الأحد، 15 يوليو 2012

أحمد بنور يروي تفاصيل أحداث الوحدة التونسية الليبية


أحمد بنور رجل سبعيني من مواليد 1937، مناضل سابق في الاتحاد العام لطلبة تونس، متخرج من كلية الحقوق بتونس، درس بالمدرسة الصادقية، شغل سنة 1962 خطة مستشار في العلاقات الخارجية بالحزب الحر الدستوري التونسي وبعد ثلاث سنوات عين مستشارا لوزير الداخلية، دخل سنة 1967 السجن بتهمة عرقلة التجربة التعاضدية، شغل منصب وال بتونس الجنوبية ثم بسوسة سنة 1972.
في 14 جانفي 1974 عين كاتب دولة للدفاع، واستقال في 23 ديسمبر 1977 رفقة ستة وزراء احتجاجا على سياسة الهادي نويرة في مواجهة اتحاد الشغل ما انتهى إلى مجزرة 26 جانفي 1978.
استعان به بورقيبة لتهدئة الأجواء المشحونة بعد أحداث قفصة وعينه في 26 جانفي 1980 مديرا للأمن ثم كاتب دولة للداخلية، بعد حادثة قفصة التي اتفقت فيها كلمة ليبيا والجزائر على زعزعة النظام في تونس عن طريق كومندوس إرهابي، أبعد عن الوزارة سنة 1984 ليحل محله بن علي ويعين سفيرا لتونس بروما حتى أفريل 1986 وبعد إنهاء مهامه خير المنفى عن العودة إلى أرض الوطن.
كتب السيد أحمد بنور يقول :
العقيد معمر القذافي كان رجلا مصابا بجنون العظمة والكبرياء  وبنزواته السياسية التي شكلت عبئا ثقيلا على الدولة والمجتمع التونسيين وقد اكتشفت ملامح هذه “الفوبيا” السياسية منذ زيارته الرسمية الأولى للبلاد سنة 1972 وللتذكير فقد زار العقيد الليبي تونس قبل هذا التاريخ لكنه لم يلتق سيادة الرئيس الحبيب بورقيبة. كنت حينها واليا على تونس الجنوبية وقد تم استدعائي من قبل الحزب الحاكم لحضور خطاب العقيد في قاعة البلماريوم بالعاصمة.
حينها كان القذافي قد زار تونس عن طريق البر وهي سابقة لم تشهد مثيلا لما تحمله من استفزاز لمشاعر التونسيين حيث كان يتوقف ومعاونوه في كل محطة للترويج لثوريته بطريقة فلكلورية.
المهم أن خطابه في الناس في قاعة البلماريوم كان “ثورويا” استفزازيا سنة 1972 ولا أذكر التاريخ بالتحديد حيث حاول حينها العقيد الليبي أن يوهم الناس بأنه المنقذ وموحد الأنظمة العربية المتآكلة متقنا العزف على المشاعر مدعيا في نفس الوقت أن الوحدة العربية هي السبيل السالكة لإيجاد حلول جذرية لعديد المشاكل العالقة بالبلدان العربية والمغاربية بصفة خاصة اقتصاديا واجتماعيا وحتى سياسيا.
بورقيبة يصفع القذافي
الصفعة التي لن ينساها القذافي هي أن بورقيبة الذي ما إن سمع بداية خطابه على موجات الراديو وشاشة التلفزة وهو في قصر قرطاج حتى قدم على وجه السرعة على متن سيارة شرطة للرد عليه. كنت في الصفوف الأمامية حين دخل بورقيبة وأفحم القذافي بخطاب شاهده الجميع على شاشة التلفزة.
وهذه الصفعة تتمثل في أن بورقيبة لقّن العقيد معمر القذافي درسا سياسيا عن الوحدة والتريث والخبرة والحنكة والتحدي والوطنية وأصول السياسة والتخطيط العقلاني الممنهج في حسم الأمور بمنطق العقل لا من منطلق الأهواء والنزعات العاطفية ولقد لاحظت أن كلمات بورقيبة الموزونة أثارت حفيظة العقيد الليبي معمر القذافي وخاصة مرافقه الخاص البشير عضو مجلس قيادة الثورة الذي كان يهمس في أذن القذافي بين الفينة والأخرى حاثا إياه على المغادرة لحفظ ماء الوجه.
أسبوعان بعد خطابي “البلماريوم”
لازلت أذكر الواقعة وكأنني عشتها بالأمس القريب فبعد خطاب القذافي “الهزيل” وخطاب بورقيبة “العقلاني” عاد الرئيس الليبي إلى ليبيا فتلقف خطابه الشعب الليبي بمختلف أطيافه وحساسياته بشغف ولهف بعد أن تم نسخ الآلاف منه في أشرطة “كاسات” أما في تونس وبعد مرور أسبوعين عن واقعة البلماريوم في  اجتماع للولاة حضرته آنذاك وجمعنا فيه السيد الهادي خفشة وزير الدفاع وتساءل من خلاله عن المغزى من زيارة العقيد لتونس برا فلم نجد جميعنا أجوبة لأسئلة وزير الدفاع الحائرة وانفض الاجتماع دون أن نظفر بإجابة مقنعة عن حقيقة الأمر من دعاء القذافي وخزعبلاته وحيله الاستفزازية.
وفي أواخر سنة 1972 تمت تسميتي كوال لمدينة سوسة وفي تلك الفترة كانت المنستير تتبع إداريا سوسة.
الحبيب بورقيبة كان في حقيقة الأمر كثير التردد على المنستير مسقط رأسه وكان يزورها دائما بصفة فجئية ويقضي فيها بعض أيام من عطله الرسمية وبحكم قربي من سيادة الرئيس اكتشفت أنه يحن دائما إلى مسقط رأسه وما زياراته المتكررة لهذه المدينة إلا لأخذ برهة من الوقت بعيدا عن أعباء السياسة ومتاعبها.
كنت حينها وأنا وال على مدينة سوسة التقي سيادته وكان بحق يكن لي احتراما وتقديرا خاصا حيث كان يستدعيني لحضور مآدب عشاء أو غداء وكلما شاء له أن يحادثني وفي هذه الزيارات كان دائما يحدثني عن الدولة والسياسة، عن الوزراء ورجاله المقربين. وكنت قليل الكلام معه ولم أقل يوما كلمة واحدة تسيء أو تنتقد هذا أو حتى ذاك من الشخصيات الوطنية ومن الخلية المركبة لهرم السلطة.
 أذكر أنه، بعد أن سجنني إثر معارضتي الشديدة لتجربة التعاضد التي تراجع عنها في ما بعد وأطلق صراحي بأمر منه، قال لي يوما “سامحني يا بنور لقد أخطأت بحقك” فتوقفت الكلمات في حلقي ولم أشأ أن أرفع عيني في عينيه وليلتها لم يغمض لي جفن من فرط المفاجأة.
كنت قريبا من سيادة الرئيس وفي الحقيقة إعجابه بأفكاري قربني منه أكثر فغرفت من معينه العلمي وزاده الفكري والثقافي والسياسي وصقلت مواهبي وأفكاري وأطروحاتي السياسية لأنه كان في الحقيقة رجلا مثقفا متعلما مناضلا، نعم رحمه الله كان زاهدا في العلم ساعيا إلى النهل المتجدد  من ينابيع العلم والمعرفة وسراديب السياسة المتشابكة خيوطها.
باختصار هو مدرسة سياسية. عفوا وقبل أن أنسى فقد قلت له حين طلب مني الصفح واعتذر لي عن الأربعة أشهر التي قضيتها في السجن : “السجن مدرسة يا سيادة الرئيس وسيادتكم مررتم بهذه التجربة المريرة التي علمتكم الصمود”.
نعم قلت هذه الكلمات بنبرة خافتة وبعد صمت دام لحظات وأذكر حينها أنه لم يقل شيئا غير أنه ابتسم في وجهي ابتسامة رضاء واستحسان.

_____________________________________________________________________
ذكرت لكم في الحلقة الفارطة أني كنت قريبا من سيادة الرئيس بحكم منصبي كوال على مدينة سوسة سنة 1972، وكان كثير التردد على المدينة وخاصة للإقامة في مسقط رأسه المنستير التي كانت تابعة أيامها للولاية.
في السنة الموالية أي سنة 1973 وتحديدا في شهر ديسمبر، زار سيادة الرئيس الحبيب بورقيبة، مدينة المنستير في موكب رسمي احتفالا بمرور 40 سنة على إنشاء الحزب الحر الدستوري الجديد، ولكن في ذلك اليوم ورغم الاحتفالات فقد لاحظت أن الزعيم كان على غير عادته.
يومها رأيته مهموما، خطاه متثاقلة، لكن ذلك لم يخف هيبته، فتناسلت في مخيلتي الأسئلة لكني لم أجرؤ حقيقة على سؤاله عما يشغله ويؤرقه، ولكن سؤالا ظل يرافقني وأنا أرافق سيادته وأهمّ بين الفينة والأخـرى بالإفصاح عنـه لكن….، عجزت عن ذلك، هل أن سيادة الرئيس يعاني من مرض ما لا قدّر الله ؟.
فخامة الرئيس، اخترق أفق انتظاري وقد لاحظ عينيّ لا تفارقه وهو يتنقل بين جموع وحشود الحضور في احتفالات الحزب، وعلى كل حال كنت سأسأله.. لكنه أفصح عمّا يخالج نفسه، فسمعته يتحدث عن لقاء منتظر مع العقيد الليبي في جربة، في الحقيقة لم يقل ذلك لي، لكن أذنيّ التقطت نزرا قليلا عن هذا اللقاء المنتظر وهو يتحدث إلى بعض الشخصيات المرافقة له من كبار الوزراء والمسؤولين في الحزب.
وربما لهذا السبب كان سيادته مؤرقا، تصوّروا أن بورقيبة لا يعلم شيئا عن هذا الاجتماع ؟ نعم، العقيد لم يخبره، فقد كان هكذا، لا يفصح عن شيء، وكأنه يتلذذ بهذه التصرفات “الشاذة”.
أذكر أنه فعل هذا مع الرئيس المصري “السادات”… أظنه السادات، فقد طلب منه أن يزوره في خيمته في ليبيا، ويوم الزيارة صباحا، لفّ رأسه بعصابة ودخل المستشفى بداعي المرض… العقيد كان يتلوّن، تلوّن الحرباء… وفعلها كذلك مع الرئيس الجزائري بومدين، المهم أنه هاتفه لزيارته في ليبيا، وقبل أن تحطّ طائرة الرئيس الجزائري بمطار طرابلس، أرسل العقيد موفدا إلى المطار لاستقبال الرئيس، وبقي هو في الخيمة وأعلم بومدين بالأمر، فرفض الرئيس الجزائري الهبوط بالطائرة إلا إذا استقبله العقيد بنفسه في المطار مهددا إياه بالعدول عن الزيارة والعودة إلى الجزائر.
المهم أن بورقيبة لم يكن يعلم بالأمر بينما كشفت الأحداث فيما بعد أن وزير الخارجية محمود المصمودي كان على علم بهذه “المؤامرة” وربما كان فاعلا فيها.
الخيط الأوّل لـ”المؤامرة”
قلت إن السيد الرئيس الحبيب بورقيبة كان قلقا وقد أنهكه الأرق في اجتماع المنستير في ديسمبر 1973 وبعد تلك الاحتفالات بأسبوع واحد، كنت خائفا جدا على بورقيبة وكنت أشتم رائحة “مؤامرة” و”دسائس” تحاك ضد الزعيم فلم أتردد في زيارة وزير الداخلية آنذاك الطاهر بلخوجة لأطلعه على الأمر وأشكوه حال الرئيس وهذا من منطلق حبي وخوفي على سيادته لا غير وبالمرّة حاولت أن استفسر عن دواعي اجتماع جربة.
وبالفعل قابلت بالخوجة وتحدثت إليه على انفراد وحدثته عن حال الزعيم، صحيح أني لست مختصا في الطب لكن رأيت بورقيبة حينها على غير عادته، وقد أخبرني سيادته بنفسه على هامش احتفالات الحزب بالمنستير أنه لا ينام الليل وقد أعلمت بالخوجة بهذا لكنه قال لي حرفيا “ما تخافش عليه هانا ماشين معاه”.
جرّة قلم جنت على البلاد
إن التدخل السافر والمستمر للعقيد الليبي المعروف بنزواته السياسية في الشؤون الداخلية للبلاد التونسية والضغط عليها وكذلك محاولة فرض سياسة الأمر الواقع اعتمادا على خبثه ودهائه وربما إمكانياته المالية وحتى العسكرية مكنته من حشر أنفه في أمور لا تهمه في شيء.
وبالفعل لم ييأس القذافي وتمكن بطرق مختلفة من اللقاء بالرئيس بورقيبة في جربة وذلك سنة 1974.
في الحقيقة لم أسافر مع الزعيم إلى جربة لكن كنت متأكدا من أن القذافي سيفعل أمرا ما مريبا ومن بين الشخصيات التي أتذكرها وزير الداخلية الطاهر بالخوجة والبقية لا أتذكر الأسماء الآن ولكن بورقيبة كان محاطا بمجموعة من رجال الدولة.
وفي جربة وبعد سويعات من المباحثات انفرد العقيد القذافي بسيادة الرئيس الحبيب بورقيبة ونفذ خطته الجهنمية.
أذكر أن هذا اللقاء الثنائي كان سريا، حيث وقّع الزعيم وثيقة الوحدة التي أعدّها القذافي ووقعها كلّ من الرئيسين في 12 ديسمبر 1974، هذه الوثيقة تنص على وحدة اندماجية بين ليبيا وتونس في إطار دولة واحدة تسمى بـ “الاتحاد العربي الإسلامي” الذي مهّد له العقيد عبر محاولات مختلفة ومنها خطابه في “البالماريوم” الذي كان بمثابة الحرب النفسية تمهيدا لهذه الوحدة الوهمية، التمويهية.
وفي 12 ديسمبر تلى محمود المصمودي وزير الخارجية تقرير اتفاقية الوحدة وبث مباشرة على موجات الراديو، بعد العودة من جربة طبعا.
هذه الاتفاقية أثارت حفيظتي فذهبت مباشرة إلى الطاهر بالخوجة العائد لتوه من جربة وقدمت له استقالتي.
استغرب الأمر وحاول إثنائي عن صنيعي لكني أجبته أني كنت واليا في إطار الجمهورية التونسية أما والحال أنكم طمستم البلاد هكذا بجرة قلم، طمستم تاريخا وحضارة وثقافة وشعبا… لا لا.. لن أوافق وسأتخلى عن منصبي، وانصرفت متسائلا : “ماذا فعل بورقيبة وكيف انطلت عليه حيل المتآمر معمر القذافي ؟”.
بعد 48 ساعة من توقيع مذكرة “المؤامرة”
الإعلان عن قيام هذه الوحدة لم يدم أكثر من 48 ساعة بين البلدين وذلك نتيجة تراجع تونس من جانب واحد عن الاتفاق.
الزعيم بورقيبة بدأ يتراجع عن هذه الوحدة وهو في الطائرة في طريق العودة إلى قرطاج.
حينها كانت وسيلة بورقيبة في الكويت فتحادثت معه ولامته عن هذا الأمر أما الوزير الأول الهادي نويرة فكان في إيران فعاد لتوه ما إن علم بالخبر، عاد يوم 13 ديسمبر 1974 لمعالجة الموضوع مع بورقيبة.
وبالفعل نتيجة جملة من الضغوطات الداخلية والإقليمية تمكنت البلاد من تلافي وحدة كارثية.
لكن تراجع الحكومة التونسية من جانب واحد عن الاتفاق أصاب العقيد بصدمة كبيرة وتولّدت عنها ردود فعل مزاجية سأكشفها لكم في الحلقة القادمة إن شاء الله.

لعل أبرز الإشكاليات التي طرحت على وزارة الدفاع وأثقلت كاهل البلاد برمتها هو ذلك التشويش الذي ما انفكّ العقيد الليبي يمارسه في محاولات استفزازية متتالية وذلك إبان إعلان الوحدة والتراجع عنها فيما بعد سنة 1974.
فقد دخلت البلاد التونسية حينئذ مرحلة استنفار وشهدت تعزيزات أمنية مكثفة في محاولة للتصدي لأي طارئ قد يحصل من قبل العقيد أو الموالين له سواء كان ذلك داخل أو خارج التراب التونسي.
مشكلة الجرف القاري
استنفار عسكري ولوجيستي لم يثن القذافي عن إرسال أسطول عسكري أرسى بمحاذاة الجرف القاري البحري بين تونس وليبيا وبالتحديد في المياه الدولية.
وقد كنا نعتقد أن هذا الجرف القاري يمثل متنفسا لتونس لكن القذافي أرسى بأسطول حربي بمحاذاة هذا الجرف في محاولته لاستفزاز السلطات التونسية وحثها على الدخول في مواجهات عسكرية مفتعلة تدفع باتجاه الأمر الواقع، وكان يدّعي أنه بصدد البحث عن البترول، وقتها في أواخر 1974 أو سنة 1975 أرسلنا بدورنا أسطولا عسكريا مضادا تأهبا لما قد يحصل لا قدّر الله.
الأسطولان كانا على أبواب الصدام لولا تعقل الجانب التونسي مقابل ذلك دخلنا في مفاوضات مع عدة أطراف إقليمية ودولية دامت 5 أشهر كاملة وكنا نتجنب أي صدام لتفادي المواجهات مع الجارة ليبيا.
مهنّي مقابل النايلي… !
أذكر أن محاولات العقيد الاستفزازية لم تقف عند هذا الحدّ بل إن القذافي أمعن في تطاوله على النظام التونسي لأن من طبيعته أنه يكن الأحقاد والدسائس لتونس ونظامها وشعبها برمّته.
إن هذه النفسية المريضة للعقيد… أجل… نفسية مريضة وشخصية مركبة من الأحقاد والأوهام والدسائس دفعت به إلى محاولة ضرب النظام التونسي في الصميم من خلال محاولته اغتيال الهادي نويرة الوزير الأول في حكومة الرئيس بورقيبة الذي كان رجل سياسة بحق وسأذكر لكم أنه قال يوما : “إننا مجموعة يدفعها ترابط مصالحها إلى التعاون والأخوة بعد أن فرّق بينها الجهل والتعسف وأهم ما تقوم به هذه الدولة هو ربط الصلة بين أفراد الأمة وجعلها جسدا واحدا حتى تصبح بناء مرصوصا يشد بعضه بعضا ويستطيع الصمود أمام الأعاصير وتقلبات الدهر”.
وبالفعل فهذه المرحلة أي منتصف السبعينات شهدت عدة تقلبات ونوائب داخلية وخارجية.
المهم أن العقيد معمر القذافي بلغ قمة الحقد وحاول ضرب الهيكل العام للدولة واغتيال الهادي نويرة الذي اعتبره المدبّر الأول لإلغاء مذكرة الوحدة من جانب واحد.
القذافي إذن جنّد مجموعة من مخابراته عرفت بمجموعة “النايلي” هذه المجموعة المخابراتية “الإرهابية” كانت مدربة تدريبا عاليا ولها قدرة فائقة على التخفي وتلاشي السقوط في المساءلة أو في الشبهات لكن فطنة أمننا الوطني حالت دون تنفيذ هذه المؤامرة الدنيئة التي دبّر لها العقيد.
فقد رصد الأمن التونسي هذه المجموعة من خلال تحركاتها المشبوهة فطوّقها بعدما تمكنت من اختراق التراب التونسي، قادمة من ليبيا وقد دججت بالسلاح.
وبعد كرّ وفرّ تمكّن الجيش والأمن الوطنيين من القبض على “النايلي” ومجموعته الإرهابية الترهيبية، التخريبية وتم إذن تفكيك هذه الوحدة المسلحة التي اعترف رئيسها “النايلي” فيما بعد في تسجيل بثه الراديو والتلفزة التونسية أن القذافي خطّط لاغتيال الهادي نويرة الوزير الأول وقد أمر هذه المجموعة المخابراتية بتنفيذ هذا المخطط الانتقامي.
رجل الأعمال التونسي رؤوف مهني كبش فداء ؟
هذه المجموعة المخابراتية عمقت أزمة البلاد وجاءت على بقية صفاء العلاقة مع الجارة ليبيا لتفرز وضعا مشوبا بالخوف والحذر من الجانبين. ومن سوء حظ رجل الأعمال التونسي رؤوف مهني الذي لا تزال مؤسساته المختصة في البناء شاهدة على نجاحه في عالم البناء والأشغال العمومية إلى اليوم أنه كان متواجدا في تلك الفترة في ليبيا.
القذافي اختطفه وبقي مصيره مجهولا للمساومة به.
الحكومة التونسية لم تشأ أن تسكت عن الأمر ودخلت في مفاوضات مع حكومة القذافي بشأن إطلاق سراح الرهينة التونسية في ليبيا رؤوف مهني مقابل قائد المجموعة الإرهابية النايلي وقد نجح العقيد في هذه الصفقة، وبالفعل أفرجت السلطات التونسية المختصة على النايلي أواخر 1976 مقابل تسليم مهني وإعادته إلى أرض الوطن.
وإثر ذلك تمت إحالة ملف الجرف القاري إلى محكمة العدل الدولية ومع بداية 1977 تأزمت الأمور ورشحت لبروز نذر أزمة في وقت كانت تفتت فيه الخلية المجتمعية الوطنية نتيجة صراعات داخلية كان اتحاد الشغل طرفا فيها إضافة إلى محاولات القذافي لعب أوراق جديدة في الأدوار السياسية الوطنية وهذا ما سأكتبه لكم في الحلقة القادمة إن شاء الله.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق