حديث فلسفي 2، في مقهى النات بحمام الشط: قلب بعض المفاهيم السائدة
د. محمد كشكار
- اللغة العربية هي السلطة المؤسَّسَة و المؤسِّسَة للحضارة العربية الإسلامية
- Institution dotée d’un pouvoir fondateur
اللغة العربية، لغة معَقّدة جدا بالمعنى العلمي و الإيجابي لمفهوم التعقيد
La complexité de la langue arabe
- اللغة العربية قبل الإسلام
اللغة
العربية تمثل مؤسسة قائمة الذات قبل ظهور الدين الإسلامي. مؤسسة يدور في
فلكها الشعر "الجاهلي" ، و الحِكَم "الجاهلية"، و القيم العربية من كرم و
شهامة و مروءة و شجاعة و حسن جوار، و الديانة الروحية الوثنية الصنمية
المكّية، و الديانتين التوحيديتين، اليهودية العربية و المسيحية العربية، و
الحنفية التوحيدية (قس بن ساعدة و محمد قبل الرسالة و غيرهم كثيرون)، و
التجارة، و الحج، و السقاية و الرفادة، و النحت، و الغناء، و الرقص، و
نواميس شرب الخمر، و بيوت الدعارة العلنية، و العبودية، و الرعي، و الغزوات
و غيرها من شؤون الدنيا و الدين. كانت مكّة تمثل مجتمعا متدينا بالمفهوم
الروحي و العميق للتدين حتى و لو كان أهلها يعبدون ظاهريا الأصنام
اللغة
العربية مؤسِّسة للحضارة العربية الإسلامية و الدليل أن أكبر معجزة في
الإسلام هي معجزة بيانية و هي القرآن الكريم ببيانه و بلاغته و موسيقاه و
سلاسته، يغزو القلوب قبل أن تدركه العقول
اللغة العربية لغة موحِّدة للقبائل في كامل الجزيرة العربية من اليمن إلى سوريا و البحرين
بفضلها،
لم تكن مرحلة ما قبل الإسلام جاهلية كما يروّج لهذا المفهوم غير العلمي
بعض المغرضين الناكرين لدور اللغة العربية في ازدهار تجارة قريش و دين
قريش. صمد دين قريش قرونا في وجه انتشار اليهودية و المسيحية في الجزيرة
العربية
- اللغة العربية بعد الإسلام
اللغة
العربية لغة موحِّدة و جامعة و شاملة عند الناطقين بالعربية أكثر من الدين
الإسلامي، فهي وحدها التي تمثل القاسم المشترك الذي وحّد عن رضا و طواعية
بين الديانات العربية المختلفة، بين المسلمين و المسيحيين و الصابئة و
البهائيين في مصر و السودان و فلسطين و سوريا و لبنان و العراق، و بين
القوميات المختلفة الناطقة العربية ، بين العرب و الأكراد و التركمان و
البربر في سوريا و العراق و المغرب العربي البربري، و بين المذاهب
الإسلامية المتنافسة، بين الشيعة و السنة في العراق و اليمن و بين الخوارج و
السنة في المغرب العربي البربري
تُعتبر كل لغة ناقلة
لحضارتها و اللغة العربية هي الناقل الأمين للحضارة العربية الإسلامية و
الدليل القاطع دينيا أن الله اختارها دون غيرها للحفاظ على القرآن الكريم
من التحريف و حمايته من التلف و الانقراض و كانت بالفعل للقرآن لسانا مبينا
و حافظة مانعة لا لبس فيها. لذلك على كل من أراد أن يحافظ و يطور حضارته
أن يستعمل لغته الأصلية في التعليم و الثقافة و نحن اخترنا أو أُجبِرنا على
اختيار (أو الاثنين معا) اللغة الفرنسية، لغة أولى في تعليمنا (تُدرّس كل
العلوم و التكنولوجيا من أبسطها إلى أعقدها باللغة الفرنسية، فكيف لا تكون
هي اللغة الأولى في تونس؟ حتى و لو كنا نصرّح نفاقا سياسيا أن اللغة
العربية هي اللغة الأولى في تونس). و بعد هذا الاختيار الإجباري، نصيح و
نفزع من الغزو الثقافي السلبي (الغزو الثقافي الإيجابي يتمثل في الاستفادة
من اللغات الأجنبية دون إهمال اللغة الأم مثل ما تفعل فرنسا و ألمانيا و
إيطاليا و تركيا). كيف لا نُحتلّ ثقافيا و نحن نعلم علم اليقين أن اللغة
تجلب معها حضارتها و ثقافتها و تقاليدها و غثها و سمينها؟ لا ينفع اللوم
بعد حدوث المصيبة لكن يمكن استدراكها و إصلاحها و تجاوزها إن أردنا و شئنا
نأتي إلى إشكالية التعريب:
هل تعريب العلوم الدقيقة في الدول العربية يمثل عائقا أم حافزا لتلامذتنا و
طلبتنا؟ لنتفق أولا على المبدأ قبل الدخول في التفاصيل و أغتنم الفرصة
للإفصاح عن رأيي الشخصي في هذه الإشكالية: من حيث المبدأ، أنا مع تعريب
العلوم الدقيقة قلبا و قالبا في الدول العربية، من التعليم الأساسي إلى
التعليم العالي. لكنني أقف ضد التعريب المُطبّق الآن في الدول العربية و
ذلك للأسباب التقنية التالية
المشكل: يشمل التعريب
في تونس المرحلة الأساسية من التعليم فقط، أي المرحلة الابتدائية التي تدوم
6 سنوات و المرحلة الإعدادية التي تدوم 3 سنوات. ثم ينتقل التلميذ إلى
المرحلة الثانوية فيجد العلوم الدقيقة غير معرّبة و تُدرّس كالعادة باللغة
الفرنسية و في الجامعة تُدرّس كل الاختصاصات العلمية و التكنولوجية الدقيقة
بالفرنسية أما في المرحلة الثالثة من التعليم العالي، ماجستير و دكتوراه،
فالطالب يدرُس بالفرنسية و يكتب مقالاته العلمية في المجلات المختصة
بالأنجليزية
لقد سبق لي و إن درّست علوم الحياة و الأرض
بالفرنسية لتلاميذ السنة أولى ثانوي لمدة 15 عاما و عرفت خلالها ما يعانيه
التلميذ التونسي و ما يتعرّض له من صعوبات جَمَّة لتعلّم علم دقيق بلغة
أجنبية بعد ما تعوّد خلال تسع سنوات على دراسته بالعربية. أسوق لكم مثالا
آخر عشته في الجزائر عندما كنت أستاذا متعاونا في الثمانينات من القرن
الماضي: كل التعليم العلمي الدقيق الأساسي و الثانوي معرّب أما في الجامعة
فهو مُفرنَس. يدرس التلميذ الجزائري علوم الحياة أو البيولوجيا بالعربية
طيلة سنوات الثانوي و يدرس الفرنسية كلغة ثانوية (لا يتمكن من الإلمام بها
جيدا كالعربية) ثم ينتقل إلى دراسة الطب بالفرنسية في الجامعة فيجد صعوبة
كبيرة في قراءة و فهم المراجع الطبية الوحيدة المتوفرة باللغة الفرنسية فقط
مما قد ينجرّ عن هذا الخلل تعثر في الدراسة الجامعية أو انقطاع تام عنها.
في الجزائر أيضا، عاشرت زملاء علوم دقيقة من سوريا و مصر و فلسطين، أساتذة
لم يدرسوا الفرنسية بتاتا و الغريب أن كل المراجع من الكتب المدرسية
الموازية و المجلات العلمية المختصة في بلاد التعريب الجزائر متوفرة في
السوق لكن باللغة الفرنسية مما يجعل مهمة الاطلاع عليها مستحيلة من قبل
هؤلاء الأساتذة المتعاونين و هذا العائق اللغوي أو الألسني قد يؤثر على
أدائهم العلمي في القسم
الحل المقترح: قبل التفكير
في تعريب العلوم الدقيقة، يجب إنشاء مؤسسة للترجمة، و قد فعلها جدنا
المأمون ( فترة الخلافة بالهجري: 198 -218. فترة الخلافة بالميلادي
813 -833) عندما أمر في عهده بترجمة الكتب العلمية و الفلسفية من اللغات
اليونانية والسريانية والكلدانية و الفارسية القديمة إلى العربية و كانت
بيت الحكمة ركنا من أركان النهضة العربية في القرون الوسطي العربية
الإسلامية المضيئة. علينا الاقتداء بمنهجية هذا السلف الصالح من العلماء
المترجمين و فعل الشيء نفسه في القرن الواحد و العشرين دون عقدة نقص حتى
ننهض بلغتنا و ننقذها من الانقراض كلغة علمية حية. و مَن لم يَحترِم لغتَه، لا يُحْتَرَمُ
https://www.facebook.com/notes/mohamed-kochkar/%D8%AD%D8%AF%D9%8A%D8%AB-%D9%81%D9%84%D8%B3%D9%81%D9%8A-2-%D9%81%D9%8A-%D9%85%D9%82%D9%87%D9%89-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D8%AD%D9%85%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%B7-%D9%82%D9%84%D8%A8-%D8%A8%D8%B9%D8%B6-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%81%D8%A7%D9%87%D9%8A%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D9%88%D8%A7%D8%B7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%AF-%D9%85-/10150774009492363
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق