أي دور للعولمة في أحداث 11 سبتمبر واحتلال العراق مقال منشور في مجلة شؤون عربية عدد120 شتاء 2005
أي دور للعولمة في أحداث 11 سبتمبر وآحتلال العراق
د. سالم لبيض
المعهد العالي للعلوم
الإنسانية بتونس
د. سالم لبيض
المعهد العالي للعلوم
الإنسانية بتونس
مـقـدمـــــة :
لقد بات موضوع العولمة مبحثا تقليديا في العلوم الإنسانية والإجتماعية فلم تعد الظاهرة تحظى بذلك الإهتمام الذي لقيته عند بداية التسعينات بعد سقوط الإتحاد السوفياتي وحرب الخليج الثانية . لكن أهمية العولمة في هذه المرحلة التاريخية تكمن في ما أفرزته من نتائج وإنعكاسات لم تشمل المستوى الإقتصادي أوالسياسي أوالإجتماعي فحسب إنما غيرت ملامح مجتمعات بكاملها من ذلك الولايات المتحدة نفسها إضافة إلى العراق وأفغانستان خاصة بعد أن أصبح الفصل بين العولمة والأمركة غير ممكن . إن الحركات المناهضة للعولمة التي إنتشرت هنا وهناك لم تبرز كرد فعل على العولمة في شكلها الأمريكي فقط وإنما وإضافة إلى ذلك هي محاولة لحماية المجتمعات التي تشتغل فيها هذه الحركات من الدمار المنتظر بسبب عولمة شرسة لا تعرف سوى مصالح الشركات التي أنتجت الظاهرة أي الشركات المتعددة الجنسيات .
أولا :مقدمات العولمة :
لقد بات موضوع العولمة مبحثا تقليديا في العلوم الإنسانية والإجتماعية فلم تعد الظاهرة تحظى بذلك الإهتمام الذي لقيته عند بداية التسعينات بعد سقوط الإتحاد السوفياتي وحرب الخليج الثانية . لكن أهمية العولمة في هذه المرحلة التاريخية تكمن في ما أفرزته من نتائج وإنعكاسات لم تشمل المستوى الإقتصادي أوالسياسي أوالإجتماعي فحسب إنما غيرت ملامح مجتمعات بكاملها من ذلك الولايات المتحدة نفسها إضافة إلى العراق وأفغانستان خاصة بعد أن أصبح الفصل بين العولمة والأمركة غير ممكن . إن الحركات المناهضة للعولمة التي إنتشرت هنا وهناك لم تبرز كرد فعل على العولمة في شكلها الأمريكي فقط وإنما وإضافة إلى ذلك هي محاولة لحماية المجتمعات التي تشتغل فيها هذه الحركات من الدمار المنتظر بسبب عولمة شرسة لا تعرف سوى مصالح الشركات التي أنتجت الظاهرة أي الشركات المتعددة الجنسيات .
أولا :مقدمات العولمة :
1 – مفهوم العولمة :
إن مصطلح العولمة هو ترجمة للمصطلح الفرنسي(MONDIALISATION) وللمصطلح الانقليزي (GLOBALISATION) . والعولمة مفهوم عولج في دراسات العلوم الاجتماعية كأداة تحليلية لوصف عمليات التغير في كافة المجالات. وهو ما يعني أن هناك خطا جديدا وعلاقات اجتماعية مادية ونفعية تستبعد كل المفاهيم القومية والعرقية والعائلية والدينية. ومن ثمة يرى بعض الدارسين أن العولمة ترتبط بأربع عمليات أساسية وهي المنافسة بين القوى العظمى والوصول إلى التقنية الجديدة وشيوع عولمة الإنتاج والتبادل والتحديث[1].
على هذه الأرضية تعددت وتنوعت تعريفات العولمة، منها الاجتهاد الذي قدمه أحد أساتذة ورموز الخارجية الامريكية ومفاده أن مفهوم العولمة " يقيم علاقة بين مستويات متعددة للتحليل وهي الاقتصاد والسياسة والثقافة والايديولوجيا وإعادة تنظيم الإنتاج وتداخل الصناعات عبر الحدود وانتشار أسواق التمويل وتماثل السلع المستهلكة لمختلف الدول ونتائج الصراعات بين المجموعات المهاجرة والمجموعات المقيمة. "[2]. وبالرغم أن للعولمة مظاهرها السياسية المتعلقة بمدى قدرة الدولة القومية الحديثة على الاستقرار والحفاظ على سيادتها في ظل الوسائل الجديدة للاتصال وما يعنيه ذلك من نفي للحدود والحواجز، ومظاهرها الثقافية التي تهدف إلى إيجاد ثقافة عالمية واحدة منفتحة ،على أنقاض الثقافات والحضارات المتعددة والمتنوعة التي تميل إلى الانغلاق والانكماش، فإن المظاهر الأكثر بروزا هي ذات طابع إقتصادي . إن العولمة في هذا المجال تعني اندماج أسواق العالم في حقول التجارة والاستثمارات المباشرة وانتقال الأموال والقوى العاملة والتقانة وحتى الثقافات ضمن الإطار الرأسمالي، وكذلك خضوع العالم لقوى السوق العالمية مما يؤدي إلى إختراق الحدود القومية وإلى الانحسار الكبير في سيادة الدولة. أما العنصر الأساسي في هذه الظاهرة فهي الشركات المتعددة الجنسيات أوعابرة القوميات[3].
وهذا المفهوم يختلف عن مفهوم الاقتصاد الدولي الذي يرتكزعلى علاقات اقتصادية بين دول ذات سيادة، وبينما تشكل الدولة العنصر الأساسي في مفهوم الاقتصاد الدولي تشكل الشركات الرأسمالية المتعددة القوميات العنصر الأساسي في مفهوم العولمة. وهذه الشركات من الضخامة بحيث أن قيمة المبيعات السنوية لإحداها تتجاوز قيمة الناتج المحلي الإجمالي لعدد من الدول المتوسطة الحجم. ونظرا لحجم استثماراتها المباشرة وغير المباشرة في كثير من الدول، فإنها قادرة على الحد من سيادة هذه الدول. فإذا رغبت دولة ما في إتباع سياسة معينة تؤثر سلبيا على أرباح أحد فروعها، قامت الشركة الأم بإغلاق الفرع ونقله إلى مكان آخر، وهذا بحد ذاته يشكل رادعا للدولة المضيفة عن اتباع سياسة غير مناسبة للشركة .
كما تقوم الشركات عابرة القارات كالمصارف وبيوت المال وشركات التأمين وصناديق التقاعد بدور الشرطي الذي يؤمن التزام الدول المضيفة لهذه الاستثمارات غير المباشرة بمعايير أداء معينة في سياستها الاقتصادية. فإذا لم تلتزم الدولة بهذه المعايير نزحت عنها الاستثمارات غير المباشرة والتوظيفات الأخرى، مما يؤدي إلى انخفاض أسعار عملات وأسعار أسهم وسندات الدولة وانخفاض احتياطات مصرفها المركزي من العملات الأجنبية وحدوث إفلاسات مالية عديدة فيها ما يظطرها إلى الاقتراض الخارجي[4].
2- نظرية نهاية التاريخ لفرانسيس فوكوياما :
من هو فرنسيس فوكوياما ؟ يقول الباحث اللبناني "مسعود ظاهر" حتى عام 1989 لم يكن هذا الإسم معروفا في أوساط الباحثين ولم يكن هذا الشاب الأمريكي من أصل ياباني معروفا بدراساته المعمقة في أي حقل من حقول المعرفة الإنسانية .وما إن ألقى محاضرة بعنوان "نهاية التاريخ" في جامعة شيكاغو ونشرتها مجلة The national interst عام 1989 حتى سلطت عليه الأضواء بشكل مكثف . أصدر سنة 1991 مقالا بعنوان "بداية التاريخ" نشر ب Magazine litteraire قبل أن يظهر كتابه الحامل لعنوان "نهاية التاريخ والإنسان الأخير" سنة 1992 .
ظهرت أطروحة فوكوياما في فترة إتسمت بالحاجة إلى تجديد الفكر الرأسمالي الليبرالي ،فبعد إنتهاء المنظومة الإشتراكية وسقوط الإتحاد السوفياتي كان منظرو الأيديولوجيا الرأسمالية يمهدون الطريق لإضفاء شرعية جديدة على نظام قديم .فبالإضافة إلى تدمير النموذج السوفياتي من الناحية الإقتصادية والعسكرية ،فإنه على الولايات المتحدة أن تحقق الهزيمة الأيديولوجية للماركسية وعدم ترك الفرصة لها لتجديد نفسها!!!
إستعار فوكوياما مقولة نهاية التاريخ من الفيلسوف الألماني "هيقل" التي تعني لديه الدولة الليبرالية ، وآستعار مقولة الإنسان من الأخير من "نيتشه" . يرى فوكوياما أن المشكلات العرقية والقومية والدينية وغيرها ستبقى فقط في البلدان التي تعيش مرحلة التاريخ الراهن ، أما بلدان الديمقراطيات الليبرالية فتكون قد تجاوزت تلك الإنقسامات إلى مرحلة ما بعد التاريخ الحالي .إنطلاقا من هذه المقولة يسهل تقسيم العالم إلى قوى بشرية تناضل داخل تاريخها في حين أن التاريخ الحقيقي قد تجاوز ذلك إلى مرحلة الديمقراطية الليبرالية أي إلى نهاية التريخ . ومأساة الدول المتخلفة والنامية أنها ستستمر في صراعاتها اللاتاريخية طويلا قبل أن تلتحق بركب كل تاريخ سابق عليها ،ومأساة تلك البلدان حسب فوكوياما أن مشكلاتها غير قابلة للحل لا بالعنف ولا بالسلم . سبب ذلك أن العنف يقودها إلى التدمير في الداخل وعندما تنتهي رقصة الدم تجد نفسها قد إبتعدت كثيرا عن الديمقراطية الليبرالية .من جهة أخرى فالديمقراطية في هذه البلدان هشة للغاية لأنها غير محمية من قوى ومؤسسات تحترم الديمقراطية كقيمة مطلقة بحد ذاتها كما تفعل القوى والمؤسسات في البلدان الديمقراطية .ورغم وجود مشكلات حادة في بلدان الديمقراطيات الليبرالية من بطالة وتمييز عنصري وكساد وأزمات سكن وتعليم وعمل وآغتصاب ومخدرات وغيرها ،فإن فوكوياما يفصل في ذلك مؤكدا أن تلك المشكلات عرضية وأن الديمقراطيات الليبرالية ستنتصر في النهاية وهي التي كتبت نهاية التاريخ كما رسمها هيقل منذ قرنين .في تناوله لماركس و الماركسية يذهب فوكوياما إلى أنها إرتدادا أو قطعا معرفيا سلبيا مع المسار الهيقلي لفهم التاريخ وبالتالي لابد من تجاوز ماركس والماركسية معا بعد ما حدث في المعسكر الإشتراكي والذي أدى إلى سقوطه والفشل الذريع للماركسية في الفكر والممارسة معا فوظيفة فوكوياما الراهنة أن يحذف المرحلة الماركسية ليعيد التواصل بين التاريخ ونهايته على هدى مقولات "هيقل". أما التطور المستمر فهو للأفكار الكبرى التي تحرك الأفكار التي تحرك التاريخ ،فالأفكار الكبرى التي تشكل قاعدة التاريخ الشمولي لها بدايات يحاول فوكوياما التفتيش على دعائم لها في فكر "هيقل" أما نهاية هذه الأفكار فإنها تتجسد في مقولة الدولة الليبرالية الهيقلية، إنها نهاية التاريخ[5].
3 - أطروحة صدام الحضارات لهانتنغتون :
بدأت أطروحة "هانتنغتون" حول صدام الحضارات بمقالة نشرها سنة 1993 بمجلة السياسة الخارجية، لتتطور في كتاب نشر سنة 1996 بعنوان "صدام الحضارات وإعادة بناء النظام العالمي ". خلاصة هذه الأطروحة أن أساس الصراعات والنزاعات في العالم هو أساس ثقافي، وأن الفروق بين الحضارات هي فروق حقيقية وأساسية .يعرف هانتنغتون الحضارة "بأنها أعلى تجمع ثقافي للناس والشعب "[6]،وتتمايز الحضارات بالتاريخ واللغة والثقافة والتقاليد وخاصة الدين [7].وفي تصنيفه لحضارات عالم اليوم ،يقسمها "هانتنغتون" إلى الحضارة ، الغربية ، الكونفوشيوسية ، الإسلامية ، الهندية ، السلافية ، الأرثذوكسية ، الأمريكيةاللاتينية والحضارة الإفريقية . أما فيما يتعلق بمرتكزات صدام الحضارات، فإن أبرزها :
- التمايز في مقومات الحضارات وهي التاريخ واللغة وخاصة الدين
- إحتكاك الشعوب المختلفة ببعضها البعض والتفاعل بينها مما يساعد على بروز الفروقات بين الحضارات وآزدياد الوعي بها
- إنعكاسات التحديث الإقتصادي والإجتماعي على الهويات القومية والوطنية مما ولد الرغبة في صيانة هذه الهويات ضد الإختراقات الأجنبية
- إزدواجية النموذج الغربي كنموذج يحتذى إقتصاديا وتنمويا وكنموذج غير مرغوب فيه ثقافيا وقيميا
ينتهي هانتنغتون إلى أن حضارتا الإسلام والغرب هما الأقرب للتصادم والصراع على أرضية ما دار بينهما من صراع يعود إلى 1300 سنة الذي من حلقاته الرئيسية الحروب الصليبية والحروب العثمانية الأروبية والإستعمار هذا علاوة على ما يسميه مؤلف صدام الحضارات ب"إرهاب الجماعات الأصولية" "إن هذا التفاعل العسكري الذي يمتد عمره قرونا بين الغرب والإسلام ليس من المرجح أن ينحسر بل قد يصبح أكثر خطرا"[8]. إن هذه المواجهة التي يرى "هانتنغتون" فيها مواجهة حتمية تعود إلى عوامل مثل الزيادة الديموغرافية الهائلة للمسلمين في العالم، الصحوة الإسلامية ورفض الثقافة الغربية ،زيادة النفوذ العسكري والثقافي الغربي في العالم الإسلامي وسقوط الإتحاد السوفياتي ونهاية الخطر الشيوعي .
ثانيا : نتائج العولمة :
لقد إنتهت العولمة ، والعولمة الأمريكية إلى نتيجتين هامتين يمكن إعتبارهما من الفواصل في تاريخ البشرية وهما أحداث 11 سبتمبر والغزو الأمريكي للعراق.
1 – أحداث 11 سبتمبر وموقف المثقفين الأمريكيين :
إن ما آنتهى إليه "صامويل هانتنغتون من مقدمات فكرية وأيديولوجية للتأسيس للعولمة والذي مفاده أن الصراع العالمي الآتي في أعقاب نهاية الحرب الباردة لن يكون صراع قوة تخوضه دولة أو إئتلاف دول ، على مصادر إقتصادية وأسواق أوعلى مواقع جيوستراتيجية ،وإنما سيكون صدام حضارات وأن الإسلام في ذلك هو "قوة الظلام حسب رأيه " بسبب " نزوع المسلمين نحوالصراع العنيف" على حد قوله قد حظي بآهتمام العالم الغربي قبل أحداث 11 سبتمبر وبصفة خاصة بعدها . فقبل 11 سبتمبر ومنذ بداية التسعينات تاريخ تفكك الإتحاد السوفياتي وحلف وارسو أداته العسكرية سعت المراكز الإستراتيجية الغربية وخاصة الأمريكية منها إلى البحث عن عدو إستراتيجي جديد يبرر بقاء حلف الناتو،وتخصيص النسبة الأكبر من إيرادات الدولة الأمريكية لبرامج التسلح مع إقناع دافعي الضرائب الأمريكية بذلك ، وإستمر بناء القواعد العسكرية في ظل غياب العدو.إن كل ذلك إستوجب من الولايات المتحدة الأمريكية إعادة صياغة عقيدتها العسكرية لضمان تفوقها العسكري ودخلها من مبيعات السلاح التي تجاوزت 60 مليار دولار منذ حرب الخليج الثانية ، هذا حفاظا على قيادتها للغرب بل للعالم بأكمله [9]. لقد بدأت ملامح العدو الإستراتيجي الجديد تتبلور مع مطلع التسعينات عندما أقرت سفيرة الولايات المتحدة بالأمم المتحدة أن "العدو القادم هو الأصولية الإسلامية كمقدمة لتبني نفس الموقف من طرف الحلف الأطلسي الذي عبر عن ذلك صراحة في بيان أصدره سنة 1992 جاء فيه أن الأصولية الإسلامية هي العدو القادم للحلف ،حيث أن الإسلام يملك مقومات سياسية شبيهة بالشيوعية حيث يسعى لمناهضة المشروع الرأسمالي ،وهو صنف من الخطاب كان يوجه للشيوعية بعد الحرب الثانية .يقول إدوارد سعيد "عالم الإسلام أقرب إلى أروبا من كل ما عداه من الأديان غير المسيحية وقد أثار قرب الجوار هذا ذكريات الإعتداء والإحتلال والمعارك الإسلامية ضد أروبا ،كما أنعش في الذاكرة دوما قوة الإسلام الكامنة المؤهلة لإزعاج الغرب ...إن الإسلام ينفرد في أنه على ما يبدو لم يخضع أبدا للغرب خضوعا كليا ...إلخ[10].وهو نفس الموقف الذي عبر عنه رئيس تحرير مجلة الدفاع الوطني الفرنسية بقوله "ينطلق الأروبيون في تعاملهم مع الظاهرة الإسلامية عموما من خلفيات ثابتة وتاريخية ومن معطيات التقارب الجغرافي وفي العموم يخشى الفرنسيون والأروبيون الظاهرة الإسلامية ويعتبرونها تهديدا خطيرا "[11].
بعد 11 سبتمبر أدرك الساسة الأمريكان وقبلهم المفكرون الإستراتيجيون أن عدو الأمس المفتعل بل حليف الأمس والأداة الأمريكية في مواجهة الإتحاد السوفياتي، المتمثل في الجماعات الإسلامية وخاصة جماعة القاعدة الذين إنتصروا على نظام "نجيب الله" الشيوعي في أفغانستان وساعدوا على إنجاز أحد أهداف أمريكا الإستراتيجية وهي الإنتصار على الإتحاد السوفياتي كما إستخدمت أمريكا ظاهرة الإسلام السياسي بدعم من بعض الأنظمة العربية المحافظة وخاصة المملكة العربية السعودية . إن هذا الحليف أصبح عدوا حقيقيا تحول إلى ما تسميه وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ب " الضربة المرتدة " وتمكن من إختراق النظام الدفاعي لأقوى قوة عسكرية في العالم فهي المرة الأولى منذ 1812 التي تهاجم فيها الأراضي القومية الأمريكية [12] .وبذلك سقطت نظرية الولايات المتحدة الأمنية القائمة على أن المحيطين الهادي والأطلسي يشكلان عازلا أمنيا طبيعيا ،كما سقطت نظرية التفوق العسكري التكنولوجي والمعلوماتي .لقد كانت أحداث 11 سبتمبر مثالا صغيرا على أن القوة العسكرية الهائلة ليست فاعلة ضد التهديدات الموجودة حسب أحد الساسة الأمريكان[13] .وتبين أن قوة الردع الأمريكية الهائلة قد أعدت لعدو عقلاني يمكن ردعه ،لعدو له شكل وقاعدة ،لعدو يمكن قياس النصر عليه في حال المواجهة ،لعدو له سوابق في العمل السياسي والعسكري يمكن رصد حركته ومواقفه .غير أن العدو الجديد -الذي هو من صنيع الإدارة الأمريكية نفسها على الأقل في المستوى الإعلامي حتى تبرر سياساتها- مختلفا عن ذلك ،فهو يخوض حربا غير تقليدية يختلط فيها المدنيون بالعسكريون ليصبحوا أهدافا مشروعة ،ولا يقبل بأقل من النصرالشامل[14]، حسب ما يصوره الإعلام الأمريكي الذي نجح بعد أحداث 11 سبتمبر في التعبئة ضد العرب والمسلمين حيث إعتبر بعض المثقفين أن صدام الحضارات قد إنطلق وأخذ أشكال إعتداء في الأماكن العامة وفي الجامعات وبرزت حملات التمييز ونزعات الكراهية والأهم من ذلك هو الموقف الذي تبنته النخب السياسية وبعض المثقفين الأمركيين من العرب والمسلمين وكذلك من الإسلام بعد أن وقع الخلط بينه وبين حركات الإسلام السياسي الإحتجاجي .فقد صرح المدعي العام الأمريكي في شهر نوفمبر 2001 قائلا أن "الإسلام دين يطلب فيه الله منك أن ترسل إبنك ليموت في سبيله ،أما المسيحية فهي عقيدة يرسل فيها الرب إبنه ليموت من أجلك". وآقترحت الكاتبة "آن كولتر" غزو بلاد المسلمين وقتل زعمائهم وتحويلهم إلى المسيحية ، وآعتبر "وليام ليند" مؤلف كتاب "لماذا يشكل الإسلام تهديدا لأمريكا والغرب " أن "المسلمين يشكلون طابورا خامسا ويجب تشجيعهم على مغادرة الولايات المتحدة "[15] ،ووصف القس "بات روبرتسون" الذي يملك أكبر شبكة فضائية دينية في الولايات المتحدة ، وصف الإسلام بأنه" خدعة كبيرة" وأن النبيء "محمد" مجرد متطرف ،لقد كان سارقا وقاطع طرق" . لقد تم تتويج هذا التوجه بإطلاق الحملة التي سمتها الإدارة الأمريكية "الحرب على الإرهاب" التي قال عنها عالم اللسانيات الأمريكي "نعوم شومسكي" إن تسميتها "حرب ضد الإرهاب "هي من قبيل الدعاية ما لم تكن الحرب تستهدف الإرهاب بالفعل ،لكن من الواضح أن هذا لم يفكر به أولئك لأن الدول الغربية لا تستطيع أبدا أن تلتزم بتعريفاتها هي نفسها الرسمية لمصطلح الإرهاب كما في القانون الأمريكي أوكتيبات توجيهات الجيش الأمريكي ، فهي إن فعلت ذلك تكشف على الفور أن الولايات المتحدة دولة إرهابية بارزة وبالمثل عملاؤها "[16].
مقابل ذلك وقع ستون مثقفا أمريكيا وثيقة من 10 صفحات تحمل عنوان "رسالة أمريكا ، دوافع الحرب "[17]، صدرت عن المعهد الأمريكي للقيم ومن أبرز موقعيها صامويل مانتنغتون وفرنسيس فوكوياما ودانيال موينهان وغيرهم وقد كتب نص الوثيقة أكاديمي نسوي محافظ -العبارة "لإدوارد سعيد"[18] – هو "دجين باثك ألشتاين" الذي إستقى أفكاره من أستاذ علم الإجتماع مايكل والزر المعروف بميله إلى اللوبي الصهيوني وتبريره لكل ما تقوم به "إسرائيل " الدولة الدينية ولكنه يعرف برفضه لقيام دولة دينية مسيحية في الولايات المتحدة . لقد أشارت الوثيقة إلى مجموعة من المبادئ مثل مبدأ المساواة بين البشر وأن القتل بآسم الله هوشيء مرفوض وحرية الفكر مسألة ضرورية كما أن الموضوع الأساسي للمجتمع هوالفرد الذي تستوجب حمايته من الدولة وبناء عليه فإن كل من يحارب الولايات المتحدة فهو يحارب المبادئ الإنسانية المشار إليها وكأنها مبادئ أمريكا وحدها ، لقد أشارت الوثيقة إلى بعض أخطاء السياسة الأمريكية ولكنها بالمقابل عددت ما تعرضت له الولايات المتحدة من "جرائم "على أيدي العرب والمسلمين مثل تفجير مقر المارينز في بيروت سنة 1983 ولكن الآلاف الذين قتلوا في جميع أنحاء العالم على أيدي القوات الأمريكية في اليابان في فتنام في لبنان في الصومال في العراق وفي فلسطين بسلاح أمريكي ومن طرف حليف أمريكا الإستراتيجي أي الدولة العبرية ، لا تشير إليهم الوثيقة لأنها في نهاية الأمر وثيقة تأييد لإعلان الحرب على الإرهاب الذي أقرته المؤسسة الأمريكية الذي سيكون من نتائجه غزو أفغانستان ثم إحتلال العراق . لقد وصف "إدوارد سعيد" نص الوثيقة في تعليقه السالف الذكر بأنه خطاب يشيع الجهل والتجاهل ويعتم عن حقائق السياسة والتاريخ بالرغم من إدعائه التمسك بالقيم والمبادئ ،إنه نذيربداية مرحلة تنبؤ بآنحطاط الخطاب الفكري والثقافي الأمريكي بعد أن قبل مثقفوا أقوى دولة في العالم التخندق مع الحكومة خاصة وأن البنتقون يقف وراء الوثيقة تمويلا ودعاية للحرب على الإرهاب .
2 – الغزو الأمريكي للعراق :
يعد غزو العراق الحلقة المحطة التاريخية الأكثر أهمية في مرحلة العولمة الأمريكية ورغم ذلك فمن غير المجدي العودة إلى مناقشات ما قبل الحرب التي كانت تدور حول مدى شرعية الخطاب الأمريكي والبريطاني ومن حالفه في الغرب المتعلق بغزو العراق فقد أقرت أغلبية الدول وكل الشعوب في العالم عدم شرعية تلك الحرب بل وقذارتها .
لكن من الضروري الوقوف عند آراء بعض النخب من مسألة الحرب بصورة عامة ،فقد إرتأت هذه النخب ومنذ أحداث 11 سبتمبر ضرورة شن حرب على "الشرق الأوسط " يكون العراق مقدمتها ومحورها الرئيسي، مثلما دعا إلى ذلك "توم دونللي" الذي إعتبر أن مشروع القرن الجديد بالنسبة له يبدأ بغزو العراق ولا يحتاج المشروع حسب رأيه نشر نصف مليون جندي .تردد نفس الموقف لدى "جوناه جولدبرجر" الذي يعمل ب"المجلة القومية " من أن الولايات المتحدة تحتاج إلى الدخول في حرب مع العراق ،لأنها تحتاج للدخول في حرب مع أية دولة في المنطقة والعراق هي أنسب دولة لذلك . ويضيف "برجر" "...وبعد الإطاحة بالطغاة في إيران والعراق وسوريا والسعودية سنبقى مشغولين ، فلا بد من تحقيق الثورة الديمقراطية ،فالإستقرار مهمة أمريكية غير لائقة وهومفهوم مظلل يجب أن نستبعده ،فنحن لا نريد إستقرارا في هذه البلدان ، نريد أن نحدث تغييرا ".إن المهمة اللائقة والتاريخية بناء على ما ذكره "مايكل ليدن" المسؤول السابق في البنتجون تتمثل فيما يلي :"إن التدمير الخلاق هو إسمنا الثاني داخل مجتمعنا ومن الخارج ،إننا نمزق النظام القديم كل يوم ،من التجارة إلى العلم والأدب والفن والعمارة والسينما إلى السياسة والقانون، إن أعداءنا كانوا يكرهون دائما هذه الدوامة من الطاقة والقدرة الخلاقة التي تهدد تقاليدهم وشعورهم بالخزي لعجزهم عن اللحاق بنا ، ولابد من تدميرهم حتى نتقدم في تحقيق مهمتنا التاريخية[19]".فقد كان غزوالعراق وإحتلاله بمثابة المخبر لوضع هذه الأفكار تحت التجربة التاريخية للتثبت من مدى صدقها .
إن إحتلال العراق لم يكن إحتلالا تقليديا كما كانت تفعل قوى الإستعمار التقليدية التي كانت تحافظ على حكم السلالات الحاكمة والأمثلة على ذلك كثيرة(تونس 1881 ،مصر1882 والمغرب 1912 ) فجاء الغزو تحت شعار "التحرير"والتخلص من النظام بعد أن ثبت هشاشة مقولة أسلحة الدمار الشامل التي يمتلكها العراق. لقد كانت الإدارة الأمريكية تدرك أن النظام العراقي يعكس وجود دولة مركزية قائمة على عملية إندماج تاريخي للمجموعات العرقية والطائفية والدينية والمذهبية تطلب إدماجها عملية معقدة وطويلة وربما خضعت هذه المجموعات لعملية توحيد قسري . لقد كان الإحتلال الأمريكي للعراق منذ يومه الأول يستهدف وجود الدولة ومؤسساتها وتاريخها وذاكرتها إذ لم يكتف بإسقاط تمثال "صدام حسين " كرمز لسقوط النظام وإنما أطلقت قوى الإحتلال العنان لعمليات السلب والنهب وحرق الدوائر الحكومية والوزارات والمتاحف الوطنية ودور الوثائق والمخطوطات والأرشيف والجامعات والمراكز العلمية ،إنها رسالة موجهة إلى الدولة العراقية ، مؤسساتها وتاريخها وذاكرتها ، لتعود بالعراق إلى مرحلة ماقبل الدولة مرحلة تمثيلية الطوائف والعشائر والإثنيات والمذاهب سواء كان ذلك في مستوى الإدارات المحلية أو على المستوى المركزي[20]. ولعل أحسن مثال على ذلك مجلس حكم العراق الذي نصبه الحاكم المدني الأمريكي "بول بريمر". إن تدمير مؤسسات الدولة العراقية إقتصاديا وسياسيا وثقافيا وعسكريا هوتدمير للمجتمع العراقي الذي لا شك أنه ولد في أحضان الدولة نفسها شأنه في ذلك شأن كل "المجتمعات العربية ".
3 - أحداث 11 سبتمبر وآحتلال العراق : بدايات العولمة أم نهاياتها :
يؤرخ لبدايات العولمة بسقوط الإتحاد السوفياتي في نهاية الثمانينات من القرن العشرين. لقد إستهدفت العولمة خلال عقد ونصف تقريبا تغيير العديد من المفاهيم ،لعل من أبرزها مفهوم سيادة الدولة الذي تناقص تدريجيا في ظل تدفق الأفكار والمعلومات والسلع والأموال والبشر عبر حدوددها ،فلم يعد للحواجز والحدود الجغرافية أهمية تذكر في ظل الثورة الهائلة في مجال الإعلام والإتصال التي تدعمت بتنامي ترسانة الأقمار الصناعية وتوسع مجال إشتغال شبكة الأنترنات والتكنولوجيات الحديثة التي باتت متعامل بها في عمليات التبادل التجاري والمعاملات المالية خاصة بعد أن أصبح للشركات المتعددة الجنسية سيادة موازية لسيادة الدولة[21] ، بعد أن تمكنت هذه الأخيرة من نقل سلطة الدولة وآختصاصاتها إلى مؤسسات عالمية تتولى تسيير العالم وتوجيهه وهي بذلك تحل محلها[22]. إن مضمون العولمة السياسية في ظاهره دعوة إلى تعميم الديمقراطية والليبرالية السياسية وحقوق الإنسان والحريات الفردية وغيرها من القيم السياسية للمجتمع الغربي، إلا أن باطن العولمة السياسية هو"الأمركة "، إن جوهر العولمة المؤمركة هو إعادة إنتاج مقولات الإستشراق الأمريكي مثل مقولة "روزفلت" أحد رؤساء أمريكا سنة 1898 " قدرنا أمركة العالم "[23]، إن هذه المقولة تتجسد عمليا بعد أن مضى عليها أكثر من قرن ، شعارها القرية الكونية وسيلتها إلغاء الفروقات والخصوصيات الثقافية بين الشعوب والأمم والحضارات والديانات ،هدفها رأسملة النظام الإقتصادي العالمي كأداة لضمان الربح والربح المستمر لسادة العولمة بل لسادة الأمركة أي الشركات العابرة القومية ، النتيجة هي إلغاء سيادة الدول كمقدمة لإلغاء سيادة الأمم والشعوب وحقوقهم في أوطانهم وفي إمكانياتهم المادية والبشرية .إنها ببساطة الهيمنة الأمريكية ،فإلى أي مدى نجحت هذه الهيمنة المختفية وراء مقولات العولمة ؟ إن أحداث 11 سبتمبر والإحتلال الأمريكي للعراق يعكسان نهاية العولمة كمجموعة من المقولات الجذابة المروجة لأفكار الحداثة والتحررية الإقتصادية والديمقراطية الليبرالية ذات التعددية والبرلمانية وما صاحب ذلك من حقوق الإنسان والحريات العامة والخاصة ...إلخ ،وبداياتها بإعتبارها محاولة لأمركة العالم .إن أحداث 11 سبتمبر وبقطع النظر عن من خطط لها ومن نفذها هي رد فعل غير معهود على العولمة في ثوبها الأمريكي أي على الهيمنة الأمريكية ، إن مركزي التجارة العالمية في نيويورك لا يمثلان فضاءات تجارية تقليدية وإنما يرمزان إلى السيادة "الإمبراطورية " للولايات المتحدة الأمريكية وإلى سيادة شركاتها المتعددة الجنسية ، وما وقع في 11 سبتمبر هو نتيجة لمسار العولمة الأمريكية الذي إنتهى إلى الهيمنة المطلقة على العالم. أما غزو العراق وآحتلاله فيمثل إختبارا حقيقيا لمقولات العولمة والعولمة في ثوبها الأمريكي، فالعراق رفض فتح حدود دولته أمام تدفق الرأساميل الغربية والمعلومات وإلغاء الحواجز القمركية أمام سلع الماكنة الرأسمالية والتفويت في مؤسسات القطاع العام لصالح الخواص ودافع عن سيادة دولته وآستقلالية قراره السياسي ولم يستجب للنموذج السياسي الليبرالي وفاخر بإنتمائه لحضارة تمتد على أكثر من خمسة آلاف سنة وعلاوة على كل ذلك رفض التطبيع مع دولة الصهاينة المسماة "إسرائيل". إن كل ذلك قد وضع العراق خارج منظومة العولمة بل رفضها ومقاومتها ،وهو ما عرضه للغزو والإحتلال الأمريكي بما يرمز إليه ذلك من إصرار أمريكي على أن يكون العراق داخل منظومة العولمة ولكنها العولمة الأمريكية أومحاولة أمركة العراق ليس عبر تدمير جميع مؤسسات دولته ونهب إمكانياته المادية والمعنوية فقط وإنما بالإضافة لذلك تغيير مناهجه التعليمية وكل أدوات التنشئة التي تتولاها المؤسسات الدينية والثقافية والإعلامية والتربوية والأسرية لإعداد جيل يستطيع معايشة العولمة الأمريكية. إن العراق في نهاية الأمر ليس سوى نموذجا لرفض إختراق العولمة ومقولاتها وأحد أبرز ضحاياها .
4 - حوار الحضارات أم نظرية الغالب والمغلوب :
إن علاقة الحضارات والثقافات ببعضها البعض هو موضوع حوار فكري قديم متجدد ، فقبل أن يصدر هانتنغتون كتابه حول صدام الحضارات سنة 1996 كان كثير من المثقفين في الغرب والشرق يصدرون المؤلفات ويقيمون الندوات والملتقيات العلمية والفكرية حول علاقة الشرق بالغرب وحول علاقة المسيحية بالإسلام وعلاقة أروبا بالعرب وغيرها من المسائل المتصلة بذلك .فقد إلتقى في مطلع عشرية الثمانينات من القرن الماضي مجموعة من المثقفين العرب والغربيين في ندوة فكرية تحمل إسم حوار الثقافات نظمها ما كان يعرف آنذاك بالمجلس القومي للثقافة العربية ونشرت أعمالها بمنبره الفكري "مجلة الوحدة ".في سنة 2001 أوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن تكون تلك السنة سنة الحوار بين الحضارات وعين الأمين العام للأمم المتحدة لجنة من عشرين عضوا لوضع وثيقة تعرض على الجمعية العامة لإقرارها ، تشرح الحاجة لهذا الحوار وضروراته وفاعليته وقد أعدت الوثيقة في 250 ص حملت عنوان "عبور خطوط التقسيم ..الحوار بين الحضارت". وفي نفس الفترة تقريبا كانت حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية "الإصلاحية "تتخفى وراء "شعار" حوار الحضارات لبناء علاقة جديدة مع الولايات المتحدة الأمريكية . لقد عصفت بهذه الدعوات والمحاولات أحداث 11 سبتمبر.وتكررت الدعوة إلىحوار الحضارات سنة 2002 في مبادرة تولتها جامعة الدول العربية ونشرت أعمالها بدوريتها شؤون عربية ، خلاصة ماجاء في كلمة الأمين العام للجامعة ما يلي " إن الهدف الذي نطمح إليه هو التصدي الرصين لحملة التشويه الموجهة إلينا وكذلك إطلاق حوار موضوعي بناء ،حوار حضارات حقيقي مبني على أسس وقواعد محكمة تسمح بتفجير طاقات التعاون وفتح نوافذ للفهم والتفاهم فيما بين هذه الحضارات ونبذ نظريات التمييز والصراع "[24].وآنبرى "المفكرون العرب " المشاركون في أعمال الملتقى السالف الذكر يدافعون على الثقافة العربية الإسلامية والدور الذي قامت به في تشكيل الحضارة الإنسانية قبل أن تصل إلى مرحلة المساهمة فيها فقط ، لكنهم إنتبهوا في بيانهم الختامي إلى أن وراء الإختلال الحضاري الذي تعيشه الحضارة العربية الإسلامية يقف التخلف الإقتصادي والإستبداد السياسي والفساد بكافة أشكاله وأن التطرف والعنف هي ظواهر ناتجة عن ذلك التخلف والإستبداد ، داعين إلى إقامة العدالة الإجتماعية والديمقراطية وإعادة النظر في البرامج التعليمية ، وتشجيع البحث العلمي .وفيما يتعلق بطبيعة العلاقة الراهنة بين الحضارة العربية الإسلامية والحضارة الغربية إرتأى "المفكرون العرب" ضرورة إعتراف الحضارتين كل واحدة بالأخرى،وأن تعاونهما يشكل مدخلا للقضاء على الإرهاب الذي لا دين ولا وطن له..إلخ[25].
لقد فشلت مبادرة الجمعية العامة للأمم المتحدة أمام إختبار 11 سبتمبر سنة 2001 وفشلت دعوة جامعة الدول العربية أمام إختبار الغزو الأمريكي للعراق سنة 2003 .فهل هناك ضرورة لحوار الحضارات؟ وهل هناك صدام حضارات فعلا كما ذهب إلى ذلك "هانتنغتون" وتدافع الكثير من المثقفين في كافة أصقاع الدنيا بين مؤيد ومناوئ ؟ وهل يمكن للمثقف العربي على وجه الخصوص أن يكون محايدا تجاه كل ذلك ؟
إن أطروحة صدام الحضارات وكل دعوات الحوار الحضاري هي بكل بساطة ضرب من الوهم لأن الحضارات الإنسانية لا تتصارع لأن أحدا إرتأى ذلك ،ولأن هذا الصراع لا ينتفي لمجرد أن مجوعة من المثقفين العرب تناولوا هذا الموضوع بالبحث والحوار حتى وإن كان ذلك مع أقرانهم من الغربيين الذين يذهبون نفس المذهب .إن الدونية الحضارية هي وليدة الهيمنة الإقتصادية والسياسية والثقافية ذلك ماتقدمه لنا دروس التاريخ ،فالمجتمع العربي الذي يعيش هذه الدونية رزح لفترة طويلة تحت الهيمنة التركية التي وجدت في الخلافة الإسلامية العثمانية وسيلة لشرعنة ذلك ، وإستمر وضع الهيمنة مع الإحتلال الأروبي الذي عاشه الوطن العربي أكثر من قرن في بعض الأقطار العربية ورغم التضحيات التي قدمتها حركات التحرير العربية لنيل الإستقلال فإن هذا الأخير جاء مشوها بل صوريا فالنظم السياسية التي ورثت المستعمر سرعان ما فقدت شرعيتها أمام أول إختبارللتنمية الإقتصادية المستقلة والمشاركة السياسية القائمة على الديمقراطية والحفاظ على السيادة الوطنية . وبعد إنتهاء فترة ما كان يعرف بالحرب الباردة والسقوط الإستراتيجي للإتحاد السوفياتي إعتقد الكثير أن بروز مقولة العولمة سيكون مدخلا للقضاء على التخلف السياسي والإستبداد السياسي لكن سرعان ما ظهر للعيان أن العولمة ليست سوى ثوب لقوة إستعمارية جديدية هي الولايات المتحدة الأمريكية نزعت هذا الثوب بعد أحداث 11 سبتمبر لترمي به نهائيا مع غزوها وآحتلالها العراق ، إنها العولمة المؤمركة بل لنقل إنها الأمركة التي بشر بها الإستشراق الأمريكي سنة 1898 (أشرنا إلى ذلك سلفا في الجزء المتعلق بالإستشراق الأمريكي) .إن ما يطلق عليه صدام الحضارات لا يعدو أن يكون سوى هيمنة إستعمارية ذات أشكال ظاهرة وأخرى خفية في ظلها إنتشرت مبادئ الإسلام في الغرب حتى أصبحت الديانة الإسلامية الديانة الثانية في دول مثل فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية نفسها وفي ظلها أيضا إنتشرت المسيحية في كثير من البلدان الإفريقية وفي غيرها حتى لا نقول في الشرق لأن جميع الديانات ذات منبت شرقي وبالتوازي مع هذه الهيمنة الغربية إنتشرت مقولات ومبادئ الليبرالية الغربية في المستعمرات ومواقع النفوذ في الوطن العربي وغيره من بلدان العالم الإسلامي . ولم تكن الأدوار التي قامت بها حركات التحرير في دحر الإستعمار التقليدي المباشر مؤشراعلى وجود حضارات تتصادم شأنها في ذلك شأن أحداث 11 سبتمبر التي يبدو أن أصحابها إبتغوا من ورائها كسر شوكة الهيمنة الأمريكية المتفاقمة بإستمرار ولن تكون مقاومة الإحتلال الأمريكي في العراق حلقة من حلقات صدام الحضارات ولو تخفت وراء شعارات الحرب الدينية وإنما ستكون حلقة في سلسلة التصدي للإستعمار والهيمنة الغربية الأمريكية .يمكن أن نضرب مثلا ثانيا على وهم صدام الحضارات والمتمثل في الصراع العربي الصهيوني وإحتلال الصهيونية لأرض فلسطين ،فاليهود الذين توطنهم الصهيونية على أرض فلسطين مدعومة بالغرب الأروبي تاريخيا والغرب الأمريكي حاضرا ينتمون شأنهم في ذلك شأن العرب إلى السامية وينتمي الغرب حليف إسرائيل التقليدي والإستراتيجي إلى الآرية مع إقرارنا بضبابية وهشاشة الإنتمائين ،في حين أن الصراع الدائر بين العرب وإسرائيل هوالأكثر دموية وتعقيدا من بين كافة الصراعات التي عرفتها البشرية على مدى تاريخها الطويل والأكثر تعقيدا من بين جميع أنوع الإستعمار بآعتبار طبيعته الإستيطانية .فهل نحن أمام هيمنة إستعمارية أم أمام صدام حضاري ؟ إنها نظرية الغالب والمغلوب التي أشار إليها إبن خلدون التي تقتضي أن يفرض الغالب شروطه على المغلوب وشروط الغالب في عصر العولمة المؤمركة هي القبول بآقتصاد السوق القائم على مبادئ منظمة التجارة العالمية والشركات المتعددة الجنسية وتدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ،تطبيق مقولات الليبرالية الغربية بإقامة نظام سياسي دستوري برلماني يعتمد التعددية الحزبية وحقوق الإنسان ولو شكليا كما يحدث في كثير من الدول العربية ،ونشر ثقافة التسامح والسلام ونبذ العنف والتطرف والإرهاب بما في ذلك حركات التحرر والمقاومة وإعطاء حقوق الأقليات، والإستجابة لجميع قرارات مجلس الأمن الدولي وإذا لم يستجب لذلك فالآلة العسكرية الأمريكية كفيلة بتحقيقه ،فهل يستطيع المثقف العربي أن يكون محايدا تجاه الغلبة التي يتعرض لها مجتمعه ؟
نقرأ في تاريخ الأفكار والمفكرين في الغرب أن هؤلاء لم يكونوا محايدين في المعارك التي خاضتها مجتمعاتهم القومية أو مجتمعهم الأروبي ،حتى لما كانت تلك المعارك ذات طبيعة إستعمارية وتهدف إلى إحتلال مجتمعات أخرى ،فقد وصف الفيلسوف الأنقليزي "لوك" الهنود الذين إستعمرتهم بلاده أي المملكة المتحدة بأنهم كسالى وآنفعاليون وجامدون وبعيدون عن الإنظباط وبريون وعنيفون وليس لديهم فنونا وعلوما وثقافة ويفتقرون إلى مؤسسات الدولة وأرضهم خالية ومهجورة ويمكن أخذها دون إذنهم والأنقليزي ليس حرا في أن يأخذ ريع الأرض الهندية ويتدخل في طريقة حياة الهنود وإنما ذلك واجب عليه ، والإستعمار الأنقليزي ضرورة لا غنى عنها لنقلهم إلى المدنية وهذا الإستعمار لا يحتاج إلى تبرير[26].ويتكرر الموقف لدى "ستوارت مل "فيرى أن المجتمعات المتأخرة فاقدة للقدرة على تجديد ذاتها وأنها بحاجة إلى تمدن من الخارج وأن حق عدم التدخل لا تستحقه لأنها لا تملك الحق في سلامة أراضيها .ويؤيد "توكفيل"إحتلال فرنسا للجزائر معتبرا ذلك لصالح الطرفين بل ذهب أبعد من ذلك معتبرا أنه من غير الممكن معاملة رعايا المستعمرات كما لو كانوا مواطنين مثلنا أو مساوين لنا ، وعندما قامت فرق المارشال بيجو بأسر وحرق مئات العرب إمتدح "توكفيل "الخدمة العظيمة التي قدمها الجنرال لبلده على تراب إفريقيا [27].كما عبر الفيلسوف الألماني "كانط " عن موقف ينم عن تطرف عندما شارك في الجدل الدائر حول الإستعمار الأنقليزي لهايتي متسائلا عن مبرر وجودجم أصلا أي سكان هايتي ،فهل سيختلف الوضع لو أن هذه الجزيرة كانت مسكونة من قبل خراف وأبقار سعيدة بدلا من هذه الكائنات البشرية التي تستمد سعادتها من اللذة الحسية[28] ؟ يمكن أن نظيف في نفس الإطار موقف "كارل ماركس " فيلسوف الطبقة العاملة من إحتلال كل من الجزائر والهند من طرف فرنسا وأنقلترا معتبرا ذلك مبعثا على تمدين هذه المجتمعات والتعجيل بها للخروج من الإقطاع والدخول مرحلة الرأسمالية التي ستنتهي بثورة البروليتاريا وتحقيق الإشتراكية!!!
إن هذه الأمثلة تدل بوضوح أن كثيرا من رموز الفكر الغربي الذين شكلوا نموذجا يحتذى لغالبية مثقفي الوطن العربي طيلة النصف الثاني من القرن العشرين لم يلتزموا الحياد فيما يتعلق بقضايا مجتمعاتهم ولم تتوان بعض المجتمعات الأروبية التي عاشت الإحتلال الأجنبي ونخص بالذكر فرنسا تحت الإحتلال الألماني الهتلري ،على فتح تحقيقات وتنظيم محاكمات للمتعاملين مع الإحتلال ولو كان ذلك بعد عشرات السنين . بينما لا يتأخر بعض مثقفينا العرب في إعطاء شرعية للإحتلال الأمريكي للعراق أو الإحتلال الإسرائيلي لفلسطين والتنظير للعولمة بإعتبارها أمرا واقعا لا يمكن تفاديه بالرغم من الأضرار التي أحدثتها وستحدثها هذه الظاهرة على مجتمعاتهم ولعل ذلك يكون نتيجة لدرجة عالية من الإختراق الفكري والثقافي تحول بموجبه الغازي والمحتل إلى صديق وحليف مع التبشير بالحوار الحضاري معه ،هذا الحوار الذي كثيرا ما يتم بلغة الغازي نفسه وبأدواته الفكرية والعلمية وكأن صراع الشعوب مع محتلي أراضيها هو موضوع حوار أو علامة صدام حضارات .
خامسا : "مشروع الشرق الأوسط الكبير":
إن "مشروع الشرق الأوسط الكبير" هوأحد النتائج المباشرة لإحتلال العراق وهو أحد أبرز إفرازات العولمة في ثوبها الأمريكي . قدمت المشروع الولايات المتحدة الأمريكية لمجموعة الثمانية الصناعية للنظر في إمكانية تبنيه في القمة التي ستنعقد في شهر جوان 2004 . يستند المشروع إلى تقريري التنمية البشرية 2002 و2003 الصادرين عن الأمم المتحدة بعد أن صيغا من طرف مجموعة من المثقفين العرب . خلاصة ذلك ما يلي :
- إن مجموع إجمالي الدخل المحلي للدول العربية هو أقل من نظيره في إسبانيا
- حوالي 40 % من العرب البالغين 65 مليون شخص أميون وثلثي هذا الرقم من النساء
- سيدخل أكثر من 50 مليونا من الشباب سوق العمل بحلول سنة 2010 وسيدخلها 100 مليون بحلول سنة 2020 وهناك حاجة لخلق 6 ملايين وظيفة جديدة
- من المحتمل أن يبلغ معدل البطالة 25 مليونا بحلول سنة 2010
- يعيش سكان المنطقة بأقل من دولارين في اليوم
- في إمكان6 . 1 % فقط من السكان إستخدام الإنترنات وهو رقم أقل مما هو عليه في أي منطقة أخرى من العالم بما في ذلك بلدان إفريقيا جنوب الصحراء
- لا تشغل المرأة سوى 5 . 3 % فقط من المقاعد البرلمانية في البلدان العربية
- عبر 51 % من الشباب العرب الأكبر سنا عن رغبتهم في الهجرة إلى بلدان أخرى
- توجد 53 صحيفة بالنسبة لكل 1000 شخص في البلدان العربية في حين أنها 285 بالنسبة لنفس الرقم في البلدان المتطورة ، هذا علاوة على رداءة محتويات الصحف العربية ، وينسحب نفس الرأي على وسائل الإعلام الأخرى التي تهيمن عليها الدولة
- لا يمثل ما تنتجه البلدان العربية من الكتب سوى1 . 1 % من الإجمالي العالمي تشكل الكتب الدينية 15 % منها ، كما أن الكتب المترجمة إلى اللغة اليونانية التي لا يتكلمها سوى 11 مليون شخص خمسة أضعاف ما يترجم إلى اللغة العربية التي يتكلمه حوالي 300 مليون شخص [29]
تمثل تلك النقاط الأرضية التي إستند إليها "مشروع الشرق الأوسط الكبير" وقد خلص هذا المشروع إلى وصفة ثلاثية الأهداف هي على التوالي تشجيع الديمقراطية والحكم الصالح ، بناء مجتمع المعرفة ، توسيع الفرص الإقتصادية .
فيما يتعلق بالنقطة الأولى ينطلق المشروع من أن "إسرائيل" هي الدولة الوحيدة الديمقراطية في "الشرق الأوسط الكبير" ، ويرمي إلى إقامة إنتخابات حرة يمكن أن تنجح عبر تقديم مساعدات تقنية لتسجيل الناخبين والتربية المدنية للحكومات التي تطلب ذلك ، تعزيز دور البرلمانات وتبادل الزيارات البرلمانية ، زيادة مشاركة النساء السياسية بعد تدريبهم على ذلك ، الإصلاح القانوني والقضائي عبر تمويل مراكز تقدم إستشارات في ذلك . يحتل الإعلام درجة من الأهمية في المشروع الذي يدعو إلى ضرورة تبادل زيارات الإعلاميين ورسم برنامج لتدريب صحافيين مستقلين وتنظيم زيارات للطلبة المتخصصين في الصحافة إلى معاهد الصحافة والإعلام في البلدان العربية أو في بقية بلدان العالم . ويقف المشروع عند الفساد الذي لا بد من مكافحته ويمكن للمجتمع المدني أن يقوم بدور في هذا المجال إذا تم دعم منظماته المهتمة بالديمقراطية وحقوق الإنسان في مراقبة السلطة وكشف تجاوزاتها في مختلف المجالات .
النقطة الثانية من المشروع الأمريكي تتعلق بمجتمع المعرفة ، في هذا المجال يدعو المشروع إلى محو الأمية عبر تدعيم وتفعيل برنامج الأمم المتحدة لمكافحة الأمية الذي أطلقته في 2003 تحت شعار " محو الأمية كحرية " مع التركيز على تدريب النساء على مهنة التعليم . ويرى المشروع في إصلاح التعليم ضرورة تستوجب عقد قمة الشرق الأوسط لإصلاح التعليم ، ولا يقل نشر الأنترنات أهمية عن ذلك وهو ما يقتضي ما يسميه المشروع تجسير الهوة الكمبيوترية كمدخل لتحديث التعليم والتجارة.
النقطة الثالثة من البرنامج الأمريكي المسمى ب "مشروع الشرق الأوسط الكبير" تحمل إسم توسيع الفرص الإقتصادية ، مدخل ذلك هوفسح المجال أمام القطاع الخاص ليتولى قيادة العملية الإقتصادية بعد إنهاء تدخل الدولة وهيمنتها على النشاط الإقتصادي ومن ثمة فإن المشروع يقترح برنامجا يقوم على إقراض المشاريع الصغيرة وخاصة تلك التي تتولاها نساء ، بعث مؤسسة المال للشرق الأوسط الكبير التي ستساعد على تنمية مشاريع على المستويين المتوسط والبعيد ، بنك تنمية الشرق الأوسط الكبير بمساعدة مقرضين من الدول الغنية في المنطقة بهدف تولي مشاريع التنمية والتعمير على غرار البنك الأروبي للإعمار والتنمية ، الشراكة من أجل نظام مالي أفضل لإطلاق حرية الخدمات المالية وتوسيعها بالمنطقة للحد من سيطرة الدولة في مجال المال ورفع الحواجز على التعاملات المالية بين الدول وتوفير الوسائل المالية الداعمة لإقتصاد السوق ، تشجيع التجارة البينة بين دول الشرق الأوسط الكبير بعد إلغاء الحواجز القمرقية كمقدمة لدمجها في منظمة التجارة العالمية لتتحول وظيفتها إلى حماية حقوق الملكية الفكرية للشركات عابرة القومية ، إحداث منبر الفرص الإقتصادية للشرق الأوسط الكبير لجمع مسؤولين من مجموعة الثمانية ومن المنطقة المذكورة لمناقشة القضايا المتعلقة بالإصلاح الإقتصادي[30] .
لاشك أن مشروع الشرق الأوسط الكبير يستدعي التأمل والتفكير حول ما ورد فيه من أفكار :
- لقد إستند هذا المشروع إلى جملة من المعطيات والتشخيصات المستنبطة من واقع الدول العربية وحدها وردت في تقريري التنمية البشرية العربية فهي لا تنسحب على بلدان أخرى صنفها المشروع ضمن الشرق الأوسط الكبير مثل باكستان وأفغانستان وإيران وتركيا وهي مجتمعات تتفاوت لديها مؤشرات التنمية البشرية كما تتفاوت هذه المؤشرات بين الأقطار العربية نفسها
- يرمي المشروع إلى تنظيم الأسواق في هذه البلدان لفائدة الشركات العابرة القومية ، فهو لايشير من قريب أو من بعيد إلى التنمية الإقتصادية المستقلة لهذه البلدان أو إلى روافدها مثل التصنيع أوالنشاط الفلاحي في حين يعطي الأولوية المطلقة لتحرير التجارة والحد من دور الدولة
- يهدف المشروع إلى دمج "إسرائيل" في المحيط العربي بعد أن تبين فشلها في ذلك رغم توقيع إتفاقية كامب دافيد منذ 25 سنة مع الحكومة المصرية وإتفاقية وادي عربة بعد ذلك بأكثر من عقد مع الحكومة الأردنية وبعد سقوط إتجاه التطبيع في أسلو ومدريد وكوبنهاقن ، هذا علاوة إعطاء القيادة المالية للمشروع للدولة العبرية
- إن الديمقراطية والحكم الصالح في المنطقة العربية لا يمكن أن تدعمه الولايات المتحدة إلا شكلا لأنه يؤدي وبكل بساطة إلى كنس هذه الدولة ومصالحها من بلاد العرب لأن الشعب العربي هو الأكثر عداء للولايات المتحدة بسبب دعمها غير المحدود لدولة "إسرائيل" وبسبب تدمير العراق وشعبه الذي كان يمثل آخر ملاذات القوة العسكرية والعلمية التي يمكن تحتاجها الأمة العربية يوما ما في صراعها ضد الصهيونية ودولتها وكذلك بسبب حماية أمريكا لحماية الحكام العرب الذين ينظر إليهم على أنهم مجرد بيادق ينفذون سياسة هذه الدولة
- إن إصلاح التعليم وأدوات المعرفة والمعلومات لا يهدف في حقيقة الأمر إلا إلى تغيير مقومات الثقافة والهوية العربية الإسلامية للحد من التطرف والإرهاب والجريمة الدولية والهجرة الدولية كما ورد في ديباجة المشروع وبالتالي تحقيق أحد أبرز أهداف الولايات المتحدة الذي غزت من أجله أفغانستان
- إن المشروع بات يمثل تحديا حقيقيا لحكام الدول العربية فهم أمام خيارين أحلاهما مر ، الأول تنفيذ الوصفة الأمريكية التي تحد من السلطة المطلقة لهؤلاء الحكام والثاني ترك كرسي السلطة لمن لا يرغب خاصة و أن جل الحكام لم يستوعبوا الدرس من غزو العراق وآحتلاله إلا بعد فوات الأوان
- إن المشروع الحقيقي الذي يجب الإلتفاف حوله هو مشروع الوطن العربي الكبير بدل مشروع الشرق الأوسط الكبير
خاتمة :
لعلنا لا نبالغ حين نستحضر مقولة كارل ماركس من أن التاريخ لا يعيد نفسه وإذا أعاد نفسه فإن ذلك لا يكون إلا في شكل مهزلة ، ذلك أن ما ردده بعض المستشرقين في القرون الماضية حول العرب والإسلام والمسلمين والنبيء محمد يتكرر على ألسنة كثير من "الساسة والعلماء" الأمريكان بعد 11 سبتمبر ، وإن الدور الذي قام به الإستعمار الأروبي التقليدي في الوطن العربي من نهب للثروات وقتل وتدمير للبشر يكرره الإستعمار الأمريكي المعاصر في العراق وفي غيره ، وأن ما إنتهت إليه أمريكا من طرح لمشروع الشرق الأوسط الكبير بعد إحتلال العراق شبيه بمعاهدة سايسبيكو التي أفرزت الإحتلال الأروبي للوطن العربي في أعقاب الحرب العالمية الأولى . إنه صراع الهيمنة الذي يختفي وراء مقولات الحرب الصليبية كما جاء على لسان بوش الصغير بعد 11 سبتمبر ، ومقولات صراع الحضارات ونهاية التاريخ التي روج لها قادة الرأي في أمريكا ، هذا الصراع الذي لا يستند إلى أي شكل من أشكال التوازن .
[1] ذياب (مها)تهديدات العولمة للوطن العربي المستقبل العربي عدد 276مركز دراسات الوحدة العربية بيروت فيفري 2002 ص152
[2] روزناو (جيمس)ديناميكية العولمة : نحو صياغة عملية ، مركز الأهرام للدراسات الإستراتيجية 1997 ، نقلا عن يسين (السيد) في مفهوم العولمة ضمن العرب والعولمة ط3 مركز دراسات الوحدة العربية بيروت أفريل 2000 ص26
[3] الأطرش (محمد)العرب والعولمة ما العمل ضمن العرب والعولمة … المرجع السابق ص412
[4] الأطرش …نفس المرجع ص413 - 414
[5] -أنظر: - مجلة الوحدة عدد 98 نوفمبر 1992 مقال للكاتب مسعود ظاهر بعنوان نهاية التاريخ
– فوكوياما (فرنسيس) نهاية التاريخ والإنسان الأخير مركز الإنماء القومي بيروت
[6] هانتنقتون صدام الحضارات مركز الدراسات الإستراتيجية والبحوث والتوثيق بيروت 1995 ص 18
[7] كوثراني (وجيه) فوكوياما ،هانتنغتون والإسلام ضمن مجلة الإجتهاد عدد 49 شتاء 2001 ص 174
[8] هانتنغتون ،مرجع سابق ص 25
[9] الشطي (إسماعيل) تحديات إستراتيجية بعد أحداث 11 أيلول المستقبل العربي عدد 283 لسنة 2002 ص 32
[10] نفس المرجع ص33 نقلا عن سعيد (إدوارد)تغطية الإسلام ترجمة سميرة نعيم خوري مؤسسة الأبحاث العربية بيروت
[11] نفس المرجع ص 34
[12] فرسون (سمير) جذور الحملة الأمريكية لمناهضة الإرهاب المستقبل العربي عدد 284 لسنة 2002 ص 6
[13] الشطي ،مرجع سابق ص 36
[14] نفس المرجع والصفحة
[15] فرسون ، مرجع سابق ص 14
[16] نفس المرجع والصفحة
[17] أنظر نص الوثيقة على شبكة الأنترنات ، موقع جريدة لموند lemonde.fr بتاريخ 14 –02 -2002
[18] أنظر تعليق إدوارد سعيد على الوثيقة ، نشر على شبكة الأنترنات موقع مؤسسة الأهرام المصرية
[19] بوكنان (باتريك) حرب من ؟ شؤون عربية عدد 114 لستة 2003 ص – ص 104 – 106
[20] بلقيز (عبد الإله) المشروع الممتنع :التفتيت في الغزوة الكلونيالية للعراق ،المستقبل العربي عدد291 لسنة 2003 ص ص55- 57
[21] إبراهيم(حسين توفيق) العولمة :الأبعاد والإنعكاسات مجلة عالم الفكر المجلد الثامن والعشرون العدد الثاني أكتوبر- ديسمبر 1999 ص ص 194 – 195
[22] الوالي (عبد الجليل كاظم) جدلية العولمة بين الإختيار والرفض المستقبل العربي عدد 275 لسنة 2002 ص 71
[23] أنظر بعض مقولات الإستشراق الأمريكي ضمن منصور( خيري) مقدمة في الإستشراق الأمريكي الفكر العربي المعاصر عدد 76 – 77 ماي جوان 1990 ص 103 .
[24] أنظر كلمة الأمين العام لجامعة الدول العربية السيد عمرو موسى بعنوان مؤتمر حوار الحضارات :تواصل لا صراع مجلة شؤون عربية عدد 109 ربيع 2002 ص 247
[25] إعلان ملتقى المفكرين العرب ،نفس المرجع ص ص 249 - 250
[26] بيخو(بارخ)الغرب وآخروه ترجمة ثائر ديب مجلة الإجتهاد عدد 49 شتاء 2001 ص 38
[27] نفس المرجع ص ص 40 – 41
[28] نفس المرجع ص 42
[29] أنظر تقريري الأمم المتحدة حول التنمية البشرية العربية للعامين 2002 و2003
[30] أنظر نص مشروع الشرق الأوسط الكبير جريد الحياة بتاريخ 13 فيفري 2004 ص 10
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق