الاثنين، 30 يناير 2012

خطاب الهوية في النظام التربوي وأثره على الشباب الطالبي في تونس

خطاب الهوية في النظام التربوي وأثره على الشباب الطالبي في تونس


                                   د. سالم لبيض

                                      قسم علم الاجتماع المعهد العالي للعلوم الإنسانية

                                  جامعة تونس المنار
  مقدمة:
جدل كبير تحول إلى جدال يلتحم فيه السياسي بالثقافي موضوعه المركزي الانتماء والهوية . جغرافيته الوطن العربي . مبرراته تناقض يبرز أحيانا ويتخفى أحيانا أخرى بين الانتساب للدولة أو للمجتمع . فلكلاهما هوية تختلف عن الآخر وتجاوز ذلك التناقض كثيرا ما يتم عن طريق التخطيط لخلق الانسجام المستحب . لكن الحاصل هو أن الدولة صاحبة القوة النفوذ تضع إستراتيجياتها وبرامجها ومؤسساتها وأيديولوجيتها أو أيديولوجية من هم على رأسها موضع التنفيذ من أجل أن تنتج المجتمع الذي تريد . ولما كانت الشريحة الشبابية هي النواة الصلبة لذلك المجتمع وقوته القادرة على الفعل مستقبلا ، ستشكل في تجربة تونس التي نتولى دراستها في هذا البحث المستهدف الأول لخطاب الهوية التي تنتجه الدولة وتعمل على تعميمه على بقية الشرائح والفئات الاجتماعية ، وسيلتها هي المؤسسة التربوية ببرامجها وأهدافها وغائياتها . قناعتها هي أن تشكيل هوية الشباب الطلابي في المدارس والمعاهد والجامعات هو تشكيل لهوية المجتمع بأسره . لكن المدرسة والمؤسسة التربوية عموما ليست وسيلة تستخدمها الدولة فحسب وإنما كثيرا ما تعيد إنتاج ما هو اجتماعي كما يذهب إلى ذلك عالم الاجتماع الفرنسي "بورديو" ، وهو ما سيضعها في موقع الاختبار بين إنتاج "هوية الدولة" أو "هوية المجتمع". 
 في معنى الهوية :
   إن مفهوم الهوية هو مفهوم خلافي بين الباحثين ومن مرحلة تاريخية إلى أخرى ، وتستند مختلف التعريفات إلى مرجعيات متعددة ، خاصة بعد أن اقتحم المفهوم جميع مجالات العلوم الإنسانية حتى صار موضة في تلك العلوم .والأكثر أهمية في تاريخ المفهوم هو ذلك المزج بين الهوية الثقافية والهوية السياسية الذي بات معتقدا لدى الكثيرين مما يدفعهم إلى المطالبة بإنشاء كيانات سياسية لتلك الهويات الإثنية والطائفية والدينية هذا علاوة على الكيانات القومية والوطنية .
   لقد فرضت كلمة الهوية نفسها كمصطلح فلسفي في البداية يدل على ما به يكون الشيء هو نفسه . يقول "الفارابي" "هوية الشيء وعينيته وتشخصه وخصوصيته ووجوده المنفرد له أي الذي لا يقع فيه اشتراك " . ويميز "الجرجاني" بين الماهية والهوية والحقيقة والذات والجوهر معتبرا أن "الأمر المتعلق من حيث أنه مقول في جواب ماهو يسمى ماهية ومن حيث ثبوته في الخارج يسمى حقيقة ومن حيث هو امتياز عن الأغيار يسمى هوية ومن حيث حمل اللوازم له يسمى ذاتا ومن حيث يستنبط من اللفظ مدلولا ومن حيث أنه محل للحوادث جوهرا ". وتستعمل كلمة هوية في الأدبيات المعاصرة مطابقة للمصطلح الانجليزي IDENTITY والمصطلح الفرنسي IDENTITE ، معبرة عن خاصية المطابقة ، مطابقة الشيء لنفسه أو مطابقته لمثيله [1].
وهو مصطلح يقوم على التشابه وعلى وحدة وديمومة الخصائص الأساسية لشخص واحد أو مجموعة أشخاص . كما أن مرادف الهوية هو الذاتية أو الشخصية ومجموع معطيات الواقع والقانون كتلك المتعلقة بتاريخ ومكان الولادة والاسم واللقب التي من شأنها تأكيد أن  فردا ما هو الشخص بعينه دون أن يقع اللبس مع شخص آخر [2].
يرتبط مفهوم الهوية بتعارف جماعة معينة على أنها مجموعة متجانسة إثنيا أو محليا أو مهنيا[3] أو دينيا أو قوميا فهي وعي بالذات والمصير التاريخي الواحد من موقع الحيز المادي والروحي . ويمكنها أن تحدد توجهات الناس وأهدافهم ،  وتدفعهم للعمل معا  لتثبيت وجودهم والمحافظة على منجزاتهم وتحسين وضعهم وموقعهم في التاريخ . إنها إحساس الإنسان ووعيه بالانتماء إلى مجتمع أو أمة أو جماعة ، إنها معرفتنا بها ، وأين ، نحن ، ومن أين أتينا وإلى أين نمضي وبما نريد لأنفسنا وللآخرين والموقع في خريطة العلاقات والتناقضات والصراعات القائمة .[4] وعلى الرغم من أنه يبدو من الضروري النظر إلى الهوية على أنها حالة دائمة من التطور والتكون والتحول ، أي أنها كينونة مستمرة شكلا ومضمونا[5] ، وأنها نسبية وليست أزلية وهي منفتحة قابلة للتعديل والتكيف والتفاعل مع الهويات الأخرى شرط أن يتم ذلك باختيار واع تفرضه الضرورة وتقرره الإرادة الجماعية .[6] إلا أن ذلك لا يحول دون أن تشكل الهوية مستويات متعددة من الانتماء يمكن أن تكون مجتمعية في آن واحد أو في أحيان كثيرة كالانتماء العرقي أو الديني أو الانتماء إلى قبيلة أو إقليم أو دولة أو أمة . ومن ثمة فإننا نتفق  مع "كلود ديبار" أحد دارسي الهوية في علم الاجتماع الغربي المعاصر من أن "الهوية ليست معطاة وإنما تبنى "[7] ولكن ذلك البناء لا يستند إلى فراغ بل إلى موروث تاريخي مما يجعل الهويات تتمتع بنوع من الثبات المتضمن للتغيير الذي لا يحول دون وجد كيان لا يخضع لهوى الأفراد يغيرونه كلما رأوا ضرورة لذلك . لا شك أن مجموعة الهويات يمكن أن تتعايش لدى الفرد الواحد ولكن المفهوم الذي نستخدمه يعتمد ما يسمى في علم الاجتماع المعاصر "الحس المشترك" كأساس للهوية في المجتمع الواحد تتميز به عن غيرها من المجتمعات الأخرى . أما ما غير ذلك فقد يشكل جزءا من الهوية أو داعما لها ولكنه لا يرتقي إلى أن يكون "حسا مشتركا" بين الجميع مثل العادات والتقاليد واللهجات والانتماءات المهنية التي قد تشترك فيها مجموعات بعينها دون أن تشمل مجموعات أخرى من نفس المجتمع .   
     إن للهوية كما نتناولها في هذا البحث  مستويان من الانتماء يحظيان بالتواصل والاستمرارية هما اللغة والدين ، حتى أن عالم الاجتماع والمستشرق الفرنسي "جاك بارك" شدد على أهمية اللغة العربية قائلا " إن الشرق هو موطن" وأن " اللغة العربية لا تكاد تنتمي إلى عالم الإنسان ، إذ يبدو أنها بالأحرى معارة له ... إن فضيلة الكلمة مستمدة من شكلها وصوتها وإيقاعها أكثر مما هي مستمدة من نوع تطابقها مع حقائق الحياة اليومية [8]وقال عنها "الجابري" "إن اللغة الفصحى العربية ظلت دوما الرباط الروحي الفكري بين الأمة والشعوب القاطنة في المنطقة العربية من المحيط إلى الخليج ، فإلى جانب كونها لغة القراءة والكتابة وبالتالي لغة التواصل الفكري والروحي فهي أيضا لغة القرآن وبالتالي لغة التراث وما تبقى من التاريخ وهذا ما أضفى ويضفي عليها نوعا من القدسية . فكما كانت من قبل شرط الاجتهاد الديني أي التشريع فهي اليوم شرط الوجود القومي ، إنها والتاريخ العربي الإسلامي ذو الطابع الروحي المهيمن شيء واحد . لقد اندمجت في هذا التاريخ وأصبحت سر أسراره وأندمج هو فيها فأصبح حاضرا يتخطى حواجز الزمن تماما كما فعلت وتفعل اللغة العربية نفسها" [9].
 أما فيما يتعلق بالإسلام المقوم الرئيسي الثاني في الهوية العربية فهو دين الغالبية العظمى من العرب وهو الذي وحدهم وحملهم رسالة وأعطاهم قاعدة فكرية وأيديولوجية وبه كونوا دولة [10]. وهو دين العرب أساسا على حد تعبير "الجابري" والقرآن كتابه المقدس جاء بلغة العرب وهو يربط الإسلام والعرب معا بأصل واحد هو إبراهيم أبو المسلمين الموحدين وابنه إسماعيل أول المسلمين والعرب ، كما يرى نفس الكاتب أن عالمية الإسلام التي جعلت منه إحدى أكبر الديانات في العالم باعتباره موجه إلى البشرية جمعاء لا ينفي أن تاريخ نشأته ,انتشاره مرتبط بالعرب وفعلهم التاريخي [11].
 الهوية كإشكال تاريخي في تونس :
 1-الإرث الاستعماري :
  توصل الأب "ديمرسان " إلى العديد من المفاهيم والمصطلحات التي ترتبط بمعنى الوطنية كما عرفت لاحقا مثل تونس ، بلد ، قطر ، أمة ، عمالة ، إيالة* ، بيت ، مملكة ، دولة ، وطن ...إلخ ، كانت سائدة في القرن التاسع عشر تحيل فقط على أرض يتصرف فيها المسلمون ويجب حمايتها [12]. إلا أن هذا الحس الإسلامي الجنيني سيتطور بعد انتصاب الحماية الفرنسية إلى شكل من الانتماء العربي الإسلامي لتونس في محاولة لتحصين البلاد من عمليات المسخ التي تستهدف الشخصية المحلية وذلك بعد القضاء على الدولة العثمانية كآخر دولة خلافة إسلامية واقتسام أطرافها في شكل مستعمرات بعد الحرب العالمية الأولى . لقد عبر عن هذا الاتجاه شيوخ الزيتونة وطلبتها من ذلك الشيخ "محمد الفاضل بن عاشور"  الذي أشار إلى أن الزيتونة قد مثلت مركز الضمير الجمعي ورمز الهوية الحضارية العربية الإسلامية ، كما أن هذه المؤسسة لعبت دورا في تأطير مختلف شرائح المجتمع[13]. و من ثمة الدفاع عن هويته التي استهدفتها الإدارة الاستعمارية منذ انتصابها سنة 1881 مما أدى إلى الصدام بين أنصار الهوية العربية الإسلامية لتونس تقودهم المؤسسة الزيتونية وجماعة الحزب القديم بقيادة "الثعالبي" قبل أن يلتحق بهم جماعة الأمانة العامة الذين أطلقت عليهم لاحقا تسمية "الحركة اليوسفية " ، من ناحية والإدارة الاستعمارية والنخب الفكرية والسياسية الموالية لها أو التي تلتقي معها في ضرورة فرنسة المجتمع مثل "الحزب الشيوعي" من ناحية ثانية .
    لقد شهد النصف الأول من القرن العشرين أبرز وقائع هذا الصراع مثل أحداث الزلاج سنة 1911 والتجنيس بداية من سنة 1923 والمؤتمر الأفخارستي سنة 1930 .
  إن أحداث الزلاج مثلت أول اصطدام في مدينة تونس بين المسلمين والإدارة الاستعمارية في شهر نوفمبر من سنة 1911 ، والسبب في اندلاع هذه الأحداث هو قرار سلطة الحماية ترسيم مقبرة الزلاج في السجل العقاري[14]، وهي المعلم ذو الطبيعة الدينية . مما أدى إلى اندلاع حركة احتجاجية ضد هذا الإجراء إنطلقت من المساجد والجوامع لاسيما جامع الزيتونة مركز الحركة الطلابية آنذاك التي شهدت تحركات وإضرابات هامة سنة 1910 .
  أما أحداث التجنيس فإن جذورها تعود إلى سنة 1923 تاريخ سن الإدارة الاستعمارية لسلسلة من القوانين كان آخرها قانون 20 ديسمبر من نفس السنة الذي يفتح الأبواب واسعة أمام اعتناق الجنسية الفرنسية من طرف الأجانب والتونسيين . وقد أثار اعتناق تلك الجنسية من قبل بعض التونسيين جدلا عميقا في الأوساط الدينية وإصدار فتاوي مضادة لهذه العملية لعل أبرزها الفتوى التي أصدرها مفتي بنزرت الشيخ "إدريس الشريف" التي أقر فيها أن " المتجنس مرتد والمرتد لا يصلى عليه ولا يدفن في المقابر الإسلامية". وشهدت سنة 1932 رفض دفن المتجنسين في مقابر المسلمين في بنزرت وفي غيرها من المدن في قفصة والجريد وصفاقس والساحل وتونس ، وهو ما جعل الإدارة الاستعمارية تدفع بعض المشائخ إلى إصدار فتاوي ترد بها على مفتي بنزرت ولئن إعتبرت تلك الفتاوى أن المسلم المتجنس مرتد إلا أنها تركت الباب أمامه مفتوحا لإعلان التوبة والعودة إلى الحضرة الإسلامية ، إلا أن ذلك قد سارع من وتيرة الحركة الاحتجاجية التي يقودها طلبة الجامع الأعظم في شكل إضرابات ومظاهرات [15].
وفيما يتعلق بالمؤتمر الأفخارستي ، فقد انعقد بقرطاج في شهر ماي من سنة 1930 ، وهو خير مثال على الهجوم الاستعماري على الهوية العربية الإسلامية نظرا إلى ما يرمي إليه من إعادة إحياء المسيحية بتونس لتحل محل الإسلام . وقد وقع الاختيار على قرطاج لأنها تحتوي على أقدم الكنائس بإفريقيا ، هذا علاوة على احتوائها جثمان لويس التاسع قائد الحملة الصليبية الثامنة على تونس في القرن الثالث عشر ميلادية[16]. إلا أن انعقاد المؤتمر التنصيري في تونس قد فجر حركة احتجاجية بدأت بالعرائض التي تطالب الباي* بالانسحاب من الرئاسة الشرفية للمؤتمر ، مرورا بالتحركات التي شهدها الجامع الأعظم بالاشتراك مع تلاميذ معهد كارنو والصادقية والعلوية ، انتهاء إلى المظاهرات و الإضرابات والتجمعات التي شهدتها المؤسسات التعليمية والدينية حيث وقعت المطالبة بإعلان الجهاد مما أدى إلى امتزاج الديني بالوطني في مقاومة الاستعمار [17]
 2 – الإرث البورقيبي :
ميزة هذا الإرث هو أنه محكوم بما خلفته الصراعات السياسية التي خاضها "بورقيبة" مع جماعة الحزب الحر الدستوري التونسي بقيادة "عبد العزيز الثعالبي" المعروف بالحزب القديم ومع مشائخ جامع الزيتونة وطلبته وبصفة خاصة مع الحركة اليوسفية مجسدة في "صالح بن يوسف" وأنصاره . ولما كان هؤلاء يرمزون إلى العروبة والإسلام بشكل أو بآخر ويمثلون المدافع عن الهوية التونسية بهذا المعنى ، وجد فيهم "بورقيبة" الخصم والعدو الذي يستوجب المقاومة . بل إن موقف "بورقيبة" من مقومات الهوية مجسدة في العروبة والإسلام وكافة أطر الانتماءات وما ارتبط بها من مؤسسات قد تحدد في ظل ذلك الصراع الذي تراوح بين أشكال سلمية وأخرى عنيفة . لقد جعل "بورقيبة " من التحديث شعاره المبجل في بناء الدولة وفي ظل ذلك عمل على طمس والتخلص من كافة العلاقات والروابط التقليدية العائلية والعشائرية والقبلية والدينية فألغى المحاكم الشرعية وأوقف التعليم بالجامع الأعظم وحل الأوقاف وأصدر مجلة الأحوال الشخصية التي تمنع تعدد الزوجات وحول مقرات الزوايا والطرق الصوفية إلى مراكز للحزب الدستوري وعمم التعليم الفرنكو-عربي ...إلخ [18]. ولم ينحصر الموقف البورقيبي من مقومي الهوية الرئيسيين في تلك الإجراءات المتخذة مباشرة بعد توليه السلطة في بداية النصف الثاني من خمسينات القرن الماضي وإنما تبعتها سلسلة من الممارسات والسياسات التي مكنت من فهم تلك الرؤية على وجه الدقة .
ففيما يتعلق بالعروبة فإن "بورقيبة" من ذلك قد اتسم بنوع من الازدواجية ، فهو لا يتوانى في الاعتراف بانتماء تونس للأمة العربية كما جاء في خطابه يوم 13 ديسمبر 1963 إذا ما اقتضت ذلك الضرورة البروتوكولية والسياسية في علاقته بزملائه من الحكام العرب ، حتى أنه تحول في بعض الأحيان إلى داعية للوحدة العربية إنها "هدف نصبو إليه جميعا وضرورة في عصر التكتلات وهي وسيلة لرد الأطماع والصمود تجاه الضغوط الخارجية" [19]. وفي مقابل ذلك فإن بورقيبة هو صاحب المقولة الشهيرة " إن ما يربطنا بالعرب ليس إلا من قبيل الذكريات التاريخية وأن مصلحة تونس أن ترتبط بالغرب وبفرنسا بصورة أخص وأن مرسيليا أقرب لنا من بغداد ودمشق والقاهرة وأن اجتياز البحر الأبيض المتوسط لأسهل من اجتياز الصحراء الليبية"[20]. ويرى "بورقيبة" في الانتماء إلى تونس هوية قائمة بذاتها وهو ما يعكسه قوله " الوطن التونسي لا الوطن العربي لأن تونس لها شخصيتها منذ آلاف السنين ، منذ عهد قرطاج أما العرب فيشكلون عدة أمم وهو ما يؤكد انقسامهم إلى عدة دول " [21]. كما ينعكس موقف "بورقيبة" من خلال آرائه ومواقفه المتعلقة باللغة العربية ومن خلال تبجيله للعامية فقد جاء في خطابه في 29 جويلية 1968 بالمنستير " أن اللغة التي يتكلمها الشعب ويفهمها كل تونسي مهما كان نصيبه من الثقافة ومهما كانت الجهة التي ينتمي إليها ومهما تباينت الجهات ليست الفصحى بل العامية لذلك من حق الأدب الشعبي والشعر الشعبي أن يحتلا مكانهما عند الشعب وأن يكونا هما أدبه وشعره ".إن هذا الموقف لا يقود إلى الازدواجية اللغوية فقط وإنما يضع اللغة العربية التي كان بورقيبة يحتقرها موضع الدونية فهي تأتي في المرتبة الثالثة بعد الفرنسية والعامية التونسية . وقد إنعكس هذا التوجه على اختيارات "بورقيبة" من المسؤولين السياسيين في المناصب العليا في هرم الدولة الذين كثيرا ما يقع اختيارهم من خريجي الصادقية وفي أقصى الحالات من ذوي التكوين اللغوي المزدوج في حين تم إقصاء خريجي الزيتونة* من تولي تلك المناصب ، وهو ما أعتبر بمثابة الإقصاء لذوي التكوين اللغوي الزيتوني – العربي ، وهذا الإقصاء تغذيه النزعة التحقيرية للغة العربية ليس من طرف "بورقيبة" فحسب وإنما من طرف الكثير من أعضاده ورجال دولته من ذوي التكوين الفرنكفوني [22].
لم يكن موقف "بورقيبة " من الإسلام مختلفا عن ذلك فقد خضع بدوره للازدواجية . فإذا نضرنا إلى الفترة التاريخية الممتدة من سنة 1934 إلى سنة 1956 سنلاحظ أن "بورقيبة" لم يصادم الإسلام ولو لمرة واحدة بل كان يوظف الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في نشاطه السياسي وهو نفس الاتجاه الذي كان يعتنقه في كثير من المناسبات الدينية مثل المولد النبوي الشريف وأثناء زيارة أحد قادة الدول الإسلامية إلى تونس . فأثناء استقباله للملك فيصل عاهل المملكة العربية السعودية بتونس سنة 1966 صرح قائلا بأن الأساس الذي قامت عليه الدولة التونسية بعد استقلالها هو الإسلام . إلا أن تلك التصريحات كانت تنم على رؤية برغماتية كثيرا ما حكمت السلوك السياسي "لبورقيبة" خاصة عندما يعلم دارس التجربة السياسية البورقيبية هو صاحب المواقف التالية :
-       وصف الصلاة بأنها "زقزقة مياه" وإنزال الرأس للأرض ويكون المصلي "يكب ويقعد"
-   الدعوة إلى التخلي عن الحج لما ينتج عن ذلك من نزيف للعملة وتعويضه بالحج إلى مقام الصحابي أبي زمعة البلوي بالقيروان
-   فتح باب الاجتهاد لكل إنسان له "فكر حر ومادة شخمة" فيقبل من الإسلام ما يراه صالحا ويترك ما لا يراه دون حاجة إلى المعرفة الدينية وإلمام بالنصوص ومصادر التشريع التي تحتل المرتبة الأكثر أهمية من الاجتهاد مثل القرآن والسنة حتى أنه دعا إلى تغيير قانون الإرث في هذا الإطار وقد جاء في قوله " فهل يكون من المنطق في شيء أن ترث الشقيقة نصف ما يرثه شقيقها (...) فعلينا أن نتوخى طريق الاجتهاد في تحليلنا لهذه المسألة وأن نبادر بتطوير الأحكام التشريعية بحسب ما يقتضيه تطور المجتمع وقد سبق لنا أن حجرنا تعدد الزوجات بالاجتهاد في مفهوم الآية الكريمة ...إلخ "[23].
-   التطاول على الأنبياء والرسل مثل النبي إبراهيم بقوله "طلعت البوخارية في رأسه"فنام نوما رأى فيه أحلامه ، والنبي محمد (ص) الذي يعتبر نفسه متفوقا عليه هذا علاوة على اقتران اسمه معه في أناشيد إسلامية .[24]
-   التشكيك في القصص القرآني فهو القائل "مثل قصة عصا موسى التي ألقى بها بها فإذا هي حية تسعى وقد كان الإيمان بأن الحية يمكن أن تخرج من الجماد سائدا في أروبا أيضا ولكنه انقرض تماما منذ عهد باستور ، ومن هذه الأساطير التي ظلت موضع إيمان الناس في البلاد العربية دهرا قصة أهل الكهف الذين لبثوا رقودا مئات السنين ثم انبعثت فيهم الحياة "[25].
لا شك أن المتأمل في هذه المواقف وغيرها المتعلقة بالدين عامة والإسلام على وجه الخصوص يصدم بحقائق مثيرة وغريبة في نفس الوقت فالرجل لا يؤمن بالديانات بمعناها التقليدي ويعتبرها مجرد اختلاقات بشرية ومن ثمة فالرسل عنده ليسوا بمبعوثين من الله كما يدعون بل هم قوم ساعدتهم قدراتهم الشخصية وظروفهم الاجتماعية على حمل الرسالة [26].
إن موقف "بورقيبة " من العروبة والإسلام ومن أشكال الانتماء التقليدية بصورة عامة وعلاقات التواصل والقطيعة التي أفرزها هذا الموقف هي امتداد لجدل وصراع عرفته النخبة التونسية منذ أواسط القرن التاسع عشر واستمر طيلة الفترة الاستعمارية وما تلاها من نشأة الدولة الوطنية الحديثة مع منتصف القرن العشرين ، فحوى هذا الجدل والصراع هو كيفية التعامل مع النموذج التحديثي الغربي . ففي حين إرتئى رواد الإصلاح الأوائل أمثال "خير الدين " و"ابن أبي الضياف" و"الثعالبي" ضرورة الاستفادة من المدنية الغربية الحديثة دون أن يؤثر ذلك على مقومات الانتماء والهوية ضمن معادلة مثلى تحتفظ بالتراث العربي الإسلامي وتقتبس من الغرب في آن معا ما تحتاجه من إنتاج التقانة المعاصرة [27]. في الوقت نفسه كانت بعض المعاهد أمثال المعهد الصادقي ومعهد كارنو وغيره وكذلك بعض الجامعات الفرنسية تدفع بالخرجين الذين سيتولون قيادة الحركة الوطنية والدولة الحديثة ومؤسساتها ممن يرغبون في فك الارتباط مع الهوية الوطنية بمضامينها الرئيسية المجسدة في العروبة والإسلام .
 الهوية في الإصلاحات التربوية
1 - الإصلاح التربوي لسنة 1958 :
لقد مهد " بورقيبة "في خطاب حفل اختتام السنة الدراسية سنة 1957 – 1958 في 25 جوان من تلك السنة الذي ألقاه بالمدرسة الصادقية إلى أن المنظومة التربوية في تونس قادمة على عملية إصلاح وتغيير مشيرا إلى "أن الاستعمار يرمي في برامجه إلى استعباد العقول ليضمن لنفسه الدوام إلى ما لا نهاية " و" إلى أن مشكلة التعليم أخذت مركزها في الطليعة لما لها من أهمية في بناء الدولة وتدعيم النظام الجمهوري " .[28] تميز النظام التربوي بوضوح أهدافه منذ تأسيس الدولة الحديثة ، هذه الأهداف التي ترسم رؤية واضحة لطبيعة المجتمع المنشود ككل . لقد تأكد ذلك على لسان أحد كبار الدولة في تصريح له في جريدة الإعلان جاء فيه " كان علينا أن نختار بين وضع تعليم متأقلم مع مختلف الجهات وبين تعليم موحد واخترنا الطريقة الثانية ، مبدئيا قد نعيب هذه البيداغوجيا ولكننا نهدف إلى توحيد التونسيين ، بعد عشرين عاما نجد شبابا متمتعا بنفس التكوين وبنفس الأيديولوجيا والهيكلية الذهنية"[29]. تلك هي الخلفية التي حكمت مشروع إصلاح التعليم لسنة 1958 وهو المشروع الذي حمل معه اسم الأديب "محمود المسعدي" ولكنه كان تغطية لمشروع آخر أعده الخبير الفرنسي "جان دوبياس Jean Debiesse[30].
لقد لخص "المسعدي" الذي كان يشتغل آنذاك في خطة كاتب دولة للتربية الخطوط الرئيسية لذلك الإصلاح في النقاط التالية:
-       توحيد التعليم
-       إكساب التعليم صبغة قومية
-       جعله متلائما مع واقعنا وحاجياتنا مسايرا لتطور العالم الحديث
-       نشره أفقيا وعموديا [31]
 والذي أنطلق العمل به مع مطلع شهر أكتوبر من سنة 1958 . لقد أشار المشروع في جزئه الأول الحامل لعنوان المبادئ العامة ، في فصله الثاني إلى أن أبواب التربية والتعليم مفتوحة في وجوه جميع الأطفال ابتداءًا من سن السادسة " . كما يؤكد نفس الفصل على "إجبارية التعليم من السادسة إلى سن الثانية عشر من العمر"[32].
ولعل تحديد سن التعليم وإجبار يته يمثل إطارا ضروريا لإنتاج السمات العامة والمشتركة "للشخصية التونسية" ، الشخصية التي أشار المشروع في فصله الأول من نفس الباب إلى "تزكيتها وتنمية مواهبها عند جميع الأطفال ذكورا وإناثا بدون أي تمييز بينهم لاعتبار جنسي أو ديني أو اجتماعي "، وذلك قصد "المساعدة على تنمية الثقافة القومية وتحقيق ازدهارها "[33]. إن المتأمل في فصول وأبواب مشروع إصلاح سنة 1958 يلاحظ ما تميزت به أبوابه من عمومية إذا ما استثنينا الفصل 53 من الباب الثاني من العنوان الرابع المتعلق بشروط سير المعاهد الحرة حيث يشير هذا الفصل إلى ما يلي " تشتمل برامج معاهد التعليم الحر وجوبا على تعليم اللغة والآداب العربية وتاريخ البلاد التونسية والمغرب العربي وجغرافيتها ...إلخ" [34]. إن ما يميز هذا المشروع هو بروزه مباشرة بعد الفترة الاستعمارية وما يعنيه ذلك من ضرورة القطع مع " التعدد التعليمي والتربوي" الذي تميزت به تلك الفترة هذا التعدد الذي عبرت عنه الكتاتيب القرآنية والتعليم الزيتوني كنموذج تقليدي وصف بأنه " قعد عن مجاراة الزمن وظلت الصبغة الدينية التي يصطبغ بها وسيلة لإبقاء ما كان على ما كان ودخل طلبته في صراع مرير من أجل إصلاح البرامج وتغيير الأمكنة والأسلوب وعمد الاستعمار لإجراء إصلاحات مموهة ولم يعمد للإصلاح الحقيقي بل حرك المؤامرات لتأليب الطلبة على الشيوخ ولاستخدام المصالح الخاصة للقضاء على المصالح الحقيقية المتمشية مع مقتضيات العصر"[35] ، والمدرسة الفرنسية- العربية والتعليم الصادقي وغيره كنموذج كثيرا ما وصف بالحداثي رغم طبيعته الاستعمارية و حداثته هي التي جعلت من خريجي الصادقية يفكرون بطريقة عصرية رغم قلتهم ومن ثمة يشذون عن بقية خريجي المدرسة الاستعمارية التي كانت ترمي إلى "فرنسة العقول بإخضاع التلميذ التونسي إلى نفس البرامج والقوانين التي يخضع لها التلميذ الفرنسي "[36]. لقد كانت الغاية من مشروع إصلاح سنة 1958 هي إرساء نموذج موحد يؤسس لهوية جديدة هي "الهوية التونسية"عن طريق إرساء ما سماه المشروع "بالثقافة القومية" التونسية ، خاصة وأنه يستبطن الصراع العنيف والحاد الذي عرفته تونس طيلة فترة الخمسينات من القرن الماضي والذي وصل أوجه في نهاية تلك العشرية بين التيار البورقيبي من ناحية وكل من التيار اليوسفي والتيار الزيتوني الذي كان يمثله آنذاك شيوخ الجامع الأعظم ولجنة صوت الطالب الزيتوني أقوى فصائل الحركة الطلابية الزيتونية التي أعلنت انحيازها "لصالح بن يوسف" وجماعة الأمانة العامة من ناحية ثانية .فبقدر ما أكد ذلك المشروع على أن يكون التعليم لجميع الأطفال الذين هم في السن القانونية بالقدر نفسه لم يحدد ملامح الهوية التي يروج لها ، ولكن مهندسيه كانوا يدركون أنها الهوية التونسية بدل الهوية العربية الإسلامية . فبالرغم من إعلان " بورقيبة" في أحد خطاباته أن " التعليم بالمدارس الثانوية سيكون متجها إلى التعريب واستعمال اللغة العربية حيث تكون لغة التدريس لجميع المواد إلا إذا اقتضت الضرورة والظروف لأجل مؤقت استعمال اللغة الفرنسية للاستفادة من الإمكانيات التي بأيدينا ريثما تعد المدارس التكوينية الإطارات الضرورية للتعليم باللغة العربية في جميع المواد" ،فإن تعريب التعليم التونسي طبقا لمشروع إصلاح 1958 قد بدأ محدودا لينتهي إلى الفرنسة الكاملة أو شبه الكاملة بعد فترة وجيزة بما يعنيه ذلك من استغلال لتلك المسألة في الدعاية السياسية ودغدغة مشاعر شعب مازال لتوه يتألم من سياسة المسخ والتشويه التي استهدفت شخصيته الوطنية . فقد ورد في تطبيقات ذلك المشروع ما يلي :
       -   السنة الأولى صنف "أ" وهو الصنف القار في التحوير الجديد للتعليم الثانوي وستدرس فيه كل المواد باللغة العربية وهو الصنف الذي يعوض الشعبة الزيتونية العصرية[37] .
-   السنة الأولى صنف "ب" وهو صنف انتقالي يكون التعليم فيه باللغتين العربية والفرنسية التي تكون لغة التدريس يعوض هذا الصنف ما كان من شعب صادقية وعصرية وفنية بتونس .
-   السنة الأولى صنف "ج" وهو انتقالي تدرس فيه كل المواد باللغة الفرنسية وتعتبر العربية لغة حية إجبارية ويقوم هذا الصنف مقام ما كان يسمى بالشعب العصرية والفنية العادية [38].
وطبقا لهذا التوجه من المفترض أن يتجه التعليم التونسي تدريجيا نحو التعريب إلا أن عكس ذلك هو الذي حصل وتكفي الإشارة إلى أنه وبعد عشر سنوات من التجربة سنجد أن التعليم الابتدائي سيبقى مجمدا وغير معرب في مكانه في السنة الثانية .كما لم تتسع الشعبة "أ" بحيث لم يزد عدد تلاميذها سنة 1967 عن 4500 تلميذا من جملة 70000 ألف تلميذاً في التعليم الثانوي ، بل تقرر حذفها واكتسحت أقسام الشعبة "ب" المدارس الثانوية المخصصة للشعبة "أ" .بل لقد شنت على تلاميذ تلك الشعبة وعلى خريجها نوع من الحرب النفسية الهادفة إلى إشعارهم بالدونية تفاقمت بعد الأزمة التي فجرها "بورقيبة " أثناء زيارته إلى بلدان المشرق العربي ودعوته إلى الاعتراف بقرار التقسيم وما نتج عنه من توترات بين تونس وبلدان المشرق العربي نجمت عنه إغلاق الحكومة التونسية لباب إرسال الطلبة للدراسة بتلك البلدان وقطع المنح على من أصر على ذلك[39].
2 – الإصلاح التربوي لسنة 1991 :
يبدو أن مشروع الإصلاح التربوي أو ما يعرف بقانون جويلية لسنة 1991[40] الذي صدر بعد مرور أكثر من ثلاثين سنة على صدور أول مشروع للإصلاح التربوي في تونس كان أكثر وضوحا في تعامله مع مسألة الهوية . فقد حدد  المشروع في بابه الأول الذي اشتمل على المبادئ الأساسية على أن الغايات التي يصبو إلى تحقيقها تتنزل في إطار "الهوية الوطنية التونسية " و"الانتماء العربي الإسلامي" ويهدف إلى  :
-   تمكين الناشئة منذ حداثة عهدها بالحياة مما يجب أن تتعلمه حتى يترسخ فيها الوعي بالهوية الوطنية التونسية وينمو لديها الحس المدني والشعور بالانتماء الحضاري وطنيا ومغاربيا وعربيا وإسلاميا ويتدعم عندها التفتح على الحداثة والحضارة الإنسانية
-       تربية الناشئة على الوفاء لتونس والولاء لها
-   إعداد الناشئة لحياة لا مجال فيها لأي شكل من أشكال التفرقة والتمييز على أساس الجنس أو الأصل الاجتماعي أو الدين أو اللون
-   تمكين المتعلمين من إتقان اللغة العربية بصفتها اللغة الوطنية إتقانا يمكنهم من إستعمالها تحصيلا وإنتاجا في مختلف مجالات المعرفة الإنساني منها والطبيعي والتكنولوجي
-   جعل المتعلمين يحذقون لغة أجنبية على الأقل حذقا يمكنهم من الإطلاع المباشر على إنتاج الفكر العلمي –تقنيات ونظريات علمية وقيما حضارية – يؤهلهم لمواكبة تطوره والمساهمة فيه بشكل يكفل إثراء الثقافة الوطنية وتفاعلها مع الثقافة الإنسانية الكونية
-       تمكين المتعلمين من حقهم في بناء شخصيتهم ومساعدتهم على الترشد الذاتي حتى ينشئوا على التسامح والاعتدال [41].
لا شك أن قانون 1991 لإصلاح التعليم قد أدرك أهمية الهوية ودور المؤسسة التربوية في تنمية فكرة الانتماء إلا أن الظرف التاريخي الذي برز فيه القانون كان له كبير الأثر على طبيعته وأهدافه ومحتوياته [42]. لقد ركز المشرع على انتماءات تونس المتعددة العربية والإسلامية والمغاربية وعلى الهوية الوطنية التونسية بالإضافة إلى الانتماء إلى الحضارة الإنسانية مع التنصيص على قيم التفتح على الغير والاعتدال والتسامح وعدم التفرقة والتمييز على أساس الجنس والدين واللون . ولضمان ذلك وقع التأكيد على أهمية حذق اللغات الأجنبية وهو تمش يختلف عما كان سائدا في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين حيث كانت النصوص الرسمية الصادرة عن وزارة التربية القومية تتحدث عن الهوية العربية الإسلامية [43].
وفي شرح مكونات الهوية فإن المناهج الرسمية للتعليم قد أكدت على ما يلي :
-       الاعتزاز بمكونات الهوية الوطنية
-       الوحدة القومية
-       التعلق بتعاليم الإسلام
-       التعلق بوحدة المغرب العربي
-       الانتماء إلى الأسرة العربية
إن هذه الأشكال من الانتماء تحيل بدورها إلى نوع من العمومية والضبابية فالمشرع لم يحدد مكونات الهوية الوطنية كما أن مفهوم الوحدة القومية بدوره ينتمي إلى ما قبل سنة 1987 وهي الفترة التي أدانها الميثاق الوطني الصادر سنة 1988 والذي يرى أن المجتمع لم يكن متصالحا مع هويته آنذاك . ويكاد نفس الأمر يتكرر مع العناصر الثلاث المتبقية ، فتعاليم الإسلام التي يجب التعلق بها لم  يقع تحديدها هذا علاوة على أن قانون الإصلاح بكامله لم يذكر كلمة واحدة عن الإسلام إذا ما استثنينا كلمة إسلامي التي تتبع الانتماء العربي . أما التعلق بوحدة المغرب العربي فيتم التأكيد عليها باعتبارها "وحدة لا تتجاوز الأقوال من ناحية " ، وقد تشكل انتماء بديلا للانتماء العربي الذي تشير إليه المناهج بـ "الانتماء إلى الأسرة العربية " بدل الانتماء إلى الأمة العربية ذات المقومات الحضارية الواضحة الدلالة .
ولقياس حقيقة الانتماء والهوية في مشروع الإصلاح لسنة 1991 لابد من تقييم موقع تدريس اللغة العربية ، ذلك أن اللغة كثيرا ما تشكل مقياسا لمدى حفظ الهوية بل الحفاظ عليها . فبالرغم من أن المنشور عدد 41 – 91  الصادر عن وزارة التربية والعلوم نصص على ما جاء في قانون إصلاح التعليم لسنة 1991 من أن يكون تدريس كافة المواد العلمية والإنسانية باللغة العربية في كامل مراحل التعليم الأساسي[44]، فإنه من المفارقات أن تقييم موقع اللغة العربية يستدعي ضرورة مقارنتها بموقع اللغة الفرنسية في المنظومة التربوية في تونس حيث يمكن التأمل في النصوص التطبيقية لقانون جويلية(يوليو) لسنة 1991 وخاصة في باب توزيع الحصص والضوارب* أين يبرز ارتفاع نسبة الحصص المخصصة للفرنسية وضواربها في الابتدائي والثانوي . تغطي الفرنسية 41 ساعة وتصل العربية إلى 57 ساعة بفارق يساوي 16 ساعة . وتحظى الفرنسية بخمس ساعات في  كل سنة من سنوات التعليم الأساسي وهو نفس الزمن المخصص للغة العربية مع أن الأولى لغة أجنبية والثانية هي الوطنية بتنصيص من دستور البلاد. في السنتين الأولى والثانية من التعليم الثانوي تدرس العربية على امتداد أربع ساعات ونصف في حين أن الفرنسية تحظى بثلاثة ساعات ونصف لكل سنة بالإضافة إلى ثلاث ساعات مخصصة للغة الأنجليزية وبذلك يكون ما تحظى به اللغات الأجنبية ست ساعات ونصف مقابل ثلاث ساعات ونصف للغة العربية ويضاف إلى ذلك زمن المواد العلمية والتقنية التي تدرس بدورها بالفرنسية وهي مواد تمسح عشر ساعات ونصف من التدريس . أما في السنوات الثالثة والرابعة ثانوي فإن الزمن المخصص للفرنسية يساوي ما هو مخصص للعربية في كافة الشعب مع فارق طفيف في شعبة الآداب مع سبق الفرنسية في الشعب العلمية والتقنية مقارنة بالمواد الأدبية والتي تصل إلى 10 ساعات مما يجعل وقت الفرنسية كمادة ولغة تدريس تتراوح بين 17 و24 ساعة أسبوعيا ، ذلك أن الفرنسية تلازم دراسة التلميذ في مختلف الشعب بينما تقتصر العربية على بعض المواد التي لا توجد في كل الشعب والتي تمثل موادا اختيارية مثل الفلسفة والتفكير الإسلامي والتاريخ والجغرافيا والتربية المدنية[45]
إن الاستنتاج الرئيسي من قراءة جداول الساعات والضوارب المخصصة للغة الفرنسية في علاقتها باللغة العربية إحدى أبرز مقومات الهوية الوطنية ينتهي بنا إلى الإقرار بأن ما جاء في باب المبادئ الأساسية من قانون جويلية(يوليو) 1991 فيما يتعلق بترسيخ الوعي بالهوية الوطنية التونسية والانتماء الحضاري العربي الإسلامي وتربية الناشئة على الوفاء لتونس هو من قبيل التظليل التاريخي لأن الشخصية التي ينتجها النظام التربوي بخصائصه المحددة سلفا هي شخصية لا تستطيع الاعتزاز بلغتها الوطنية وبالانتماء إلى الحقل الثقافي الذي تنتجه تلك اللغة . ذلك أن أبسط ما سينتهي إليه خريج ذلك النظام التربوي هو أن اللغة العربية لا تستطيع أن تكون لغة العلم والتعلم وبالتالي فهي لغة قاصرة وأن البديل تجسده اللغة الفرنسية ، وبما أن اللغة تشكل إطارا ثقافيا لنموذج مجتمعي بأكمله فإن خريج المدرسة التونسية سيجد في المجتمع الفرنسي وفي الثقافة الفرنسية البديل بل المطمح الذي يرى فيه التونسي حلا لكافة مشاكله خاصة وأن النسبة الغالبة من الشباب الذين تلفظهم المؤسسة التربوية التونسية في مختلف مراحلها يجدون في الهجرة إلى فرنسا خير ملاذ بعد أن يدفعوا من حياتهم ضريبة الهجرة السرية للبعض وضريبة الكرامة للبعض الآخر الذي استطاع الدخول إلى الأراضي الفرنسية والاستقرار بها مؤقتا أو نهائيا .
ولعلنا لا نفهم التناقض بين ما يعلنه النظام التربوي في تشديده على الهوية والانتماء وما يستبطنه من تحريض ضد هذا الانتماء وخلق نوع من الازدواجية إلا من خلال التمعن في تطبيقات تلك المبادئ العامة في مستوى البرامج التربوية وفي  أفكار وخلفيات مهندس ذلك المشروع الوزير السابق "محمد الشرفي" . بعد ذلك بست سنوات حين انتهى إلى أن "العالم العربي يحتوي أمماً لكل أمة أنانيتها الخاصة " وأن مشروع الوحدة العربية هو مشروع يعسر إنجازه في الوقت الراهن فليس للمدرسة أن تدعو له أو أن تقف ضده .. وأن الفتح الإسلامي يعرض على الدارسين عرضا تمجيديا وجدانيا فهو لا يقدم بصفته حدثا تاريخيا بل هو الفتح المبين بانتصار المسلمين على الكفار ... وأن الطفل يربى عند التخرج على روح القومية العربية الإسلامية ليعيش عند التخرج من المدرسة واقع الوطن التونسي .. وهو ما يشكل عاملا من عوامل انفصام الشخصية، هذا الانفصام الذي لا يمكن تجاوزه إلا باسترجاع التلميذ التونسي ماضيه وأن "يوطن" تاريخه ويستعيد امتلاك مجد قرطاج وجلالة حضارة تونس خلال القرون الأولى من الميلاد[46] .

 تمثلات الهوية وقياساتها لدى الشباب الطلابي:

 إن قياس الهوية أمرا يبدو مستعصيا في بلد يعيش نوعا من الازدواجية الثقافية مردها ثلاثة أرباع القرن من الهيمنة الاستعمارية المباشرة يضاف إليها ما يزيد عن نصف القرن أي منذ توقيع اتفاقية الاستقلال وإعلان الدولة الوطنية في منتصف خمسينات القرن الماضي من تبني سياسة "تحديثية" نموذجها غربي صرف شملت مختلف المجالات لتتجسد اقتصادا في نمطين من التنمية الأول تعاضدي – اشتراكي وآخر ليبرالي ، وسياسة في نظام جمهوري على أنقاض الملكية يعتمد البرلمان والدستور والأحزاب والانتخابات وتعليمي يعطي مكانة متميزة للمدرسة الفرنكو- عربية والتعليم الثانوي والعالي على الشكل الأوروبي وذلك على أنقاض نموذج الكتاتيب والتعليم الزيتوني فهل تمكنت تلك الأنظمة المحدثة وخاصة المتعلق منها بمجال التعليم الذي أسهبنا فيه القول من تغيير الهوية العربية الإسلامية للشباب في تونس وإبدالها بهوية تونسية ذات مضامين مغايرة استجابة لطموحات  بعض النخب[47] ؟
 - الموقف من الآخر : لقياس موقف الشباب الطلابي المدرسي والثانوي سنستنجد بنتائج دراسة ميدانية أجريت سنة 1988 على 1618 مستجوب يمسحون ست عشرة  مؤسسة تعليمية ابتدائية وثانوية ومهنية منتشرة بالجمهورية التونسية[48] . فتاريخ الدراسة له دلالة باعتبار أن أولئك الطلبة هم خاتمة العنقود من المنتمين إلى المدرسة التي أنتجها الإصلاح التربوي الأول الذي عرفته تونس سنة 1958 والعامل على إبراز "الشخصية القومية التونسية " لدى الأطفال والشباب والمتمايزة مع الهوية العربية الإسلامية . فبعد ذلك بثلاث سنوات أي سنة 1991 فقط سيعلن عن نهاية ذلك المشروع ليحل بدله الإصلاح الجديد . كما أن استجواب ذلك العدد من طلبة المدارس والثانويات سيعطي صورة واضحة عن الوعي المنتشر بالمؤسسة التعليمية التونسية حول الموقف من الآخر. لقد تفحصت تلك الدراسة اتجاهات الشباب في تونس كما يعكسها استحسانهم أو عدم استحسانهم للبلدان الأخرى[49] . لقد انتهت تلك الدراسة الميدانية إلى أن المملكة العربية السعودية تحتل المرتبة الأولى لدى الطلاب في معظم المراحل التعليمية ومن ذوي التراتبات المختلفة . والسبب يكاد يكون معروفا فالسعودية ترمز لمقدسات الإسلام دين الغالبية العظمى في تونس . وتأتي في المرتبة الثانية فلسطين التي ترمز إلى قدسية تكاد تضاهي القدسية الدينية فهي بالإضافة أولى القبلتين وثالث الحرمين ومسرى الرسول (ص) فهي الأرض السليبة التي تتحمل الأجيال من الشباب العربي منذ نهاية الأربعينات من القرن المنصرم مسؤولية استردادها من مغتصبيها ولعل ذلك ما يفسر مشاركة الشباب والشباب الطلابي بوجه خاص في كل الأفعال الاحتجاجية المتعلقة بالقضية الفلسطينية مثل حرب 1967 التي شهدت حرق الطلاب للسفارة البريطانية في تونس أو التطوع للقتال في حصار بيروت سنة 1982 ودعم مختلف الانتفاضات الفلسطينية منذ سنة 1987 ..الخ .ويؤكد صدق ذلك القول المرتبة التي وضعت فيها إسرائيل وهي الأخيرة من بين مختلف البلدان ، فهي ليست مجرد بلد غير مرغوب فيه بل هي العدو الأول لكافة العرب وهو ما يستبطنه الشباب الطالبي وإن كان لا يعبر عنه أحيانا . مباشرة بعد السعودية وفلسطين نجد مختلف الدول العربية المشار إليها إذ تحتل مصر مكانة هامة وقد يرجع ذلك إلى التأثير التلفزي على الشباب في تونس ولكن الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للجزائر وليبيا والمغرب حيث لازالت فكرة المغرب العربي تلقى صدى بسبب تضمينها للخطاب السياسي و الإعلامي. كما حظيت سوريا بكثير من التعاطف لدى الشباب الطالبي موضوع الدراسة وخاصة لدى الطالبات اليافعات اللواتي تنتمين إلى مدارس ذات مستوى اجتماعي رفيع وقد يعود ذلك إلى زيارات التبضع أو التجارة التي كانت تقوم بها بعض العائلات إلى تركيا ولكنها كثيرا ما كانت تشمل سوريا . لقد احتلت العراق المرتبة الأخيرة من بين البلدان العربية ويمكن تفسير ذلك بما علق في أذهان ذلك الجيل من الطلاب من تحميل ذلك البلد مسؤولية الحرب العراقية – الإيرانية المدانة في المخيال الشبابي عموما والطلابي على وجه الخصوص . وتحميل المسؤولية للعراق مرده تأثير الحركة الإسلامية متمثلة في حركة الإتجاه الإسلامي على الشباب الطالبي التي كانت يومئذ في أوج قوتها . الأمر الذي جعل ذلك الشباب يتعاطف مع "الثورة الإسلامية في إيران" النموذج الذي يجب أن يحتذى . ولكن الأمر لن يدوم طويلا ستتحول العراق بعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ أي سنة 1991 البلد الأكثر شعبية لدى الشباب التونسي بسبب الحرب التي شنت عليه من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها . لقد كان العراق في المرتبة الأخيرة من بين البلدان العربية الأكثر تعاطفا لدى الشباب التونسي ولكنها تحتل المرتبة الأولى مقارنة ببقية الدول بما يعني الشباب الطلابي في تونس يتماثلون مع العرب أكثر من غيرهم بما في ذلك بعض الدول الإسلامية مثل باكستان التي لا تحتل مكانة هامة في الترتيب وربما يعود ذلك إلى عدم المعرفة بذلك البلد بسبب عدم توفر المعلومات التي تعرف به آنذاك وربما يكون الموقف مختلفا حاليا في ظل تأثير الفضائيات .
لقد بينت تلك المعطيات  بما لا يدع مجالا للشك أن الهوية المنشودة من قبل الإصلاح التربوي لسنة 1958 ليست الهوية التي يتمثلها الشباب الطلابي بعد ثلاثين سنة على إقرار ذلك المشروع وهو ما أعطى المشروعية لوزير التربية الأسبق "محمد الشرفي" مهندس إصلاح سنة 1991 للحديث عن انفصام في شخصية الطفل بسبب تربيته على روح القومية العربية الإسلامية ليعيش عند التخرج على واقع "الوطن التونسي" والتونسة ، كما أسلفنا . فهو على حد تعبيره غير معتز بتلك التونسة وقد جاء هو (أي الوزير الشرفي) ليصالح التونسي مع تاريخه [50]. فهل نجح في ذلك ؟
- الموقف من العروبة والإسلام:
لقد بينت دراسة[51] أجريت بكلية العلوم الإنسانية والاجتماعية الراجعة بالنظر إلى جامعة تونس في فيفري سنة 2004  شملت 78 طالباً من أقسام التاريخ والفلسفة وعلم الاجتماع من الطلبة الذين تلقوا تكوينا في مدرسة الإصلاح التربوي لسنة 1991 ، حول العديد من قضايا الهوية بصورة عامة والموقف من الانتماء العربي الإسلامي تبين أن الشباب الطالبي يعطي أولوية  للإسلام والعروبة . لقد ظهر ذلك الاتجاه جليا من خلال الإجابة على سؤال هام تضمنه الاستبيان الموجه للمستجوبين هو الآتي "هل لك أن تحدد الرتبة من 1إلى 5 عناصر اللغة والدين والدولة والأرض والعرق ". لقد أخذ الدين المرتبة الأكثر أهمية لدى أكثر من 51 بالمائة من المستجوبين وتلته اللغة بما يفوق 19 بالمائة وتوزعت بقية النسبة على العناصر المتبقية . ولعل اللافت للانتباه الموقع الذي يحتله الدين الإسلامي واللغة العربية لدى طلبة الإنسانيات المنفتحين على العلوم الإنسانية وعلى اللغات الغربية ويدرسون من أساتذة الكثير منهم درس بفرنسا سواء إبان الحقبة الاستعمارية أو مع مجيء الاستقلال ولا يخفون ميولاتهم الفرنكفونية فهم الأقدر على التأثير في الوعي الطالبي بعد أن مهدت لهم الأرضية الإصلاحات التربوية التي عرفتها البلاد لاسيما إصلاح "الوزير الشرفي" الذي أعلن عن غاياته التي من أبرزها إعادة الناشئة إلى طريق التونسة بدلاً عن العروبة والإسلام . إن دلالة إعطاء الأولوية للإسلام والعروبة في إجابات العينة المدروسة لا يمثل تحديا لمشروع إصلاح التعليم لسنة 1991 وإنما يعيد المسألة إلى مراتبها الأولى: أن لا أولوية خارج الإسلام والعروبة ويتجلى ذلك من خلال ترتيب الدولة في مرتبة بعد هذين العنصرين والدولة ليست مجرد إطار قانوني خالي من أي مضمون وإنما هي رمز للتونسة وللوطن كما تأسست بعد الاستعمار في حين يرمز الإسلام والعروبة إلى عناصر من المفترض أنهما ينتميان إلى ما قبل الحداثة كما بشرت بها تلك الدولة . إن الهوية التونسية كما بينتها تلك الدراسة لا معنى لها خارج مقومي اللغة والدين [52]. ولكن يمكن الاحتجاج على مثل تلك النتائج واعتبارها غير ممثلة خاصة أن المؤسسات الجامعية الغالبة هي ذات صبغة علمية وتقنية . وهو سؤال على درجة من المشروعية وإن كنا لا نملك مسوحات دقيقة حول وعي الطلاب بمسألة الهوية فإن المتعارف عليه أن مثل تلك الكليات كانت معقلا للتيارات الدينية وخاصة حركة النهضة الإسلامية قبل المواجهة التي تمت بينها وبين السلطة سنة 1991 .وبصفة ثانوية لبعض التيارات أما التيارات الطلابية اليسارية فقد كانت أكثر انتشارا في مؤسسات الآداب والإنسانيات ، في حين تتوزع التيارات العروبية الناصرية والبعثية بين الصنفين . كما يظهر مؤشر نتائج ممثلي الطلبة في المجالس العلمية صحة ذلك القول [53]
-بعض قضايا الهوية لدى الشباب الطالبي :  
لقد عرفت قضايا الهوية إعادة تشكل من فترة تاريخية إلى أخرى .فمن خلال تفحص الدراسات والأعمال التي تولت بالبحث تجربة الاتحاد العام لطلبة تونس[54] وهو المنظمة النقابية التي تأسست سنة 1953 بباريس في أوج الفعل الوطني المعادي للاستعمار الفرنسي ، والتي شاركت في بناء الدولة الوطنية الحديثة بالموقف وبالكادر التي تحتاجه تلك الدولة والحزب الدستوري الحاكم طيلة  الستينات والسبعينات . فإن قضايا الهوية لم تكن لتخرج عن ذلك السياق التاريخي حيث تمحورت حول القضايا الوطنية التونسية مثل قضية الاستقلال وبناء الدولة وتحديد موقف تجاه النظام الملكي بالحفاظ عليه أو بتغييره بنظام جمهوري وهو ما وقع اختياره سنة 1957 وفصل القول في دستور البلاد الذي سيقع إعلانه سنة 1959 بالإضافة إلى تحديد موقف إصلاح التعليم لسنة 1958 الذي شكل جزءا من هذه الدراسة وهي قضايا شهدت جدلا حادا في الوسط الطلابي لتلك الفترة وقد ساهم الطلاب في تحديد الموقف منها عن المنظمة الطلابية المذكورة التي كانت تشكل جزءا من "المنظمات القومية" للحزب الدستوري الحاكم وتحظى بالتبجيل من قبل مؤسسات الدولة فكانت قضايا الهوية  لدى طلاب الجامعات لا تختلف كثيرا مع رؤية الدولة لها إذ تحتل المسائل الوطنية الدرجة الأولى ثم تليها المسائل المغاربية . أما القضايا العربية والإسلامية فلا مكان لها في ذلك الخطاب بسبب توتر العلاقة بين "بورقيبة" رئيس الدولة وأنظمة المشرق العربي وخاصة النظام الناصري في مصر بسبب كثير من العوامل أبرزها الموقف من القضية الفلسطينية بعد زيارة "بورقيبة" لأريحا ودعوته العرب القبول بقرار التقسيم . وبالتوازي مع ذلك كانت المنظمة الطلابية تشهد عملية تزايد الطلاب اليساريين والقوميين العرب طيلة عشرية الستينات مما مكنهم من السيطرة الكاملة عليها على حساب طلبة الحزب الحاكم في مؤتمرها الثامن عشر سنة 1971 وهو ما سيؤدي إلى تعليق عملها منذ ذلك التاريخ إلى نهاية الفترة البورقبية سنة 1987 ولم تستأنف نشاطها إلا سنة 1988 .وبداية من ذلك التاريخ سيتغير فهم الشباب الطلابي لقضايا الهوية وسيختلف جذريا عما كان سائدا فالهوية الوطنية التونسية ستتحول إلى نوع من الولاء للسلطة السياسية التي كثيراً ما اتهمتها المنظمة النقابية الطلابية وكذلك التيارات الطلابية التي توزعت على اليسار والإسلاميين والقوميين العرب ، بالخيانة ولم تعد لتلك السلطة وكذلك طلبة الحزب الحاكم مكانة داخل أروقة الجامعة وبات أحد أبرز شعارات حركة الاحتجاج الطلابي " الحركة الطلابية في قطيعة تنظيمية وسياسية مع السلطة "، وهو شعار وقع إنتاجه إبان فترة تعليق عمل المنظمة النقابية الطلابية ولكن صداه استمر بعد تلك الفترة [55]. لقد تحولت قضايا الهوية لاسيما القضية الفلسطينية إلى الموقع الأهم في الخطاب الطلابي بعد أن كان الأكثر تهميشا حتى أن المؤتمر الثامن عشر الخارق للعادة الذي استأنفت بواسطته المنظمة الطلابية نشاطها سنة 1988 خصص للقضية الفلسطينية لائحة خاصة بها بعد أن كانت كافة المؤتمرات السابقة لا تأخذ تلك المسألة في الحسبان . جاء في تلك اللائحة "إن الجماهير الطلابية المنضوية تحت لواء الاتحاد العام لطلبة تونس باعتبارها جزءا من الشبيبة العربية والعالمية المناهضة للإمبريالية والرجعية والصهيونية ، وباعتبار أهمية الثورة الفلسطينية على المستوى القومي والعالمي فإن المؤتمر 18 الخارق للعادة يقف إلى جانب نضالات الطلبة الفلسطينيين داخل الأراضي المحتلة وخارجها .ويسجل باعتزاز تصاعد الانتفاضة ويثمن صمود شعبنا في الأراضي المحتلة ...الخ"[56]. لقد استمر اهتمام الطلاب بالقضية الفلسطينية على أوجه منذ نهاية السبعينات فكثير ما كانت الجامعة التونسية وكذلك المؤسسات التربوية الأخرى مواقفاً وأفعالا احتجاجية أو تضامنية في مناسبات عدة تتعلق بالقضية الفلسطينية مثل التحركات التي تزامنت مع الانتفاضتين الفلسطينيتين سنة 1987 وسنة2000 أو إحياء ذكرى الثورة الفلسطينية في مطلع كل سنة أو إحياء ذكرى يوم الأرض الفلسطيني . ولا يختلف الأمر عن موقف الطلاب من المسألة العراقية سواء إبان حرب 1991 أو عند غزوه واحتلاله سنة 2003 فكثيرا ما كانت تتحول المهرجانات الخطابية التي تشهدها أروقة الجامعات إلى مظاهرات في الشارع تندد بأمريكا وإسرائيل .
- خاتمة :
    تضمن هذا المقال محاولة فهم لظاهرة الهوية في تونس وفق ما صمم لها من مضامين ومحتويات من قبل القائمين على الدولة من نخب سياسية وفكرية . وقد كان المدخل الأفضل لبناء ما أطلقت عليه تلك النخب "الهوية التونسية" هو النظام التربوي أو بتعبير آخر المدرسة . لقد انطلقت تلك النخب من مسلمة هي أن تربية النشأ على نمط معين من الانتماء يعني ضرورة تحديد هوية المجتمع لاحقا . لكن الدراسات السوسيولوجية المعاصرة حول التربية بينت أن المدرسة لا تنتج المجتمع وإنما هي مرآة عاكسة  لثقافته وعلاقاته الاجتماعية . لقد انتهى بحثنا إلى أن الهوية التي يقبل بها الشباب الطلابي في مختلف مراحل التعليم هي الهوية العربية الإسلامية أما "التونسة" فلا تزال تعاني أزمة معنى إذا ما أفرغت من مضامينها العربية الإسلامية ، على الرغم من الأموال التي أنفقت والجهود التي خصصت لبلورة ذلك المفهوم وإعطائه الشرعية . لقد كانت أزمة المعنى صارخة طيلة فترة الحكم البورقيبي بين 1957 و1987 .وبعد انتهاء تلك الفترة وإعلان "السياسي" مصالحته مع الهوية العربية الإسلامية لتونس والتوقيع على ذلك في الميثاق الوطني، الوثيقة الثانية بعد الدستور من حيث الأهمية والعلوية بقيت بعض النخب التي تولت مناصب هامة في الدولة تروج لذلك الخطاب القديم للهوية الذي وقعت القطيعة معه بالرغم من تخفيها وراء فكرة المصالحة وهو ما أحدث أزمة هوية جعلت منها موضوع هذه الدراسة .
      

 

[1]  الموسوعة الفلسفية العربية معهد الإنماء العربي ط1 بيروت 1986 ص 116
[2] Enceclopedia universalis corpus 11 France 1990 p 896
[3]  Dictionnaire de la sociologie larousse 1996 p 117
[4]  بركات (حليم) المجتمع العربي في القرن العشرين مركز دراسات الوحدة العربية بيروت2001. ص 62
[5]  نفس المرجع ص 60
[6]  الطبابي (حفيظ) صراع الهوية ، الزيتونة والزيتونيين في معترك النضال الوطني والاجتماعي ضمن أعمال الندوة الدولية الحادية عشر حول الزيتونة : الدين والمجتمع والحركات الوطنية في المغرب العربي منشورات المعهد العالي لتاريخ الحركة الوطنية تونس ص 422  
[7] Dubar ,Claud La socialisation construction des identites sociales et professionnelles A.Colin Paris 1992 p 109 - 112
[8]  نقلا عن بركات ، المجتمع ... مرجع سابق ص 65
[9]  الجابري (محمد عابد) الخطاب العربي المعاصر مركز دراسات الوحدة العربية بيروت ط 4 ، 1992 ص 109
[10]  الدوري (عبد العزيز) حول التطور التاريخي للأمة العربية ضمن القومية العربية في الفكر والممارسة مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 1980 ص 221 – 222
[11] الجابري (محمد عابد) مسألة الهوية العروبة والإسلام والغرب مركز دراسات الوحدة العربية بيروت ط2 جانفي 1997 ص 169.
 *كلمة أيالة تعني كلمة قطر أولاية تابعة للدولة العثمانية التركية 
[12] Demeesrman (Endré)La formulation de l’idée de partie en Tunisie 1837 – 1872 IBLA 2ème-3ème trimestre 1966 p 134
 [13]   ابن عاشور (محمد الفاضل)الحركة الأدبية والفكرية في تونس الدار التونسية للنشر ط3 ، 1983 ص 213 – 214
        جاء في خطاب الشيخ محمد الفاضل بن عاشور في مؤتمر ليلة القدر يوم 23 أوت 1946 ما يلي:" من يومئذ انطبعت الروح الشعبية في تونس بطابع مصوغ من مادة الروح الثقافية للجامعة الزيتونية فهي مادة الرابطة القومية الواسعة والحرص على الالتزام مع الأمم الإسلامية الشرقية وخاصة الأمة العربية فاصبح الإتجاهان السياسي والثقافي يسيران على خطة واحدة هي خطة طلب الذاتية القومية التونسية ومقوماتها في الاندماج في العالم العربي وأصبحت الجامعة العربية باعتبار ناحيتها الثقافية والسياسية الغاية التي يتجه كل عمل فكري واجتماعي في تونس إلى تحقيقها . أنظر نفس المرجع  ص 222
[14]  الطبابي ،صراع ... مرجع سابق ص 427
[15]  نفس المرجع ص 430 – 431
[16] نفس المرجع ص 433
* الباي اصطلاح مغاربي ويعني الباشا وهو الحاكم العثماني.
* الزيتونة مؤسسة تعليمية دينية والصادقية مؤسسة تعليمية عصرية في تونس المستعمرة.
[17]  نفس المرجع ص 434 – 435
[18]  أنظر دراستنا قراءة في علاقة الدولة القطرية العربية بالمجتمع السياسي مقال تونس 1957 – 1987 ضمن الديمقراطية والتنمية الديمقراطية في الوطن العربي مركز دراسات الوحدة العربية بيروت 2004 ص 202
أنظر كذلك تصريح إدريس قيقة أحد وزراء بورقيبة إلى جريدة الإعلان بتاريخ 18 نوفمبر 1982 حيث يستعرض سياسة بورقيبة منذ اعتلائه السلطة سنة 1957 في التعامل مع مختلف مستويات الانتماء التي تميزت بها تونس في نهاية الفترة الاستعمارية
[19]  خطاب بورقيبة بمناسبة زيارة العقيد القذافي إلى تونس
[20] عبد الله (الطاهر) الحركة الوطنية التونسية رؤية شعبية قومية جديدة مكتبة الجماهير بيروت 1976 ص 155
[21]  الحناشي (عبد اللطيف) موقف الحبيب بورقيبة من قضايا الوحدة العربية والمغاربية ضمن أعمال بورقيبة والبورقيبيون وبناء الدولة الوطنية مؤسسة التميمي للبحث العلمي زغوان 2001 ص 88 – 89
 *الزيتونة مؤسسة تعليمية ذات مرجعية عربية إسلامية نشأت في رحم جامع الزيتونة والصادقية مؤسسة تعليمية عصرية تعتمد اللغة الفرنسية في التدريس. 
[22]الذوادي (محمود) في الأسباب والآثار لاغتراب العلاقة بين المجتمع ولغته مجلة العلوم الاجتماعية جامعة الكويت المجلد 33 عدد1 سنة 2005 ص 71
[23] [23]  أنظر خاطاب بورقيبة في تونس بتاريخ 18 مارس 1974 بعنوان الإسلام دين عمل واجتهاد
[24] الهيلة (محمد الحبيب) بورقيبة والإسلام ضمن الحبيب بورقيبة وإنشاء الدولة الوطنية مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات أفريل 2000 ص 183 . أنظر كذلك كريم (مصطفى) تأملات في شخصية بورقيبة نفس المرجع ص 16
[25]  أنظر خاطاب بورقيبة في تونس بتاريخ 18 مارس 1974 بعنوان الإسلام دين عمل واجتهاد
لقد أثار هذا الخطاب للرئيس بورقيبة بما تضمنه من مواقف جدلا واسعا وردود أفعال حادة في أوساط القيادات الدينية الإسلامية من أمثال أبو الحسن الندوي رئيس ندوة العلماء المسلمين بالهند وعبد العزيز بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة وأعضاء رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وهم أبو بكر محمد جومي قاضي قضاة شمال نيجيريا و الدكتور محمد أمين المصري من جامعة الملك عبد العزيز وحسين مخلوف مفتي مصر السابق وقد أصدر الشيخ بن باز فتوى في تكفير الرئيس بورقيبة محددا نقاطا ست وردت في ذلك الخطاب تستوجب الرد من ناحية ودفعت إلى التكفير من ناحية أخرى وهذه النقاط هي على التوالي :
-         أولا : القول بتناقض القرآن
-         ثانيا إنكار قصة عصا موسى وقصة أهل الكهف
-     ثالثا : أن الرسول محمد (ص) كان إنسانا بسيطا يسافر كثيرا عبر الصحراء العربية ويستمع إلى الخرافات البسيطة ، السائدة في ذلك الوقت وقد نقل تلك الخرافات إلى القرآن مثال ذلك عصا موسى وقصة أهل الكهف
-     رابعا : إنكار إعطاء المرأة نصف ما يعطى الذكر في الميراث وزعمه أن ذلك ليس من المنطق وأنه نقص يجب البدار إلى إزالته لأنه لا يناسب تطور المجتمع وذكر أنه ينبغي للحكام أن يطوروا الأحكام حسب تطور المجتمع
-         خامسا : إنكار تعدد النساء وحجر ذلك على الشعب التونسي لأنه لا يناسب تطور المجتمع
-         سادسا : قوله أن المسلمين وصلوا إلى تأليه الرسول محمد فهم دائما يكررون محمدا صلى الله عليه وسلم ، الله يصلي على محمد وهذا تأليه لمحمد .
أنظر نص تلك الفتوى في كتيب من منشورات الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة سنة 1401 هـ للشيخ عبد العزيز بن باز بعنوان حكم الإسلام فيمن زعم أن القرآن متناقض أو مشتمل على بعض الخرافات أو وصف الرسول صلى الله عليه وسلم بما يتضمن تنقصه أو الطعن في رسالته والرد على الرئيس أبي رقيبة فيما نسب إليه من ذلك . 
[26]  الذوادي (محمود) العلاقة بين شخصية بورقيبة وأزمة الهوية في المجتمع التونسي الحديث مجلة دراسات عربية عدد 11/12/32 سبتمبر أكتوبر 1996 ص 116
[27]  سليمان (ميخائل) تونس والعالم موقف الشباب التونسي من البلدان الأخرى ضمن صورة الآخر العربي ناظرا ومنظورا إليه  تحرير الطاهر لبيب مركز دراسات الوحدة العربية ، الجمعية العربية لعلم الاجتماع بيروت 1999 ص 398
[28]  جردة العمل بتاريخ 26/06/1958 ص 3 "حديث فخامة الرئيس الأسبوعي "
[29]  إدريس قيقة تصريح لجريدة الإعلان بتاريخ
[30] Debiesse ;Jean ;Projet de reforme de l’enseignement en Tunisie Janvier 1958
[31] إنبعاثنا التربوي منذ الإستقلال سلسلة إصلاح التعليم والتخطيط التربوي كتابة الدولة للتربية القومية تونس 1963ص 31
[32]  أنظر القانون رقم 118 لسنة 1958 ضمن القانون التوجيهي للتربية والتعليم المدرسي ، القانون عدد 80 / 2002 بتاريخ 23 جويلية 2002 ص 56 – 57
[33]  نفس المرجع والصفحة
[34] نفس المرجع ص 71
[35]  إنبعاثنا التربوي ...مرجع سابق ص 21
[36]  نفس المرجع ص 22 –23
[37]  للإطلاع على تلك التجربة بشيء من التفصيل يمكن الرجوع إلى الزيدي (علي) تاريخ النظام التربوي للشعبة العصرية الزيتونسية 1951 – 1965 منشورات مركز البحوث في علوم المكتبات والمعلومات عدد 16 سنة 1986 وهذا الكتاب هو في الأصل أطروحة دكتوراه مرحلة ثالثة أنجزها المؤلف بإشراف الأستاذ عبد الجليل التميمي بقسم التاريخ بكلية العلوم الإنسانية بتونس سنة 1984
[38] الزيدي (علي) إصلاح التعليم التونسي عام 1958 من التعريب إلى نقيضه ضمن الحبيب بورقيبة وإنشاء الدولة الوطنية قراءات علمية للبورقيبية مؤسسة التميمي للبحث العلمي أفريل 2000 ص 107
     [39]  نفس المرجع ص 109
[40]  جاء في مقدمة الوثيقة الحاملة لنص القانون ومختلف الأوامر والقرارات المكملة لذلك ما يلي :" بعد استشارة موسعة دامت أكثر من سنتين وشاركت فيها العائلات الفكرية والسياسية !!! بالبلاد إلى جانب المنظمات الوطنية والمهنية والاجتماعية وبالطبع أهل المهنة بمختلف مستوياتهم (الابتدائي – الثانوي والعالي) وبعد دراسة معمقة للمشروع الذي تقدمت به الحكومة لتعويض قانون نوفمبر 1958  صادق مجلس النواب في جلسة مشهودة إلتأمت يوم 24 جويلية 1991 على القانون الجديد المتعلق بالنظام التربوي ..إلخ " أنظر المقدمة ص 5 ب Le systeme educatif la loi du 29  juillet et les textes  d application  
[41]  نفس المرجع النسخة العربية منشورة بالرائد الرسمي بتاريخ 6 أوت 1991 ص 9
[42] إن مقارنة بسيطة بين الظرف التاريخي لكل من مشروع الإصلاح لسنة 1958 ومشروع إصلاح سنة 1991 يفضي بنا إلى إقرار تشابه الظرفيات التاريخية ذلك أن الأول قد تأثر بالصراع اليوسفي البورقيبي وجاء محكوما بخلفيات ذلك الصراع من مسألة الهوية أما الثاني فقد تأثر بالصراع بين الحزب الحاكم وحركة النهضة ذات الاتجاه الإسلامي والذي بلغ أوجه عشية صدور ذلك المشروع في شكل قانون سنة 1991
[43]  شبشوب (أحمد) هوية الشباب التونسي بين مستلزمات الحداثة وضرورات الأصالة ضمن اندماج الشباب وقضايا الهوية منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية الرباط سلسلة ندوات ومناظرات رقم 54 الرباط المغرب سنة 1996 ص 55
[44] أنظر نص المنشور عدد 41- 91 الصادر عن وزارة التربية والعلوم بتاريخ 7 – 10 – 1991
* وزن المادة في المعدل التراكمي لمجموع الساعات الدراسية.
[45]  أنظر الأمر عدد 1180 لسنة 1992 المؤرخ في 22 جوان 1992 ، الملاحق 1 و2 و3 ضمن النظام التربوي ... مرجع سابق ص ص 12 – 13 – 16 – 22 – 23 – 26 – 27 -  28 – 29 – 30 و31
أنظر كذلك الشراد (الهادي) عن الفرنسية ضمن رؤى نشرية داخلية للتثقيف العمالي والتكوين النقابي تصدر عن الاتحاد العام التونسي للشغل المكتب المحلي بجرجيس عدد 7 جانفي 2003 ص ص 27 – 33
[46] الشرفي (محمد) الإسلام والحرية دار الجنوب للنشر تونس 2002 ص 228 – 230
[47]  من أبرز من دافع على وجود هوية تونسية بمضامين غير مغاير للعروبة و الإسلام كل من :
-         البالغ (الهادي) الخصوصيات اللغوية والثقافية ضمن الذاتية العربية بين الوحدة والتنوع مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية بتونس 1979
-         البشروش (توفيق) القومية القطرية بتونس قبل الحماية ، ضمن نفس المرجع
-         شاطر (خليفة)بروز الهوية القومية في تونس ، ضمن نفس المرجع
-         التيمومي(الهادي) تونس 1956 – 1987 دار محمد علي الحامي تونس  2006
-         الشرفي ، الإسلام والحرية ...مرجع سابق
-     بن عاشور (عياض) الهوية القومية التونسية ضمن الاستشارة الوطنية حول تونس القرن 21 قراءات إستراتيجية منشورات المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية تونس 1999
-          Sraieb , Noureddine , Elite et societe  l’invention de la Tunisie de l’etat- dynastie a  l’etat – nation moderne in Tunisie au present edition c n rs Paris 1987
[48] نشرت نتائج تلك الدراسة ضمن سليمان ، تونس والعالم ...مرجع سابق ص 397 .
- سنعتمد نتائج تلك الدراسة مع إعادة قراءة وتأويل المعطيات المتوفرة .
[49]  عدد تلك البلدان موضوع الدراسة 22 هي المملكة العربية السعودية ، الإتحاد السوفياتي ، الولايات المتحدة الأمريكية ، إسرائيل ، كندا ،اليونان ، البرازيل ، باكستان ، إسبانيا ،الهند ، الصين ، سويسرا ، جنوب إفريقيا ،فرنسا ، اليابان ، العراق ، فلسطين ، ليبيا ، المغرب ، سوريا ،مصر والجزائر .  
[50]  أنظر حوار مع محمد الشرفي وزير التربية والعلوم بعنوان "معركتي مع الإسلاميين" في مجلة jeune afrique n 1530 /30 avril 1990 p 20
لا شك أن الوزير الشرفي كان محكوما بخلفيته الأيديولوجية في تعامله مع ملف الهوية وتصوراته لمضامين التعليم وأهدافه ، فهو لا يخفي انتماءه الماركسي اليساري باعتباره أحد مؤسسي حركة آفاق اليسارية ولا يجد حرجا في التعبير عن قناعاته المناوئة للعروبة والإسلام واختلافه مع الحركات التي تتبنى تلك الأطروحات ومن ثمة يمكن أن يفهم دفاعه عن التونسة خالية من تلك المضامين .أنظر حوار مع محمد الشرفي في جريدة الموقف بتاريخ 23 مارس 1989 
[51]  المداني (حافظ) تمثلات المجتمع التونسي لرموز هويته الثقافية رسالة لنيل شهادة الماجستير في علم الاجتماع كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية تونس 2004  .
[52] نفس المرجع ص 83 – 84
[53] Marzouk ;Mohsen ; Faces Cachees Des Luttes Etudiantes certeficat d’aptitude a la recherche Universite Tunis I septembre 1990 p 63 –64 
[54]  من تلك الأعمال : - ضيف الله المدرج والكرسي بحوث حول الطلبة التونسيين بين الخمسينات والسبعينات مكتبة علاء الدين صفاقس 2003
Ayachi ; Moktar ; L’union generale des etudiants de Tunisie au cours des années 50/60 Institut supérieur d’histoire du mouvement national Tunis 2003
[55]  مرزوق (محسن) الحركات الاجتماعية في تونس :البحث عن الغائب مقال غير منشور ص 11
[56]  أنظر نص لائحة فلسطين ضمن وثائق ولوائح المؤتمر 18 الخارق للعادة للاتحاد العام لطلبة تونس في مجلة أطروحات عدد 14 سنة 1988 ص 48

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق