قصة العسكري الذي انتصر !
(محمد ابو الغيط _ المدونة http://gedarea.blogspot.com/2011/08/5-6.html)
هذا الفيديو (http://www.youtube.com/watch?v=DkNS4RghLLQ) أرسلته لي مصورته - صاحبة قناة مصراوية على يوتيوب - لزيارة اللواء الرويني لميدان التحرير يوم 5 فبراير .. لم ترفعه على النت إلا منذ أيام فقط بعد أن شعرت بالاستفزاز من كلام اللواء الذي خون حركة 6 أبريل وكفاية، وتحدث عن حمايته وتأييده للثوار أثناء الثورة لكن المتواجدين الآن في الميدان ليسوا هم أنفسهم ...الخ الخ
محتوى الفيديو صادم أكثر مما توقعت، فالرويني يدخل الميدان بعصبية وعنجهية وعداء واضحين للغاية حتى أنه مع العساكر المرافقين له يهدمون جزءاً من السور الذي يحمي المدخل، وبدلاً من أن يربت على جراح الواقفين على تأمين الميدان الذين صدوا ببطولة هجوم البلطجية وفقدوا من رفاقهم 14 شهيداً و1100 مصاب، يستهين بهم ويهاجمهم "مين انتو؟ أنا اللي بأمن الميدان مش انتو!!"
ويتوجه بالحديث لأحد أفراد التأمين الواقف فوق سيارة محترقة تستخدم كحاجز ويصيح فيه "مين انت؟! .. عارف تمنها كام اللي انت ولعتها دي!!" - هل هي صدفة أنه يستخدم نفس تعبير القذافي "من أنتم؟! - ويتهم المعتصمين بانهم هم من أشعلو السيارات "عربياتنا اتحرقت .. اللي واقف فوق بالمولتوف نزلوه"!!
وعندما تطالبه المصورة بحماية المعتصمين يرد عليها رداً عصبيا غريبا " أحميهم من إيه؟ ما انتي واقفة أهه!!" فترد عليه "من البلطجية اللي ضربوهم قدامكو" فلا يرد ويتركها ... نفس موقف عدم الرد على النقاش المنطقي والانسحاب بعصبية يتكرر عندما يقول لها "امبارح جاتلي استغاثات من الناس اللي هنا عايزين يروحو .. أقسم بالله!" فترد عليه بالقسم أنها كانت موجودة اليوم السابق ولم يمنعها أحد لا من الدخول أو المغادرة!
يحاول اقناعهم بفض الاعتصام وافراغ الميدان بنفس أسلوب الإعلام الحكومي حينها بتخويف الناس من تعطل حال البلد "بنت عايزة تتفسح .. مخبز عايز يشتغل" "أنبوبة البوتاجاز وصل تمنها خمسين جنيه" ، حتى أنه بتحدث مع معتصم مسن طالباً منه العودة لمنزله، وعندما يرفض إلا بعد رحيل مبارك يرد بلهجة تهديد عصبية "خلاص خليك هنا .. بس حافظ على بيتك وولادك وشوف مين هيقبضك آخر الشهر عشان انت مبتروحش شغلك!"
ثم يصل المشهد إلى قمة عبثيته واستفزازه عندما يقول "دي زيطة ومنظر بس عشان ضغط على الحكومة .. الحكومة حرة ومحدش هيضغط عليها .. مش ده اللي هيضغط على الحكومة ويحقق مطالب فئة معينة!!!"
وفي فيديو آخر من نفس اليوم يتحدث بنفس الأسلوب والسياق:
http://www.youtube.com/watch?v=YbI9s4ht9AU
يصدم أطباء المستشفى الذين رأو الاهوال - كأحدهم الذي يحكي له عن الشهيد الذي خرج مخه من رأسه - بقوله أن كل هذا مجرد تمثيلية!!، ويرفض وصف أحد الأطباء لما حدث بالمعركة راداً عليه باستهانة "عايز تعرف يعني إيه معركة؟ .. دبابة من دول تطلع طلقة هتعرفك يعني إيه معركة!!"
