- ما علاقة التراتبية بالديمقراطية؟
- La hiérarchie
خضع
المجتمع الأوروبي منذ القدم إلى تراتبية اجتماعية حديدية متكونة من طبقة
النبلاء و طبقة العبيد و خضع أيضا إلى تراتبية دينية كَنَسِيّة، قمة في
النظام و الانضباط، و إلى تراتبية إدارية في الدولة - المدينة الإغريقية
اليونانية و في الإمبراطورية الرومانية المشهورة بمؤسساتها و قوانينها
المكتوبة الصارمة. كان "لويس الرابع عشر"ن ملك فرنسا في القرن السابع عشر
يرفع شعارا معبّرا على تلك الحقبة التاريخية يقول فيه: ملك واحد، دين واحد
(يعني الكاثوليكية و ليس البروتستانتية)، قانون واحد. جاءت الديمقراطية إلى
أوروبا في القرن التاسع عشر ميلادي فوجدت أرضية مهيأة متكونة من دولة
قانون و مؤسسات. الديمقراطية ليست سلطة الشعب كما يتوهم العامة و لا تعني
أيضا أن الشعب يحكم نفسه بنفسه بل العكس فمن أسُسِ الديمقراطية أن يسلّم
الناخب، يوم الانتخاب، عن اقتناع و طواعية و رضا، حقه في ممارسة السلطة إلى
ممثليه نواب الشعب في البرلمان و يفوّضهم حق تقرير مصيره دون الرجوع إليه
إلا في حالات الاستفتاء على بعض القضايا الخلافية المهمة و في فترات
متباعدة زمنيا. في الديمقراطية و بعد إيداع بطاقة الانتخاب في الصندوق
السحري، يتخلى الشعب إذن عن ممارسة الديمقراطية الشعبية المشارِكة (la
démocratie participative) و يعتمد نظام الديمقراطية التمثيلية حيث تتكفل
الدولة بالشأن العام و الخاص و تحتكر العنف و تسلطه في بعض الأحيان ضد
الشعب الذي انتخبها نفسه لكن بالقانون. للمواطن حق النقد و الاعتراض لكن لا
يحق له استعمال العنف لقلب النظام و إنما عليه انتظار موعد الانتخابات
الموالية حتى يستطيع أن يمارس سلطته ليوم واحد و يعاقب السلطة الحاكمة بعدم
التصويت لها ثانية و هذا كل ما يمنحه له القانون من صلاحيات ضيقة و محدودة
و في تواريخ متباعدة في الزمن، من أربع سنوات إلى 7 سنوات. لكل هذه
الأسباب التاريخية، نجحت الديمقراطية في البلدان الأوروبية
لكن لماذا لم تنجح الديمقراطية في البلدان العربية؟
لم
يخضع المجتمع العربي قبل الإسلام إلى تراتبية اجتماعية إلا في مكة، كان
مجتمعا بدويا رعويا حرا فوضويا، خال من الطبقات و المؤسسات، غير مستقر و
غير منظم و لا يحكمه قانون مكتوب. جاء الإسلام، فحَكَمَ الخلفاء الراشدون
بدون مؤسسات و بدون قوانين مكتوبة فوقعت الفتنة الكبرى بين صحابة الرسول
نفسه، بين علي و معاوية. أرسى معاوية بعد انتصاره عَلَى عَلِي مؤسسة
المَلَكية (من المَلِك) فاستقر الوضع ثم جاء العباسيون و فعلوا نفس الشيء.
دام الاستقرار و الفتوحات و الازدهار ثلاثة أو أربعة قرون ثم انهار النظام
بسقوط مؤسسة الإمبراطورية. تأسست بعدها الإمبراطورية العثمانية واستمرت
قائمة لما يقرب من 600 سنة، وبالتحديد منذ حوالي سنة 1299 م حتى تاريخ
تفككها و تأسيس الدولة التركية القطرية الحديثة العَلمانية على يد كمال
أتاتورك سنة 1923 م
و على أنقاض الإمبراطورية العثمانية،
تكونت الدويلات العربية حسب التقسيم الاستعماري. حَكَمَ هذه الدويلات حكام
دكتاتوريون باسم القومية العنصرية (مصر و سوريا و العراق) أو باسم
الاشتراكية المشوهة (الجزائر و ليبيا و اليمن الجنوبي) أو باسم الليبرالية
الاقتصادية غير الديمقراطية (تونس) أو باسم الأصولية الإسلامية (السودان و
السعودية و الخليج) أو باسم المَلَكية غير الدستورية (المغرب و البحرين و
الأردن). عاث حكامنا في الأرض فسادا، أهلكوا الحرث و الزرع، أقاموا
انتخابات مزيفة و نصّبوا برلمانات موالية للسلطة التنفيذية و بعثوا مؤسسات
صورية مقلدة و صحّروا العقول و البلاد واقعا و مجازا ففشلت الديمقراطية
لأنها قدِمت إلى أرض غير مهيأة و لا تعترف بالتراتبية الاجتماعية (لم يمر
المجتمع العربي بمرحلة الإقطاع المنتج و المستنير ثقافيا مثل ما حدث في
أوروبا و لم يحكمه مستبد عادل مستنير) و لا بالتراتبية الدينية (لا وجود
لكنيسة في الإسلام السنّي و الدليل على أن التراتبية الدينية تمهد
للاستقرار و الديمقراطية و النهضة، انظر ما فعله المجتمع الشيعي التراتبي
دينيا في إيران في ثلاثين سنة من انتخابات نسبيا نزيهة و ما حققه من تقدّم
علمي في مجال النووي السلمي و في مجال الفضاء و العلوم التجريبية، حقق ما
عجز عن تحقيقه في نفس المدة الزمنية المجتمع المصري أو السعودي السنّي غير
التراتبي دينيا و انظر التنظيم التراتبي الديني المحكم لمسيحي و شيعة
لبنان مقارنة بسنّة لبنان المتفرقين و المتناحرين جماعات و ملل) و لا
بالتسلسل الإداري (انظر الفوضى التي حصلت بعد الثورة في الإدارة التونسي و
ما نتج عنها من إهدار طاقات جيدة باسم الشرعية الثورية و الثورة منهم براء،
أُطْرِد عديد المديرين الأكفاء بمجرد أنهم عملوا تحت نظام بن علي و لم
يُراعَ لبعضهم حرفيته و مِهَنيته و تفانيه في العمل و السلام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق