدعم زوجها وجرحت في إحدى المعارك مع زوجها.
-محبوبة الفيلي: الملقّبة بالزعيمة من القصرين من جبل السلّوم، مموّلة. ([8])
ويبدو أن هذه القائمة من أسماء المناضلات اللواتي ساهمن في المقاومة المسلحة بالجنوب الغربي تحت قيادة الأزهر الشرايطي، لم تكن الوحيدة، خاصّة وأن عصابات المقاومين كانت تنشط من الجنوب إلى الشمال وخاصة في الجزء الغربي من البلاد وهي كثيرة ويتوجّب استكمال البحث فيها والكشف عن الفاعلين من النساء ضمنها والّلواتي أهملهنّ التاريخ.


([1]) راجع في هذا الموضوع: -عميرة عليّة الصغير، المقاومة الشعبية في تونس في الخمسينات، انتفاضة المدن، الفلاقة، اليوسفية، صفاقس، التسفير الفني، 2004.-عميرة عليّة الصغير وعدنان المنصر، المقاومة المسلحة في تونس (1939-1956)، نشر المعهد الأعلى لتاريخ الحركة الوطنية، 2005.

([2]) بالنسبة للمقاومة المسلحة في المغرب الأقصى نشرت المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير سلسلة من أعمال الندوات غطّت تقريبا جل أنشطة المقاومة المسلّحة الفدائية وأعمال جيش التحرير، أما بالنسبة للجزائر، فإن قائمة الدراسات التي تناولت حرب التحرير طويلة جدّا. وسوف نحيل على المصدر المعني في حينه.

([3]) انظر مثلا: جماعي، نساء وذاكرة، تونسيات في الحياة العامّة 1920-1960، تونس، مطبعة مدياكوم، 1993، ص 46. تذكر أسماء مناضلات شاركن في أعمال من هذا القبيل شأن أم السعد بن يحي، العربية بنت مختار، خديجة طبال، وزهرة الحسومي.

([4]) حول هذه المقاومات معلوماتنا من البشير الغيلوفي ابن المقاوم حسن الغيلوفي (من بني زيد الحامّة) في لقاء معه في 27 مارس 2006 وخاصة من المقاوم والكاتب الشخصي للأزهر الشرايطي طيلة "حرب التحرير" السيد عبيد بن منصور الشرايطي، وذاك في قفصة في لقاء معه في 8 أفريل 2006.

([5]) ولدت موساوي مسعودة بجيجل بالجزائر سنة 1920 وهاجرت مع عائلتها لتونس لتستقر برادس. وعند اندلاع المقاومة المسلحة التحقت بالمقاومة بمجموعة الأزهر الشرايطي وكان دورها إعلامي، أساسا. باندلاع الحرب التحريرية في الجزائر التحقت بالثورة لتستشهد في الأوراس سنة 1957. أفادتنا بهذه المعلومات أختها المناضلة ليلى موساوي في لقاء جمعنا بها بالجزائر العاصمة في 3 جويلية 2005. انظر كذلك حول المقاومة محجوبة كتاب الطبيب في جيش التحرير الجزائري بتونس محمد التومي:
Dr. Mohamed Toumi, Médecin dans les maquis, Guerre de Libération Nationale 1954-1962, Paris, Sde, pp. 161-162.

([6]) انظر مداخلة عروسية التركي حول هذه المقاومة ضمن أعمال هذه الندوة.

([7]) شهادة ابنها البشير الغيلوفي، نفس المصدر.

([8]) أفادنا بهذه المعلومات كاتب الأزهر الشرايطي المقاوم عبيد بن منصور في لقائنا معه بقفصة في 8/4/2006.


( مقتطف من كتابي : اليوسفيّون و تحرّر المغرب العربي