أشاهد اللواء الرويني وأفكر أن الأمر أكبر من كونه مجرد طباع أو آراء شخصية بحته، بل هو نموذج ونمط متكرر من النفسية العسكرية العاجزة عن استيعاب دخول المدنيين إلى حيز الفعل المؤثر .. نفس نبرة الاستعلاء والتخويف وربما التخوين شاهدناها عندما وبخ اللواء كاطو دينا عبدالرحمن واصفاً نجلاء بدير بالمخربة، بل إننا شاهدناها بشكل ألطف ولم ننتبه عندما استضاف العاشرة مساء ثلاثة من أعضاء المجلس في أول ظهور لهم بعد الثورة وكانو يؤكدون ويشددون على أهمية اخلاء الميادين وتوقف التظاهر وانتقد أحدهم ضمنياً صلاة القرضاوي بالناس .
أعود بالزمن إلى بداية كل ما نحن فيه، منذ ستين عاماً عندما تمت الإطاحة بمحمد نجيب وانتصر نموذج العسكر الذين يرون أنفسهم الأدرى بمصلحة البلد والأقدر على حمايتها من المدنيين الرقعاء، العسكر الذين ينتظرون من المدنيين نفس ما اعتادوا عليه في جيشهم: الطاعة التامة الفورية للأوامر بلا أي سؤال أو جدال، هم القادة العظماء الأبطال أو على الأقل هم الآباء كما دأب السادات ومبارك على تصوير أنفسهم - الرويني يشبه تعامل الجيش في الفيديو الثاني بـ "قسوة الأب على ابنه! " - ولضمان ذلك يخوفون المدنيين دائماً بشيء ما، مؤامرة خارجية - من إنجلترا وفرنسا قديماً، ومن إسرائيل وأمريكا حديثاً - أو فلول النظام - الأحزاب والملكية قديماً والحزب الواطي حديثاً - أو فتنة داخلية طائفية دينية أو سياسية، يشوهون كل بديل مدني، يزايدون دائماً سواء مزايدات وطنية بأنهم حماة البلاد والعباد، أو حتى مزايدة دينية - في الفيديو يقاطع الرويني الملتحي الذي يقول له آية قرآنية بالرد بلهجة متحدية بآية أخرى "ومن يتقِ الله يجعل له مخرجاً .. اتقوا الله!" ، وبنفس المنطق أرى بصمات الشئون المعنوية وراء بث التلفزيون المصري لمشهد قادة الجيش يؤمنون في خشوع على دعاء المفتي لهم - فلا يجد الشعب إلاهم حامياً ونصيراً، ورسخ ذلك عادة خروج العسكريين الكبار من الجيش إلى مناصب مدنية كبرى حتى لو كان لا علاقة لها إطلاقا بهم كذلك اللواء الذي كان يرأس هيئة محو الأمية !
كل هذا بغض النظر تماماً عن نياتهم وكونهم وطنيين مخلصين أم ذوي أغراض شخصية، عبدالناصر كان وطنياً مخلصاً أراد أن يبني مصر وينهض بها، لكنه أراد فعل ذلك بمفرده وبطريقته الخاصة وعلى الشعب أن يتبعه فقط لا أن يشاركه .. المؤسسة العسكرية المصرية تحمل إرث عبدالناصر وتحكم البلد ضمنياً منذ ستين عاماً بنفس الأسلوب .
العسكري الذي انهزم
العسكري الذي انهزم
يبدو أن قدرة العسكريين على استيعاب المعاني السامية للديموقراطية أمر شديد الصعوبة نتيجة لطبيعة حياتهم داخل الجيش حيث تنفذ الاوامر بلا تردد، ولا مجال للشورى وتبادل الرأي
الصور والكلمات للرئيس محمد نجيب الذي انهزم فيه نموذج العسكري المؤمن بالديموقراطية وبفصل العسكر عن الحياة المدنية وعدم وصايتهم على الشعب .. أنهى نجيب حياته مسناً مريضاً فقيراً حزيناً منسياً، حاله كحال ثورته الذي آمل لا يصبح حال ثورتنا أبداً إن شاء الله!
عدت لمذكراته (كلمتي للتاريخ) ولفت نظري بشدة التشابه الشديد في بعض الأمور بين ماضينا وحاضرنا .. حقاً الظروف مختلفة تماماً داخلياً ودولياً الآن، ولن يتكرر نفس السيناريو حرفياً، لكن النفوس البشرية الواحدة وشبكات المصالح الداخلية والاستعمارية الدولية التي تغيرت شكلياً فقط تجعل حدوث سيناريو شبيه بشكل متطور تبعاً لتطور العصر أمراً وارداً، مالم نتعلم من دروس الماضي
وتولد عندي شعور بأننا قد فتحنا باباً سوف يفتح شهية الضباط لمزيد من الإقبال على المناصب المدنية ذات الدخل الكبير
كان تسرب رجالات الجيش إلى مجالات العمل التنفيذي قد أخذ يتسع ويأخذ أشكالا مختلفة . قطارات الرحمة التي تتحرك تحت اشراف الضباط مع الفنانين والفنانات لجمع التبرعات وما أحاط بذلك من أقاويل، واشراف بعض الضباط أيضاً على جمع معونة الشتاء وما صاحبها من سرقات .. وأصدرت أوامر مشددة بمنع الضباط من الاشتراك في الأعمال المدنية، ولكن التسرب لم يتوقف، إذ كان الضباط يعتمدون على صلاتهم بأعضاء المجلس
الثيران التي أكلت يوم أكل الثور الأبيض
كانت
ثورة يوليو في بدايتها واعدة للغاية، الجيش يستجيب للحراك الشعبي والسياسي
بعد هزيمة حرب فلسطين وحريق القاهرة، ويطيح بالملك الفاسد ويطلق وعوداً
طموحة بالاصلاح على كل الأصعدة، وسط ترحيب كامل من كل القوى السياسية وكل
الشعب الذي احتضن الجيش، وكأن لسان حالهم يهتف "إيد واحدة .. إيد واحدة"
لكن
بعد أقل من شهر كانت أول ضربة لتهاوي هذا الصرح بعد أحداث كفر الدوار ..
كانت شرارة البداية حين قررت الإدارة المقربة من الملك المخلوع - رجال
الأعمال فلول النظام حالياً - نقل مجموعة من العمل تعسفياً إلى كوم حمادة،
ولم يسكت العمال منتهزين فرصة المناخ الثوري في البلد ظانين أن هذا هو
الوقت المناسب لينال كل ذي حقه حقه، فقرروا القيام بثورتهم الخاصة الصغيرة:
تم إعلان الإضراب التام وإيقاف الآلات وغلق المصانع وخرج الآلاف في مسيرات
يطالبون برفع أجورهم وتحسين ظروف سكنهم ومنع الفصل التعسفي وإبعاد محامي
الشركة .. كان العمال يهتفون بحماس وحب عندما يمرون على الجنود "عاش القائد
العام" ، "عاشت حركة الجيش" - كهتاف "الجيش والشعب إيد واحدة" في بداية
ثورتنا - لكن حركة الجيش خيبت آمال حركة العمال! .. تم قمعهم بكل عنف وقسوة
على يد رجال الشرطة الذين كانو بنفس قيادات وأداء العهد البائد، ثم تم عقد
محاكمات عسكرية هزلية لم يسمح فيها للمتهمين بمحامين، وتم الحكم على
العاملين مصطفى خميس وعبدالرحمن البقري بالاعدام، وهو ما رفض الرئيس محمد
نجيب التوقيع عليه في البداية قبل أن يرضخ لرأي أغلبية أعضاء مجلس القيادة :
وصل الخبر مجسماً كما لو أن عملاً مضاداً بدأ يدبر ضد حركتنا، وقال البعض إنهم الشيوعيون
وأحاطتني
تقارير مخيفة بأن أي تهاون في مواجهة العمال سوف يؤدي إلى انتشار
الاضطرابات والتظاهرات في مناطق التجمع العمالية ... كنت أعرف أن هذه
التقارير قد كتبت بأقلام رجال الأمن السابقين في عهد الملك، ولم يكن كافياً
أن نغير اسم (البوليس السياسي) ليصبح (المباحث العامة) حتى يتوقف عمله،
كما أن عزل بعض كبار ضباطه لم يكن كافياً أيضاً لتغيير اتجاه نشاطهم في
لحظة واحدة بلمسة سحرية
لو
وضعنا (أمن الدولة) مكان (البوليس السياسي)، و (الأمن الوطني) مكان
(المباحث العامة) ألا يمكن أن نحصل على نفس النتيجة؟! .. تقارير من أمن
الدولة تقنع بعض أفراد المجلس العسكري بأن شباب 6 أبريل خطر على مصر كما
أقنع أسلافهم مجلس قيادة الثورة بخطر حركة كفر الدوار، وهو ما يلاقي هوى
في أنفس بعض العسكر سواء لأنهم لا يفهمون إلا الطاعة التامة أو لأن لهم
مآرب خبيثة أخرى.
كان
قمع انتفاضة كفر الدوار بداية بث الرعب في قلوب المصريين .. أحد من عاصروا
هذه الفترة حكى أنه كان طفلاً عندما سمع هذه الأحكام العسكرية القاسية
وبعدها تلقائياً بلا أي توجيه من أحد كف تماماً عن الكلام عن السياسة مع
الأغراب.
كان
ذلك أيضاً بداية الانفصال بين مسار عامة الشعب المصري خاصة طبقاته الكادحة
من فلاحين وعمال، وبين مسار القوى السياسية التي التزمت كلها بالصمت التام
أو أيدت ما حدث، بل قام النحاس باشا - رئيس الوفد حزب الأغلبية - بلوم
العمال وطالبهم باللجوء إلى الطرق القانونية، واتهم الوفد رجال القصر
بتدبير الإضراب - كما كنا نتهم فلول الوطني؟ - وحتى الرافعي العظيم قال "إن
عمال كفر الدوار يتمتعون بمزايا تفوق كل عمال مصر وإن طريقة حركتهم توحى
بمخطط ما" .. ثم أصدرت الحكومة بيانًا بأنها "ستعتبر أى خروج على النظام أو
إثارة الفوضى خيانة ضد الوطن"
أليست
هذه تقريباً نفس نبرة مهاجمة واحتقار "المطالب الفئوية" و "الإضرابات
المعطلة لعجلة الإنتاج" بتعميم مخل على الجميع ؟ كم من مظلومين حاولو عمل
ثورات صغيرة في محيطهم انعكاسا للثورة الكبيرة لكن تم خذلانهم.
يوم 30
مارس فضت الشرطة العسكرية بالقوة اعتصاماً لعمال شركة أبسيكو أمام وزارة
البترول - هل كانو يهتفون "الجيش والشعب إيد واحدة" حينها؟ - واعتدت عليهم
بالضرب بالعصي والصواعق واعتقلت 20 منهم، وهو ما تكرر في عدة حوادث شبيهة
بعدها ولم نسمع عن أن أي قوة سياسية فكرت حتى في معرفة إن كان لهم حق في
مطالبهم أم لا .
بالنسبة
لهؤلاء كان يمكن أن تكون "المطالب الفئوية" والاقتصادية والاجتماعية -
كحرية النقابات العمالية، وإعادة هيكلة الأجور، وضبط الاسعار ..الخ - بوابة
الربط بينها وبين المطالب السياسية الثورية في مسارين متوازيين يقوي كل
منهما الآخر، لكن غياب هذا عن القوى السياسية التي غرقت في التنظيرات
النخبوية عن الدستور وهوية الدولة أنتج هذا الانفصال عن عامة الشعب الذي
نعانيه الآن.
هذه
الثغرة استغلها مجلس الثورة الذي سيطر بعدها بشكل تام على النقابات
العمالية، وفي المقابل منح العمال حقوقا اقتصادية واجتماعية بعد فصلها
تماما عن الحريات السياسية .. أتذكر الآن اللواء الرويني وهو يتحدث بفخر عن
توزيع الجيش 2 مليون شنطة رمضان!
تأخر
إصدار قانون الإصلاح الزراعي وحدثت بعض الخلافات الحادة بسبب تدخل العسكر
في وزارة علي ماهر الضعيفة - كعصام شرف؟ - حتى تم إعلان نجيب رئيساً
للحكومة و :
وعقدنا جلسة في مقر القيادة سادها شعور بأن القوة التي غيرنا بها الملك قد ضعفت قليلاً، وتعرضت لهجمات من جوانب متعددة . ولما كانت ممارستنا للسياسة محدودة فقد أخذنا أقصر الطرق للضرب على نقط الوثوب، وهي اعتقال عدد من السياسيين بغرض وقف التيار المضاد
وطبعاً
لأن "ممارستهم للسياسة محدودة" لم يفهموا أن هذا الإجراء يزيد الوضع
اشتعالاً بعكس ما أرادوا .. احتجت الأحزاب بشدة فكان لابد من اتمام الطريق
بحلها تماماً بما فيها جماعة الإخوان المسلمين ولكن:
ولكن جمال عبدالناصر ذكر لي أن الجماعة كانت من أكبر أعوان الحركة قبل قيامها وأنه لا يصح أن نطبق عليها قانون الأحزاب ... وظهر جلياً بعد ذلك أن هذا القانون لم يكن يستهدف سوى الوفد باعتباره الحزب الوحيد ذا التأثير الشعبي الواسع، صاحب الاغلبية الساحقة في الانتخابات النيابية الأخيرة
عرضت الأمر في مجلس القيادة مستنداً إلى المناقشات التي عارضت سليمان من فبل، ولكني وجدت أن نبرة المعارضين قد خفتت، ربما لأن مفاومة الأحزاب لم تكن صلبة، ولأن كثيراً من التناقضات الشخصية قد جعلت عدداً من قادتها يلجأون إلى ضباط الحركة يشهرون بزملائهم ويلوثون سمعتهم
هل
لي أن اتخيل أن بعض قادة القوى السياسية الآن يتبادلون الإسرار إلى المجلس
العسكري في جلساتهم بالطعن والتخوين والاتهامات في منافسيهم؟
باقي القصة معروف وكان نتيجة طبيعة، فالعسكر الأقوياء بعد أن ذاقوا السلطة المطلقة ما كان لهم أن يسلموها للمدنيين الضعفاء المشرذمين، وسلسلة البيع والتخلي المتبادل ما إن تبدأ حتى تطال الكل مهما ظنوا انفسهم بعيدين عنها، باع الجميع عمال كفر الدوار، ثم باع الإخوان الاحزاب وأبلغوا ممثل الرئيس نجيب بشكل صريح رفضهم إلغاء الأحكام العرفية أو عودة الأحزاب، ثم باع عبدالناصر محمد نجيب في أزمة مارس مع علامة استفهام عن موقف الاخوان السلبي رغم أنهم أنفسهم من قاد مظاهرات هائلة لإعادة نجيب قبلها بشهر فقط، ثم باع عبدالناصر الإخوان متهماً إياهم بالخيانة بالاتصال بالانجليز وتدبير اغتياله .
وبالتوازي
دفع السنهوري - نسخة يحيي الجمل في الماضي - ثمن وقوفه بخبراته القانونية
ورئاسته لمجلس الدولة لتبرير وتفصيل القوانين للعسكر وخدمته لحزبه السعدي
بتأييد حل الاحزاب بما فيها الوفد، فبمجرد محاولته التراجع تم ضربه
بالأحذية في مظاهرات مارس التي هتفت "يسقط المحامون الجهلاء!"
عن الضحية التي تغدو جلاداً بمجرد أن يمنحها أخدهم سوطاً !
أشاهد
في مليونية الأمس من يهتفون (يا كفاية يا كفاية .. شرع الله فيه
الهداية!)، (يا إبريل يا إبريل .. عظمو شرع الجليل!) .. زملائي السلفيين في
الدفعة الذين تناقلو بفرحة واضحة ويقين تام مقال صلاح سلطان المتهم
للإبريليين بالتمويل من ممدوح حمزة وأمريكا .. جاري الإخواني الذي قال لي
"أنا شايف ان ده انسب وقت للانقضاض علي الليبراليين .. حركة 6 ابريل ممولة
من فريدم هاوس الامريكيه .. المسلم الليبرالي مسلم منحرف والمفروض ان احنا
نعمل علي ضربها في الشارع المصري، وده انسب وقت للاجهاز عليهم .. معا يا
أخي ندمر هذا التيار في الشارع قبل أن يوجد وإلا دارت الدائره علينا
وساعتها فلن نجد منهم من يوالينا مثل ما تواليهم!! "
أجد
في موقفهم - بلا تعميم مطلق على كل الاسلاميين فليس الجميع كذلك - العديد
من المفارقات المدهشة .. نسو تماما أنهم أول المؤهلين لان يؤكلوا بعد أكل
ثور 6 أبريل الأبيض، وعهدهم بالمعتقلات مازال قريباً جداً .. نسوا تماماً
مواقف 6 أبريل التضامنية العديدة مع الاسلاميين كتضامنهم مع محاكمات
الإخوان العسكرية، ومع معتقلي شباب الإخوان في وقفة الاحتجاج على الاعتداء
على فتاة الزقازيق، بل إن محمد عادل أحد مؤسسي 6 أبريل والمتحدث باسمها كان
من الإخوان سابقاً وعبر الحدود إلى غزة وله صور بالسلاح الحمساوي مع أم
نضال مما أدى لاعتقاله أربعة أشهر حينها، والمسخرة ان يعرض التلفزيون صورته
بالسلاح موحياً انه قد تدرب عليه في صربيا!!
الأهم
والأغرب أنهم نسوا تماماً أنهم هم أنفسهم متهمين دائماً بالتمويل من
السعودية وإيران، خاصة في ظل مظاهر القدرة المالية الواضحة كمقرات الإخوان
في كل المحافظات والقنوات الفضائية السلفية ...الخ، بينما 6 أبريل تقتصر
انشطتها الغلبانة على طباعة بعض الأوراق والبوسترات والبانرات .. كان
الاسلاميين يردون دائماً بالتحدي أن يأتي أحد بدليل حقيقي على تلقيهم
أموالاً، والآن هم أنفسهم يصدقون اتهام 6 إبريل بلا دليل.
الآن
ينسون أن أسلوب الرويني في الحديث عن قدرات 6 أبريل الأسطورية المسئولة عن
كل ما جرى في البلد بما فيه الفتنة الطائفية وتدمير الشرطة يوم 28 هو
بالضبط أسلوب العادلي في اتهام الإخوان بكل شيء، بل نسو ان الرويني هو نفسه من وقع على الاحكام العسكرية ضد الإخوان في قضية خيرت الشاطر من بضع سنوات فقط!!
لا
يصدقون كلام شباب 6 أبريل عن ان اختيار شعار القبضة ليس مؤامرة صربية
رهيبة بل أتى تلقائياً جداً بعد مشاهدتهم لفيلم وثائقي عن حركة أتبور
الشبابية هناك، ونسو لومهم لمن لم يصدق أن قضية (ميليشيات الأزهر العسكرية)
كانت مجرد تصرف تلقائي من طلاب متحمسين
اسمعوا منا ولا تسمعوا عنا
أليس الإخوان أنفسهم هم من كانوا يرفعون هذا الشعار داعين الناس إلى عدم الانجرار وراء الدعاية الحكومية؟
أنا الذي اقترب فرأى ..
أول
مرة في حياتي اتعامل عن قرب مع شباب 6 أبريل كانت منذ حوالي 4 سنوات حين
كنت مارا بالصدفة البحتة أمام نقابة الصحفيين فشاهدت أحد مظاهراتهم .. عدد
محدود لا يتجاوز الـ 100 شخص محاصرين بحشود السواد الأمنية، يرفعون لافتات
تطالب باطلاق سراح أحد رفاقهم المعتقلين، محمد عبدالقدوس يهتف في ميكرفونه
الأيقوني، فتاتان وقفتا بأعلى السلم ترفعان علماً كبيراً لمصر مكتوب عليه
(شباب 6 أبريل) ويهتفن وهن ينظرن بتحدي للجنود، الناس يسرعون في مشيهم وهم
يمرون عليهم وينظرون لهم بخوف واستغراب ككائنات فضائية وهم يهتفون أجرأ
الهتافات "يسقط يسقط حسني مبارك" " يا جمال قول لأبوك .. الشعب المصري
بيكرهوك" .. سحرني المشهد فانضممت لهم، ثم اضطررت للمغادرة قبل نهاية
المظاهرة لارتباطي بموعد .. عدت من القاهرة حاملاً معي ذكرى الصدق والحُرقة
المطلين من عيونهم .
فيما
بعد عرفت بعضهم من الفيس بوك ثم اقتربت أكثر كثيراً عندما اعتقلت معهم يوم
26 .. أحمد وطارق وجلال وإسلام، المتحمسين جداً الصادقين جداً العاديين
جداً كأي شاب، تشاركنا الأوقات السعيدة ككلامنا الكثير عن كل شيء، مستقبل
مصر ومستقبلنا وذكريات مدرستنا وحتى البنات، كما تشاركنا الأوقات العسيرة
كرعبنا عندما دخل مخبر أمن دولة وأخذ بعضنا ليضربهم بالخارج عقاباً لنا على
أننا أيقظنا الباشا عندما طرقنا الباب لنطلب النجدة لأحدنا الذي فقد وعيه
وخفنا عليه من الموت!
أكتشف
ان أحمد يعرف الشيخ الذي كنت أحفظ عنده القرآن صغيراً .. طارق يقفز فجأة
معلناً بداية الفقرة الرياضية فنشاركه ونضحك على العاجزين منا .. أحدنا
يقترح مسابقة غنائية فأنضم لهم ونطلق على فريقنا مازحين فريق (العلمانيين
الكفار) مقابل فريق (المسلمين) الذي ضم الإخوان الذين كانو ينشدون اناشيدهم
الاسلامية فنرد عليهم بأغاني الشيخ إمام الوطنية، وبعد 3 جولات فاجاونا
بغنائهم (يا صحبجية) فانضممنا لهم ونحن نضحك .
لم
اهتم بالمكتوب في نيويورك تايمز - قبل ان اعرف أنهم ذكروا فقط باسم فتحي
كممثل 6 أبريل عندهم، وهو المستقيل أو المقال من الحركة من 2008 ! - لأني
عايشت بنفسي المستوى المادي العادي جداً للرفاق مثل أي شاب، بدءاً من
انتهاء رصيد موبايل أحدهم ولجوءه لـ (كلمني شكراً) وحتى جمعهم من بعضهم
جنيهات قليلة كل على قدر استطاعته أيام الاستفتاء لطباعة عدد محدود من
الأوراق.
هل يجب ان أصدق أن أحمد وطارق وجلال وإسلام يتلقون تمويلاً بالملايين، خاصة أن من يتهمهم بذلك قد اعترف على نفسه باندفاع غريب أنه كان يطلق الاشاعات الكاذبة للتأثير في المعتصمين!!
الإبريليين
بالنسبة لي هم هؤلاء الأصدقاء الذين أعايشهم، أو المتواجدين عندي على
الفيس وإن لم أعرفهم شخصياً مطلقاً كهدير التي أذكر جيداً كيف كانت تقول
بحماس أننا سنقوم بثورة يوم 25 وعندما طالبها البعض بخفض سقف طموحها ردت
بإصرار "أنا بريئة من العيال المحبطة اللي عندنا في الحركة" .. ضحكت على
سذاجتها، لكن يوم 25 مساءاً تذكرتها بشدة وأنا أدرك أننا ما كنا سنقوم
بالثورة لولا سذاجة الحلم ...
هدير التي خاطرت بحياتها يوم موقعة الجمل، وحكت عنها ما أدمع عيني:
هل يجب أن أصدق أن هدير عميلة لصربيا وأمريكا؟
وللمفارقة فخطيبهامحمود المذكور في هذه النوت يقضي الآن خدمته العسكرية في الجيش الذي اعتبره في بيانه خائناً عميلاً!
ألا يمكننا ان نسمع جميعاً من بعضنا لا عن بعضنا؟
لقد وقعنا في الفخ
أتذكر
بشدة ما قاله د.أحمد خالد توفيق عن شعوره عندما يفكر في أننا ألعوبة بيد
القوى الهائلة للأجهزة الأمنية الداخلية والتجاذبات الدولية: أشعر
بالانتهاك!
أشعر
بالانتهاك منذ الاستفتاء الذي كنت أقول لمن حولي انه اشتغالة يلهي بها
الجيش الجميع ويقسم صفوفهم - وقمة الاشتغالة التي لم يصل خيالي لها هو
تكرارهم أن الاستفتاء كان على شرعية المجلس العسكري!! - وهو ما حدث بالفعل
بشكل غريب، واستمر بعدها بمعركة الدستور أولاً العبثية ضد فريق الانتخابات
أولاً التي قادها المايسترو يحيي الجمل، وما كان له - وهو نائب رئيس
الوزراء المقرب من المجلس - أن يقوم بذلك لو لم يكن حاصلاً على ضوء أخضر ..
وما كادت تلك المعركة تنتهي ونبدأ في التوحد حتى انجررنا للدوامة العبثية
للمباديء الحاكمة للدستور، والتي تنسى القوى الثورية المؤيدة لها أن أول من
اقترحها هو المستشار أحمد الفضالي رئيس اللجنة التشريعية بمؤتمر الوفاق،
وهو عميل النظام البائد بامتياز ومؤخراً كما نعرف جميعا تم الكشف عن
مشاركته بموقعة الجمل ضد الثوار، وكأنه كان يجب أن يتسبب بموقعة جمل جديدة
سياسية هذه المرة!
وبالتوازي
مع ذلك نعيش بنجاح مسلسل الفزاعات .. تضخيم قوة الاسلاميين وخطرهم منذ
الظهور البارز لعبود الزمر، ونشر أخبار عودة الاسلاميين من أفغانستان
وباكستان، ورعب السلفيين قاطعي الآذان الأسطوري في الإعلام، وأخيراً
مليونية الأمس التي تمت ((بالصدفة)) في نفس وقت زيارة مراد موافي مدير
المخابرات لأمريكا ليلتقي هيلاري كلينتون ليبحثوا سبل التحول الديموقراطي
في مصر! .. أثنت هيلاري على مسار المجلس، ولم تعترض على رفض الرقابة
الدولية على الانتخابات .. أتخيل أن مراد موافي كان يحدثها عن محورية دور
الجيش في صد المتطرفين وأهمية استمرار دعم أمريكا له - مليار و300 مليون
دولار سنوياً بلا أي رقابة! - بينما يعرض عليها فيديوهات من ميدان التحرير
لمن يرفعون صور أسامة بن لادن ويهتفون "صور صور يا أوباما .. التحرير كله
أسامة!"
أمريكا
ترتعب من الإسلاميين فتلجأ للجيش تاركة له حرية التصرف، سواء وجه
الانتخابات بشكل ناعم أو حتى شابها قدر من التزوير، أو تدخل في وضع الدستور
بحيث يحتفظ لنفسه بالوصاية على الرئيس والحكومة كالوضع في تركيا وباكستان
والجزائر، وهو السيناريو الأقرب الذي تحدث عنه اللواء شاهين بشكل شبه صريح
.. والقوى الغير إسلامية أيضاً - رغم أنها الأعلى صوتاً في معارضة المجلس! -
تفعل ذلك ويتضح هذا بشدة في كلام البرادعي والبسطويسي وغيرهم عن النص في
الدستور على دور سياسي للجيش كحامي للدولة المدنية والوحدة الوطنية والسلم
الاجتماعي، وبالطبع المسيحيين أيضاً داخلين في هذه الفئة.
وفي
المقابل القوى الإسلامية نفسها تلجأ للجيش وتعلن تأييدها له كما حدث في
مليونية الأمس، سواء لقناعتهم بطاعة ولي الأمر أو أيضاً رعباً من الفزاعة
الوهمية لخطر العلمانيين على هوية الدولة!
الطرفان يلجآن للجيش ليحميهما من بعضهما !!
ورجل
الشارع العادي واقع تحت تأثير الفزاعتين معاً، إما أن يحكمك الخونة
والعملاء كـ 6 أبريل أو مرشحي الرئاسة الموالين لأمريكا - كما قال اللواء
كاطو - أو يحكمك الإسلاميين الإرهابيين الذين سيجعلون البلد كأفغانستان،
وذلك بالتوازي مع فزاعات الأمن والوضع الاقتصادي .. لا ملجأ ولا منجى إلا
عند الجيش.
الثائر لا يلدغ من جحر مرتين
هل
يمكننا كسر هذه الدائرة العبثية؟ نعم يمكن، فالجيش برهن دائماً على انه
يستجيب للقوة الواقعية على الأرض، منذ موقعة الجمل الذي انتظر فيها محايداً
لينضم للطرف المنتصر، وحتى كل المطالب التي تم تنفيذها بالضغط الشعبي
كإقالة شفيق ومحاكمة مبارك وعلنية المحاكمات ..الخ .
قوتنا
في توحدنا بلا تخوين أو فزاعات من كل الأطراف، وترك المطالب الخلافية
السخيفة التي تقسم السياسيين وتعزلهم جميعاً عن الشعب، والتركيز فقط على
المطالب التوافقية والشعبية لنصل إلى عقد انتخابات نزيهة تعددية بأسرع وقت
تفرز حكومة ورئيساً مستقلين بكامل سلطاتهما في تصريف شئوننا المدنية، لنبدأ
حينها تفكيك الدولة الأمنية العميقة وشبكات الفساد التي لا يظهر إلا قمة
جبلها، ولنتفاوض على مساحة استقلال الجيش في قراراته وميزانيته وهو ما قد يستغرق سنوات.
يجب
ان يكون هذا واضحاً وثابتاً مهما حدث في الفترة القادمة للتأثير علينا،
ولنتذكر أن أحداث مارس 54 كانت قبل بداية مسار الانتخابات مباشرة وخلالها
حدثت 4 انفجارات في القاهرة وتدبير إضراب لعمال النقل شل القاهرة ومظاهرات
حاشدة مؤيدة للمجلس .. حتى لو تمت تفجيرات في كنائس ومساجد، لو أعلن
المتطرفين أحد المدن إمارة إسلامية، لو حاول مجهولون اغتيال طنطاوي، لو
قصفت إسرائيل ((بالخطأ)) الحدود المصرية، لو تم انقلاب في الجيش على يد
أحمد شومان! .. لابد من الثبات التام على توحدنا ومطالبنا مهما حدث.
هكذا فقط سيمكننا انتزاع حقوقنا من العسكري الذي انتصر ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق