صحيفة الشرق القطريه الخميس 11 صفر 1433 – 5 يناير
2012
السلفيون
في إسرائيل – فهمي هويدي
خرجت الطفلة نوعاما
مرجولس ابنة الأعوام الثمانية من بيتها متجهة إلى المدرسة، لكن أحدهم وجد أن
ثيابها غير محتشمة بما فيه الكفاية، فاعترض طريقها وأنَّبها ثم شتمها وبصق في
وجهها، فعادت البنت إلى بيتها باكية ورفضت الذهاب إلى المدرسة.
وقبل ذلك كانت فتاة
متدينة اسمها تانيا روزنبلوط قد صعدت في أحد الباصات وجلست في المقاعد الأمامية،
فتصدى لها أحدهم وطلب منها أن تنتقل إلى المقاعد الخلفية المخصصة للنساء، لكنها
رفضت. واشتبكت مع الرجل الذي أصر على مغادرتها مقعدها، الأمر الذي عرضها للعنف من
جانبه،
ووصلت القصتان إلى
الصحافة، التي فتحت ملف جماعات «الحرديم» الأمر الذي أثار عاصفة من النقد
والاحتجاجات، التي صارت خبرا يوميا للصحف وبرامج التليفزيون ومختلف الأحزاب
السياسية.
حدث ذلك في إسرائيل
المشغولة منذ أسابيع بالحرديم وممارساتهم. والمصطلح يطلق على المجموعات السلفية
هناك. والكلمة معناها في اللغة العبرية «الأتقياء»، وهم يتركزون في
مدينة القدس حتى أصبحوا يشكلون ثلث سكانها. ولا يعترفون بأية قوانين تصدرها
الدولة، في حين يعتبرون أن تعاليم التوراة بنصوصها الحرفية هي المرجعية الوحيدة
التي يعترفون بها، يشجعهم على ذلك أغلب الحاخامات الذين يغذونهم بالأفكار والفتاوى
التي يسترشدون بها.
ما حدث للطفلة نوعاما والفتاة تانيا كان جزءا من الحياة اليومية لبلدة بيت شيمش القريبة من القدس، التي يسيطر عليها الحرديم، فيمنعون حركة المواصلات واستخدام التيار الكهربائي يوم السبت، ويفرضون على النساء الخروج بثياب أقرب إلى النقاب، وقد خصصوا لهن المقاعد الخلفية من الباصات، كما يعتبرون أصوات النساء عورة ليس للغريب أن يطلع عليها.
شاهدت على اليوتيوب برنامجا تليفزيونيا بمناسبة ما جرى للطفلة التي توقفت عن الذهاب إلى المدرسة. وقد تم تصوير البرنامج في بلدة شيمش التي تسكن فيها.
وفيه ظهر عناصر
الحرديم في الشوارع وعلى النواصي، وقد ارتدوا قبعاتهم وثيابهم السوداء، في حين
أطلقوا لحاهم وتدلت الشعرات المجدولة من سوالفهم. وسجل لهم البرنامج ممارساتهم
في الشوارع واشتباكاتهم مع معارضيهم.
يوم 9/11 نشرت صحيفة «هاآرتس» تقريرا عن نفوذ الحرديم المتنامي، ذكر أن عشرات المصانع في مستوطنة أخرى (منة شعاريم) جرى فيها الفصل بين الرجال والنساء. وطلب إلى العمال العلمانيين (من غير الحرديم) أن يعتمروا القبعات الدينية،
وتحولت مدرسة بلماح
في كرمئيل إلى مدرسة دينية.
من ناحية أخرى، حذر
عسكريون سابقون من أخطار انتشار التطرف الديني على الجيش، الذي يعد «بقرة مقدسة» في إسرائيل. وانصب
تحذيرهم على احتمال اتساع ظاهرة رفض الأوامر العسكرية بحجج دينية مختلفة.
خصوصا أنه سبق لبعض
الجنود أن رفضوا إخلاء بؤر استيطانية عشوائية استنادا إلى دوافع دينية توراتية.
وكانت قد اتسعت في
الشهور الأخيرة ظاهرة مقاطعة جنود متدينين لاحتفالات عسكرية، بسبب مشاركة مجندات
في الغناء.
هاآرتس نشرت في 11/12 مقالة لجدعون ليفي قال فيها إنه منذ الخريف نشبت في إسرائيل حرب ثقافية، تشتعل على جبهات أوسع وأعمق كثيرا مما يبدو للناظر،
مضيفا أن «مناهج
حياتنا توشك أن تتغير من الولادة إلى الموت. ولذلك فقد تصبح هذه المعركة الأكثر مصيرية
في تاريخ إسرائيل منذ إعلان الدولة».
من الملاحظات المهمة التي ذكرها أنهم كانوا يدركون أن الهدوء إذا ساد إسرائيل لعدة سنوات فإن ذلك قد يؤدى إلى تفكك المجتمع الإسرائيلي (المليء بالمتناقضات).
لكن أحدا لم يتنبأ أن
فرق إسرائيل في طوفان الشياطين على النحو الحاصل الآن. ذلك أن الهجوم على النظام
القائم حاصل على جميع الجبهات.
وهو في رأيه «تسونامي
سياسي وطوفان ثقافي وزلزال اجتماعي وديني، نحن في أوله فقط.. حيث يكون لنا في
النهاية بلد مختلف. «ليس الديمقراطية الغربية المستنيرة التي يدعيها لأنها تستبدل
الآن بسرعة مخيفة بدولة دينية جاهلة، وأصولية عنصرية وقومية وظلامية».
منذ ثلاثة عقود والأحزاب السياسية في إسرائيل تستعين بالجماعات الدينية المتطرفة لكي تتمكن من تحقيق الأغلبية التي تسمح لها بتشكيل الحكومة. وهو ما أدى إلى تزايد نفوذ تلك الجماعات، التي أرادت لإسرائيل أن تكون دولة يهودية،
وكانت النتيجة أن
انقلب السحر على الساحر، وتحولت يهودية الدولة إلى شبح يخيف الإسرائيليين ويهدد
بتقويض الاستثناء الذي ما برحوا يدَّعونه لأنفسهم.
.......................
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق