الأحد، 2 سبتمبر 2012

د. محمد كشكار: حضرت اليوم افتتاح المؤتمر التأسيسي لحزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد

أول مرة في حياتي – و أتمنى أن لا تكون الأخيرة – يحصل لي شرف حضور افتتاح مؤتمر حزب يساري تونسي. مواطن العالَم د. محمد كشكار
الخاتمة
بعد قضاء ساعتين تقريبا في سماع خطب ديماغوجية رنانة و محنطة و لا جديد و لا تجديد يُذكر فيها، لا على مستوى الشكل و  لا على مستوى المضمون، تعبتُ من الجلوس و الإنصات و التركيز و الكتابة فقفلت راجعا إلى حمام الشط، هاربا فمنزويا و منطويا داخل عالََمي الافتراضي الآمن – على الأقل حتى الآن – و شرعت في كتابة هذا الهذيان الذي انتهيت من كتابته يوم السبت 2 سبتمبر على الساعة الرابعة  صباحا و 45 دقيقة، ساهرا طول الليل دون فطور أو غداء أو عشاء. تصبحون على خير و رجائي أن تتواصوا  بالصبر و السلوان لكي تستطيعوا أن تكملوا قراءة كل ما كتبت و رقنت إلى الآخر في هذا الموضوع الطويل الواسع المتشعّب العريض.

  1. 1.     ملاحظة منهجية لرفع الالتباس و توضيح رؤيتي النقدية المجردة من كل خلفيات
عند ما وصلتني الدعوة اللطيفة من قِبل صديق منتم سابق إلى حزب الـ »عَوَدِ » و منشق عليه حديثا و منضم جديد إلى حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد (و بالمناسبة أعتذر مسبقا و بكل صدق من هذا الصديق الودود، المناضل اليساري الصادق النزيه الذي دعاني، أعتذر إليه إن قسوت في انتقاد حزبه، فمجاملته و لطفه و كياسته على العين و الرأس و إن شاء الله أردها له في شخصه و أتمنى أن لا ينتظر مني أن أردها له في حزبه)، تمنيت أن لا تعترضني في افتتاح هذا المؤتمر عيوب بارزة، تجرني و تجبرني على نقدها أو انتقادها على صفحات النات، انتقادها بكل استقلالية و موضوعية، دون خلفيات حزبية ضيقة لأنني لا أحمل أجندة سياسية خفية و لا أنتمي لأي حزب منافس أو معاد و لا أملك مشروعا سياسيا مكتملا بديلا لما يطرحون و يعرضون بل أملك رؤيا سياسية انطباعية غير علمية متواضعة و محدودة، أدعي أنها متماسكة من الداخل و الله و اليساريون أعلم بمدى صحة وجهة نظري و أتمنى أن أكون مخطئا و تكذبني الأحداث و نضالات الحزب المتجدد الواعد و المنحاز لمصلحة العمال بالفكر و الساعد و العامل لخير تونس و التونسيين أجمعين، التونسيون العاديون و اليساريون الديمقراطيون و القوميون و الإسلاميون الوسطيون المعتدلون و الليبراليون غير العولميين المتأمركين المنبتين.
هذا انتقاد شخصي لا يلزم أحد غيري، و هو عبارة عن رأي محدود و متواضع من ضيف مدعو نكرة لم يواكب سير المؤتمر من أوله إلى آخره، وجهة نظر تحتمل الخطأ أكثر من مما تحتمل الصواب لأنها غير مبنية على بحث اجتماعي أو دراسة علمية و إنما هي مجرد انطباعات حامية نابعة من ضمير نقابي قاعدي مقموع و مقصي من عائلته اليسارية خاصة من شقها الحزبي المنظم لكن في المقابل لا أنكر بل يشرفني ترحيب اليسار المثقف بأفكاري و آرائي و قد تجسم هذا الترحيب فعليا في « نادي جدل » الثقافي الذي نشطت فيه لمدة عامين بالاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس، نقابي مستقل غير منتم، نقابي يساري غير ماركسي يجهل و يتجاهل « التكنبين » و يعادي الحِرَفية و التنظيم الحديدي في العمل النقابي و السياسي.
أنبّه رفاقي و أصدقائي اليساريين المنتمين قديما و المنظمّين حديثا إلى حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد و أخص بالذكر الرفاق النقابيين المنضوين تحت لواء الاتحاد الجهوي للشغل المناضل ببن عروس، الرفاق الذين لا أشك لحظة في وطنيتهم و نضاليتهم و مشاركتهم الفعالة في « ثورة » 14 جانفي تحضيرا و استباقا و تنفيذا، رفاقي الذين خبرت معدنهم و صدقهم و نزاهتهم و نكرانهم لذواتهم و لمست تضحياتهم  لمس اليد. يبدو لي أن تنظيم افتتاح المؤتمر بهذه الكيفية الباهتة و الخالية من كل خلق و ابتكار و خاصة منح رئاسته إلى السيد عبيد البريكي، تنظيم و رئاسة لا يعكسان قدرة الخلق و المبادرة عند مناضلي الحزب النقابيين الذين أعرفهم معرفة جيدة و أحبهم حبا صادقا و أحترمهم و أجلّهم دون مجاملة فارغة أو نفاق مجاني.
  1. 2.     وصف شكلي لافتتاح المؤتمر
المكان: قصر المؤتمرات بتونس العاصمة.
التاريخ: يوم 31 أوت 2012 على الساعة الرابعة مساء.
الحضور: حوالي 5 آلاف، ثلاثة آلاف داخل القاعة و ألفين خارجها.
التنظيم: عادي ككل المؤتمرات و قد حضرت في نفس القاعة منذ مدة قصيرة مؤتمر حزب المؤتمر من أجل الجمهورية. أشك أن تنظيم مؤتمرات الأحزاب أصبحت مهنة حرة مثل متعهد الحفلات و إلا كيف نفسر: اللافتات في نفس المكان و بنفس الحجم، توجد الشاشة أيضا في نفس المكان و تنقل المتدخل صورة و كلمة في المؤتمرين المذكورين، المقدمات ثلاثة و بثلاث لغات و المؤتمرون يحملون قلادة حمراء مثل مؤتمري حزب المؤتمر من أجل الجمهورية.

  1. 3.     البديل التنظيمي حسب اجتهادي المحدود و المتواضع
ما لاحظته من تشابه أو تطابق في التنظيم بين مؤتمر يساري و مؤتمر يميني أو وسطي يوحي إليَّ بغياب الخَلق و المبادرة بل أجزم أن ما رأيته في مؤتمر اليسار لا يعدو أن يكون سوى نسخة باهتة من مؤتمرات الأحزاب الليبرالية. وددت أن ينتظم المؤتمر اليساري – لو كان اليسار منحازا فعلا، لا قولا، للطبقات العاملة بالفكر و الساعد – في ساحة شعبية أو في مصنع أو في الحوض المنجمي معقل النضال و مهد الثورة التونسية و لماذا التشبث بعقد المؤتمرات الحزبية في العاصمة و في القصور و النزل الفاخرة المنسوبة و المنتسبة إلى الطبقة البورجوازية الحاكمة قبل الثورة و بعد الثورة، ألم يكن من الأجدر عقدها في المناطق المحرومة في عمق تونس حيث الفقر و التهميش بلغ ذروته و ذلك قصد تحسيس هذه المناطق و سكانها بأنهم أهل لاحتضان مثل هذه المؤتمرات و التضاهرات و تشريكهم فعليا في بناء البديل الثوري بعد ما أقصتهم الأحزاب اليمينية الليبرالية من شرف المشاركة في صنع القرار و في تقرير مصيرهم بعقولهم و أيديهم؟ وددت اليوم أن أرى امرأة ثورية تفتتح المؤتمر اليساري و تخطب في الجماهير الحاضرة عوض عبيد البريكي رئيس المؤتمر، عبيد البريكي الذي أحترمه كشخص و قد جاملني في مناسبتين  و ساعدني في الحصول على حق مهضوم كما ساعد جل اليساريين عندما كان في السلطة، لكن أستأذن السيد عبيد البريكي و أقول له بكل لطف و محبة: جاملتني كشخص و أنا سوف أرد لك المجاملة كشخص إن توفرت لي الفرصة – و أظنها لن تتوفر لاستغنائك نهائيا عن خدماتي و مَن أنا حتى أستطيع خدمة أمثالك – لكن لا تطلب مني المستحيل، المستحيل هو أن أجاملك مبدئيا كشخصية اعتبارية عامة و أغض الطرف على مشاركتك في سلطة المكتب التنفيذي، سلطة متواطئة مع النظام القديم البورقيبي و البنعلي، ألم تناشد هيئتكم الإدارية و في مناسبتين ترشح الرئيس بن علي لولاية ثالثة و رابعة؟ ألم تبقوا أنتم أعضاء المكتب التنفيذي في السلطة لمدة عشرين عاما أو أكثر؟ أهذا مطابق أو منافي للفصل العاشر و مبدأ التداول على السلطة؟ أوَ لستم سلطة؟ أنتم كمكتب تنفيذي، أنتم سلطة طفيلية و بيروقراطية نقابية، منتقَدة و مكروهة و مذمومة من جل النقابيين، سلطة « أشوم » و « أدوم » و « أنذل » من السلطة التنفيذية؟ الوزير في حكومة بن علي لا يطوّل و يقال أو يستقيل كرها أما أنتم فبقيتم على صدورنا جاثمين و لأنفاسنا حابسين عقدين من الزمن، تعقدون الصفقات المهينة و المشينة باسمنا و تتخلون عن الدفاع عن مصالحنا في أعز اللحظات النضالية مثل لحظات المفاوضات على الكنام و الضمان الصحي و مفاوضات مجلة الشغل و مفاوضات الزيادة في الشهرية حتى أصبحت الزيادة السنوية تُنعت على حق بـ »زيادة الحاكم ». و بعد كل هذا الماضي « النضالي المجيد »، تريد منّا أن نقبلك زعيما ثوريا بعد 14 جانفي؟ ألا تخجل من انتمائك للمكتب التنفيذي الذي ترأسه عبد السلام جراد، اليد اليمنى الناعمة و « المسمامة » لبن علي، و العصا الغليظة المسلولة ضد مصالح العمال بالفكر و الساعد، و الممثل المتستر لمصالح الرأسماليين على حساب مصالح الطبقة العاملة التي من المفروض خُلقتم و نشأتم للذود عن مصالحها؟  وددت أن لا أراك (مع العلم أنك كشخص عادي لا أعاديك و أكن لك كل الاحترام و التبجيل و أثمن فيك غزارة الثقافة السياسوية و حسن البلاغة في خطاباتك الحماسية التجييشية الديماغوجية الشعبوية و لا أشك لحظة في ذمتك المالية لعدم توفر الأدلة و لا في دماثة أخلاقك التي اشتهرت بها و لا في مبادئك النظرية اليسارية لكن أشك فيك بل أكاد أقترب من اليقين، أشك فيك كما أشك في كل سياسي محترف، هذه الطائفة المشتركة بين كل الأحزاب مهما اختلفت مرجعياتها، طائفة متذبذبة انتهازية تدوس أوّل ما تدوس على المبادئ السامية من حرية و كرامة و عدالة و تداول على السلطة و نكران الذات، مبادئ تحاول هذه الطائفة أن توهمنا يوميا بالدفاع عنها)، وددت أن لا أراك كشخصية اعتبارية تترأس مؤتمرا يساريا بعد « ثورة » 14 جانفي، و هي لو كانت ثورة حقيقية مكتملة و لو كان حزبك حزبا يساريا ثوريا، لمَا قبلا انتماءك إليهما. وددت أن أراك مواطنا مدعوا مسكينا « ذليلا » (أقصد بالذل، التواضع الفكري المنفصل عن كرامتك الشخصية التي أنأى بنفسي عن الاقتراب منها أو المساس بها قيد أنملة لأنني أعي جيدا منزلتي الاجتماعية المتواضعة مقارنة بمنزلتك الاجتماعية العالية في الساحة النقابية النضالية المعاصرة و أعترف و لا أنكر إيجابياتك التي أحتفظ بها لنفسي إلى حين يحين موعد ذكرها، الذل الذي أقصده هو ذل المناضل اليساري الذي يمارس عن قناعة نقده الذاتي علنا و ليس ذل الرجال المبتذل الذي لا أتمناه لعدو فما بالك بصديق مثلك و في منزلتك و معزتك الشخصية عندي)، فكرامتك الذاتية كمناضل يساري محفوظة عندي و عند كل اليساريين، تمنيت لو رأيتك نادما عما فعلت أو شاركت في فعله و لو بالصمت أو التغيب، عند ذلك فقط قد أصدّق أنها ثورة بحق و أن حزبكم الجديد حزبا ثوريا يساريا بأتم معنى الكلمة. عندما أراك و كأنني رأيت الباجي قائد السبسي، هو يتباهى بثلاثة عشر سنة و نصف، قضاها في أروقة وزارة الداخلية، و أنت تتباهى بعشرين سنة قضيتها في أفسد مؤسسة عرفتها في حياتي و هي مؤسسة المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل (أخصها بالاسم الكامل حتى لا أُتهَمَ خطأ أنني أهاجم الاتحاد، و مَن أنا و مَن أكون و ما هو وزني النضالي، حتى أهاجم الاتحاد العام التونسي للشغل، قلعة النضال بقواعده و ليس بقيادته العميلة للنظام البورقيبي و النظام البنعلي)، المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل هو المؤسسة الأخت من الرضاعة لمؤسسة التجمع الدستوري الديمقراطي، الاثنان رضعا ظلما و بهتانا من دم العمال بالفكر و الساعد و تاجرا بمصالحهما و تلاعبا بمصيريهما كيفما يحلو لهما اللعب و الدمغجة و الكذب الذين يتقنانهما كما لا يتقنهم أحد. لكي لا أنجرّ في الانتقاد « الشخصاني » للسيد عبيد البريكي، أذكّر ببدايته النضالية على رأس النقابة العامة للتعليم الثانوي و التي من أجلها سانده اليسار و رشحه لعضوية المكتب التنفيذي في أوائل التسعينات، لكن مع الأسف، منحه صكا على بياض و أعطاه سلطة مطلقة غير مقيدة بأجل، سلطة استعملها و استغلها داخل مكتب تنفيذي انتهازي معروف بعدائه للطبقة العاملة و مشهور بتواطئه المفضوح مع الأعراف و السلطة القائمة، فخيب أوّل ما خيب  أمل مرشحيه و منتخبيه من « الوطد » و العائلة الوطنية الديمقراطية عموما و خان الأمانة و العهد اللذان أنيطا بعهدته و مرشحوه و منتخبوه لا يزالون على العهد محافظين. و لتخفيف وقع الانتقاد على شخصك، سيدي عبيد البريكي، و لأنني أحترم شخصك و لا أخلط بينك كذات بشرية و بين مهمتك السياسية المشبوهة التي حادت كثيرا عن المسار اليساري المنتظر منك عند ترشيحك و انتخابك، و بكل لطف أقول لك: لا تحزن يا « ولدي » فكل الثوريين و كل الثورات تبدأ في أوّلها ثورية و تنتهي في آخرها رجعية، كل ثورة، حتما – و لا أؤمن بالحتمية إلا في هذا المجال – سيتوقف نبضها التقدمي عند اكتمالها فتتحجر و تتكلس و تتحنط، كما قال سارتر، يرحم والديه فيما قال و أحسن القول و أغنى البلاغة اللغوية الفرنسية بهذا القول:
.Les idéologies sont liberté quand elles se font, oppression quand elles sont faites
  1. 4.     الشعارات الشفهية و المكتوبة و المعلقة في الجدران
-         لاحظت في البهو و قبل افتتاح المؤتمر جلبة لم أعهدها من قبل في افتتاحيات مؤتمري النهضة و المؤتمر من أجل الجمهورية اللذان حضرتهما هذه السنة 2012، شباب متحمس بلباس أبيض فوقي موحد، شباب يردد شعارات معادية للحزب الحاكم، حزب حركة النهضة: « وكلاء الاستعمار…نهضاوي رجعي صمصار » و التعميم هنا و في كل مقام و مقال منهج غير علمي و أنا أعرف على الأقل عشرين صديقا نهضاويا مناضلا صادقا غير صمصارة و غير رجعيين بالمفهوم غير اليساري للكلمة.
-         « المجد…المجد للوطد…أبناء الشعب المضطهد » (و كأنهم المضطهدون  الوحيدون في هذا البلد و كأن أبناء الأحزاب الأخرى غير مضطهدين من نظام بورقيبة و نظام بن علي و النظام الحاكم حاليا و النظام القادم مستقبلا، كان و سيبقى أبناء الشعب مضطهدين عقودا و عقودا إلى أن يأتي ما يخالف ذلك و لا أخال هذا الفرج – المعجزة قريبا و أتمنى دائما أن يكذبني التاريخ أو تكذبني نضالات المضطهدين المستقبلية من جميع أطياف الشعب التونسي السياسية و الاجتماعية).
-         « نتحد من أجل الجمهورية الديمقراطية الاجتماعية » (و هل توجد جمهورية غير اجتماعية؟ كيساري، أعرف أنهم يقصدون العدالة الاجتماعية الاشتراكية و أعرف أن اليساريين يمثلون أقلية في تونس و سيبقون أقلية لعقود قادمة لكن سيبقون كأقلية فكرية نيرة و مؤثرة و تنويرية و ليس كأقلية سياسية محتقرة كما يتمنى لهم أعداؤهم و مناوئوهم أو منافسوهم السياسيون).
-         « نتحد من أجل قضاء سيد مستقل ».
-         « أرض حرية كرامة وطنية » (الشعار الذي يتردد كثيرا قولا و كتابة. أتساءل: لماذا يربطون الحرية و الكرامة بالأرض؟ ألا يتمتع المهاجرون و اللاجئون السياسيون بحريتهم و كرامتهم في غير أرضهم بعد ما حرموا عقودا و عقودا من التنفس في أرضهم و وطنهم؟).
-         « إرساء منظومة تعليمية وطنية المحتوى ديمقراطية المناهج و التسيير منفتحة على القيم الإنسانية التقدمية » (في هذه الحالة، فاقد الشيء لا يعطيه، و هل لنا إنتاج علمي وطني حتى نجعل منه محتوى وطني لمنظومتنا التعليمية؟).
-         « تحقيق أهداف الثورة و انتصار الشعب الكادح » (آمين يا رب العالمين! و متى انتصر الشعب الكادح في تاريخ البشرية؟ بقي و سيبقى دوما كادحا حتى و لو تغير أفراده و تغيرت أصول تركيبته الاجتماعية. أتمنى مثلكم أن ينتصر يوما و أؤمن مثلكم أن وضعيته البروليتارية ليست حتمية مادية أو تاريخية و أؤمن أيضا أنه قادر على صنع و نحت مصيره بنفسه لو توفرت له الظروف و سنحت له الفرصة).
-         « من أجل مساواة كاملة تضمن للمرأة شراكة فعلية للثروة و القرار و السلطة » (ملاحظات د. م. ك: 1. أنا أؤمن إيمانا جازما أن المرأة التونسية تشارك فعليا في الثروة و القرار و السلطة، لكن أي سلطة؟ السلطة التي أقصدها أنا ليست السلطة التي يتحدث عنها و يتكالب من أجلها كل السياسيين المحترفين رغم اختلاف مرجعياتهم. هم يرون السلطة في السلطة التنفيذية و التشريعية و القضائية و يريدونها مناصفة بين المرأة و الرجل و أنا أؤيدهم في مطلبهم هذا أما السلطة التي أقصدها أنا فهي السلطة بمفهوم الفيلسوف الفرنسي فوكو بعد ما شرحها لي زميلي في الفلسفة، يعني السلطة المبثوثة في المجتمع. لنأخذ مثلا عن هذه السلطة: الأسرة التونسية بعد قانون مجلة الأحوال الشخصية و قبله بقليل و أنطلق من نفسي و من أصدقائي و أقاربي و جيراني و « حومتي » في مسقط رأسي جمنة وفي موطني الحالي حمام الشط: على حد علمي غير العلمي بالأسَرِ التونسية، يبدو لي أن الزوجة تشارك فعليا الزوج مناصفة في ثروة العائلة و في قرار العائلة و في سلطة العائلة حتى و لو لم تكن هذه المشاركة مقننة أو موثقة أو معلنة. كيف؟ الزوجة التونسية تشارك زوجها مناصفة في مصاريف الأكل و الشرب و اللباس. الزوجة التونسية تشارك زوجها مناصفة في كل القرارات المصيرية العائلية مثل شراء عقار أو بيع عقار أو اختيار خطيب أو خطيبة لأبنائهم. الزوجة التونسية تشارك زوجها مناصفة في السلطة فهي تتمتع بتأثير على أبناءهما، و في أغلب الحالات يساوي تأثيرها أو يفوق تأثير زوجها، إلا أمي التي تزوجها أبي – من حسن أو سوء حظها – في سن الرابعة عشرة و هو قد تجاوز الخمسين من عمره بعد ما تربت في حجره و هو زوج المرحومة أختها، من حسن حظها أنها لم تعش معه كثيرا، هو الزوج الاستثناء في « حومتنا » في جمنة، الزوج السيد الديكتاتور على زوجته و أبنائه و جيرانه و معارفه، ربما لأنه أكبرهم سنا، مع العلم أن هذه الحقيقة المؤلمة لا تغير شيئا من احترامي و محبتي الغريزيتين لأبي. أنهي هذه الفقرة و أقول: و اليساري الذي لا يعامل زوجته بالمساواة، عليه أن يلوم نفسه قبل أن يلوم المسلم التونسي المعتدل و يحاكمه على نواياه أو يشده إلى الوراء استنادا إلى قراءة رجعية لنصوص مرجعيته الفقهية البشرية غير المقدسة. 2. لو كانت الأحزاب اليسارية التونسية صادقة في مسعاها و في طموحها إلى المساواة التامة و الكاملة بين المرأة و الرجل لبدأت بتطبيق مبدأ المساواة على تنظيماتها و هياكلها، يعني أن تكون لجانهم المركزية مناصفة بين الرجال و النساء و أن يقع التداول على الأمانة العامة و على مهمة الناطق الرسمي مناصفة بين الرجال و النساء و أن يقع التناوب على الخطابة في مؤتمراتهم العلنية و السرية مناصفة أيضا بين الرجال و النساء و إلا فكيف يطالبوننا بتصديقهم و نحن نرى مثلا حمة الهمامي ناطقا رسميا باسم حزب العمال منذ تأسيسه منذ ثلاثين سنة. 3. لو كانت الأحزاب اليسارية التونسية صادقة في مسعاها و في طموحها إلى تحقيق مبدأ التداول على السلطة لرأينا تسييرا جماعيا للسلطة مثل الذي يحدث منذ زمان في سويسرا و السويد، البلدين الرأسماليين الليبراليين اللذان يُتهمان من اليسار بعدم توفر العدالة الاجتماعية في أنظمتهما و يُتهمان أيضا باعتبار المرأة سلعة تباع و تشترى أم تراهم يعملون بمبدأ « حرام عليكم حلال عليَّ »).
-         « لا كرامة دون الحقوق الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية للشعب » (مَن هو الشعب؟ كلمة ديماغوجية و مفهوم فضفاض، يتسعان لمن هب و دب، كان الأجدر بحزب يساري أن يحدد انحيازه التام و الواضح إلى الطبقات المسحوقة، و بالتحديد إلى طبقتي العمال بالفكر و الساعد بما فيهم العمال الفلاحيين و طبقة صغار التجار و صغار الرأسماليين الوطنيين و يعلن عداءه الطبقي و العقائدي و الأيديولوجي إلى طبقة البورجوازية الليبرالية المتوحشة و النهمة و الفاسدة، مصاصة دماء الفقراء أمثالي و أمثالك، الطبقة الانتهازية و العميلة و المتواطئة مع رأس المال الأجنبي الاستعماري الأمريكي الصهيوني و الأوروبي و الخليجي).
-         « الجبهة الوطنية الديمقراطية، أداة للتحرر الوطني و الانعتاق الاجتماعي و الوحدة القومية » (أنا أعرف – على الأقل – من خلال اطلاعي الواسع على أدبيات اليسار الماركسي  اللينيني أن هذا الأخير يؤمن بالأممية رغم أن النشطاء السياسيين اليساريين ضيقي الأفق تخلّوا عن هذا المبدأ الماركسي الإنساني الرائع،  لا أدري تخلّوا تكتيكيا أو استراتيجيا، أما أنا، كيساري غير ماركسي، فلا زلت إلى اليوم متمسكا بالأممية و نتيجة لهذا الإيمان بالذات، أمضي مقالاتي بصفة « مواطن العالَم » و للتذكير و المقارنة -  ذكّر لعلّ الذكرى تنفع اليساريين الماركسيين- فإن الإسلاميين لم يتخلوا عن أمميتهم و عالمية رسالتهم الموجهة إلى العالمين رغم الترغيب و الضغوط السياسية و رغم سيادة القومية في عهد عبد الناصر و صدّام).
-         « من أجل تسيير ديمقراطي للمؤسسات العمومية يضمن تمثيلا حقيقيا للعمال و عموم الأجراء » (و هل مثلتم أنتم كأحزاب يسارية، الفلاحين و العمال بالساعد و المرأة العاملة بالفكر و الساعد في لجانكم المركزية و في قياداتكم؟).
  1. 5.     افتتاح المؤتمر
افتتح المؤتمر وقوفا بالنشيد الوطني الرسمي « حماة الحمى ». بعد النشيد رفع شعار « أرض حرية كرامة وطنية » و شعار « المجد…المجد للوطد…أبناء الشعب المضطهد » و شعار « وكلاء الاستعمار…نهضاوي رجعي صمصار ».
-         كلمة السيد عبيد البريكي، رئيس المؤتمر
بدأ السيد عبيد البريكي، رئيس المؤتمر بإلقاء كلمته المطولة، تقريبا 40 دقيقة، ذكّر في مستهلّها و نبّه الحاضرين – و كأنهم غير منتبهين لهذا الخطر الواضح – من خطر أعداء الثورة و من خطورة الالتفاف عليها فذكرني بخطبه الرنانة في ساحة محمد علي ساعيا دون جدوى إلى امتصاص غضب المتظاهرين و هم يتظاهرون أساسا و يرفعون شعارات – لا يريد البريكي و زملائه في المكتب التنفيذي أن يسمعوها فيغطيها بدمغجته المعهودة – شعارات على شكل صيحات فزع خارجة من حناجر العمال بالفكر ضد المكتب التنفيذي و البيروقراطية النقابية التي يمثلها و يحمي مصالحها على حساب مصالح منخرطيه من العمال بالفكر و الساعد. تردّ القاعة على خطاب البريكي مستجيبة طيعة مرددة شعار « عاش…عاش…الاتحاد…أكبر قوة في البلاد »، مع العلم أنه يعي جيدا أن المقصود بالاتحاد هي القواعد المناضلة و ليست القيادة المتواطئة مع أعداء العمال بالفكر و الساعد، القيادة التي انحاز إليها البريكي بالكامل على مدى عقدين من الزمن الردئ، زمن بورقيبة و زمن بن علي، زمن سنوات الجمر بالنسبة لنا، نحن العمال بالفكر و الساعد،  و زمن النهب و المحسوبية و الرشوة و الإثراء الفاحش و الفاسد بالنسبة لجل أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل. تحمس الحاضرون لكلمة البريكي و ردودوا شعار « عاش…عاش الاتحاد…أكبر قوة في البلاد » (يبدو لي أن أكبر قوة في البلاد و في كل البلدان حسب الأبجديات الماركسية هي الطبقة العاملة و ليست النقابات التي صنعتها الطبقة الرأسمالية للسيطرة و تأطير الطبقة العاملة و تدجينها و هذا ما وقع فعلا على الأقل عندنا في تونس منذ الاستقلال على يد أحمد بن صالح و الحبيب عاشور و  الطيب البكوش و الطيب السحباني و عبد السلام جراد و حسين العباسي و القادمون لن يكونوا أرحم من الأوائل).
دعا البريكي إلى تأسيس جبهة وطنية ديمقراطية موحدة و دعا إلى التكتل من أجل مواجهة قوى الردة و الظلامية.
بدأ بالترحيب بالضيوف المحليين و الأجانب: « حمة الهمامي و حركة الشعب و حركة المسار ( الجنيدي)  و حزب البعث و الحزب الجمهوري و رابطة اليسار العمالي و حزب تونس الخضراء و منير كشوخ و حزب الطليعة و الجبهة الشعبية و الاتحاد العام التونسي للشغل (ردد الحاضرون شعار « عاش… عاش الاتحاد… أكبر قوة في البلاد ») و اتحاد المعطلين عن العمل (ردد الحاضرون شعار « شغل حرية كرامة وطنية »، هل توجد كرامة وطنية و كرامة غير وطنية؟) و شباب دستورنا و الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان و عدنان الحاجي (تصفيق كبير من الحضور و قال أحدهم عاليا: أسد المناجم) و راضية النصراوي و عمادة المحامين و عياض بن عاشور (زلَّ لسان البريكي فقال أولا عياض الودرني و استدرك و أضاف أن لا مقارنة بين الشخصين) – لما بذله من « نضال » داخل الهيئة العليا و ما أظهره من تنسيق دائم مع الاتحاد العام التونسي للشغل – و المختار الطريفي (الرئيس السابق للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان) و غازي الغرايري و الصادق بلعيد و يوسف الصديق (تصفيق كبير من الحضور) و الحزب الوطني الاشتراكي و ممثله جمال لزهر (لمن لا يعلم، تأسس هذا الحزب منذ يومين أو ثلاثة بعد عقد مؤتمر تأسيسي سري – أجهل لماذا السرية و العمل الحزبي سيكون لاحقا في العلنية و للوطد في سريتهم حكمة لا يعلمها إلا هم، أتحدث بصدق و لا أتهكم، صدقوني إن شئتم أو لا تصدقوني إن لم تشاؤوا، أنتم أحرار، لكم سريتكم المفرطة و لي علنيتي الفاضحة – و هو التيار اليساري « الوطد » السري سابقا و ليس حزب حركة الوطد العلني المعترف به لشكري بلعيد) و عبد الجليل التميمي و سفير فلسطين (ردد الحاضرون شعارات: « فلسطين عربية… لا حلول استسلامية »، « الشعب يريد تحرير فلسطين »، « الشعب يريد إسقاط النظام »، « الشعب يريد إسقاط الحكومة »، أي نظام و أي حكومة، يريدون إسقاطهما؟ هل هو نظام السلطة الفلسطينية و حكومتها العميلة أو النظام التونسي الحالي و حكومته الشرعية، شرعية باعتراف حزبهم هم و ليس باعترافي أنا!) و العياشي الهمامي و زملائي المخلوعين (ضاحكا) محمد سعد و اليعقوبي و سفير الجزائر و النهج الديمقراطي بالمغرب و جوهر بن مبارك و حزب العمال الجزائري و رفيقنا الشهيد الفاضل ساسي و محمد الهمامي و نبيل بركاتي (شهيد حزب العمال) و محمد منصف العياري الملقب بالطبيب (و هو مؤسس الوطد التي أسست بدورها الحزب الوطني الاشتراكي، لُقب بالطبيب لأنه يعمل كشف كالطبيب على كل مترشح جديد لعضوية الوطد و هو الوحيد على ما أظن الذي يقيم نضالية المترشح فيقبله أو يرفضه أو يتركه تحت التمرين في انتظار كشف طبي ثان).
ثم أكمَل: « ثورتنا، سُميت ثورة الياسمين خطأ و اسألوا محمد علي الحامي و فرحات حشاد و سُميت ثورة الجياع، ليست ثورة جياع بل لأن الشعب التونسي وعى أن ثورتنا ثورة كرامة و حرية و تنمية و عدالة و الحق في الشغل و الثروة ».
و استطرد قائلا: « كفى محاولات تشويه بتقديم حجة الشرعية، حجتكم لن تكون مقبولة ما لم تكن مقرونة بحق النقد، اِتْهِزُّوا في البلاد إلى التراجع في وضعية المرأة و تتنصلوا من تاريخ 23 أكتوبر 2012″، ثم تكلم عن الأوساخ المتراكمة في المدن و عن غلاء الأسعار و ذكّر بفزّاعة المؤامرة و فزاعة الإعلاميين و فزّاعة الأمن و قال: « الأمن هم من أبناء الشعب و لا يُحاسَبون كأفراد و التعليمات هي تعليمات انتقائية » (لعلمك يا سيد البريكي أن جرائم التعذيب التي ارتكبها بعض هؤلاء أو أبناء الشعب كما يحلو لك تسميتهم تعاطفا معهم دون تمييز، تعاطفا سياسويا ديماغوجيا، هي جرائم ضد الإنسانية، جرائم لا تموت بالتقادم و يُحاسب عليها قضائيا مرتكبها كفرد مهما كان نوع التعليمات التي أُعطِيت له من رؤسائه، أكانت انتقائية أو جماعية، شفهية أو مكتوية).
أضاف: « المرأة لا يكملها واحد و لا تكمل واحد » (ردد الحاضرون شعار « مساواة… مساواة في الحقوق و الواجبات ». أتساءل هنا: لماذا المرأة لا يكملها واحد و لا تكمل واحدا؟ هل هي مستقلة بذاتها تماما عن أخيها في الإنسانية، الرجل؟ خذ مثلا، الحيوان المنوي الذكري و البويضة الأنثوية، ألا يكملان بعضهما بعضا و يتحدان من أجل خلق أول خلية في جسم الإنسان الجنين؟ أليس الإنسان، رجلا كان أو امرأة، نصفه أنثوي و نصفه ذكري منذ عملية التلقيح التي ينتج عنها تكوين الخلية الأم الأولى في قناة فالوب و لأن الجنين، ذكرا كان أو أنثى، يرث عن أمه 23 كروموزوم و عن أبيه 23 كروموزوم أيضا؟ ألا تكمل المرأة الرجل و يكمل الرجل المرأة داخل الأسرة النووية؟ ألا يكملان بعضهما البعض في تربية البنين؟ ألا يكملان بعضهما بعضا في الفراش؟ أم ستعترضون على حكم البيولوجيا و الفيزيولوجيا أيضا؟).
ثم شرح جملته السابقة بمثال « بليغ »: « المرأة التونسية ليست محرزية » و ذكّر بليلى خالد (« المناضلة الفلسطينية اليسارية التي ارتأت المقاومة المسلحة عن طريق خطف الطائرات و ترويع الركاب المدنيين من كل الجنسيات إسرائيليين و عرب و غير عرب »، الهدف سامِ و الوسيلة غير ناجعة و الدليل عن عدم نجاعتها أن الجبهة الشعبية و كل المنظمات الفلسطينية المقاومة تخلت عنها منذ عقود و على حد علمي لم يستعمل هذه الطريقة غير العرب من المقاومين) و سناء المحيدلي و أمهات الشهداء.
نوّه بنضالات الاتحاد العام لطلبة تونس اليساري (ردد الحاضرون شعار « ثقافة وطنية … تعليم ديمقراطي » (حسب رأيي المتواضع: الثقافة و الفكر و الفن، كونيون أو لا يكونون!).
توجه إلى نقابة الصحافيين ناصحا: « رُدُّوا بالكم اتْفَرْطُوا في شبر واحد فَكِّيتُوه و واجبكم يتمثل في نقد الكل دون استثناء من الرئيس إلى المرؤوس ».
عبّر عن موقفه و موقف حزبه المناهض للتدخل الأجنبي في الوطن العربي و المناهض لتدخل الناتو و الأمريكان في ليبيا و سوريا و أنا لأول مرة أضم صوتي لصوته. ثم قال: « على أنظمتنا أن لا تخجل من قول لا للتطبيع و لا لأمريكا ». أوافقه أيضا. ثم واصل: « فَلَّتْنَا برشَة محطات في التاريخ، فلتناها على الشعب التونسي و فلتناها على الشعب العربي » (و أضيف أنا قائلا للبريكي و صارخا في وجهه و في وجه جميع أحزاب اليسار السرية و العلنية في عهد بن علي: فوتّم على أحزابكم فرصة المشاركة في الثورة كمؤسسات حزبية منظمة، صحيح أنكم شاركتم كأفراد يساريين و يساريات في الثورة و أبليتم البلاء الحسن و كنتم من أشجع الناس فيها بل مهدتم لها استباقا  بنضالاتكم النقابية القاعدية في الحوض المنجمي و في عديد المحطات النضالية و التجمعات و الاعتصامات و المظاهرات الصعبة لكن مثلكم مثل الأحزاب اليمينية، لم تشاركوا تحت لواء أحزابكم اليسارية و كان الأجدر بكم أن تفعلوا ما دمتم منظّمين تنظيما حديديا و ملتزمين التزاما عقائديا و تصوروا لو فعلتم، أي كسب جماهيري ستكسبون و على نتيجة الصفر فاصل، كم ستبتعدون! مع الإشارة أن المؤسسة الوحيدة التي شاركت في الثورة كمؤسسة هي مؤسسة الاتحاد العام التونسي للشغل و هنا لا أستطيع أن أنكر – و قد يكون الاعتراف الوحيد لصالح عبيد البريكي و مكتبه التنفيذي و لصالح المكتب التنفيذي في عهد الحبيب عاشور – أعترف بانحياز المكتب التنفيذي بجميع أعضائه إلى ثورة 14 جانفي 2011 و أذكّر بقرار الهيئة الإدارية للاتحاد المتمثل في إقرار الإضراب الجهوي التداولي و الذي تُوج بإضراب ولاية صفاقس يوم 12 جانفي 2012، الإضراب الذي دق المسمار الأخير في نعش المخلوع لكن مع الأسف الشديد بقيت كل أركان نظام بن علي سليمة بعد الثورة بما فيها ركنه الأساسي المجسم في المكتب التنفيذي للاتحاد العام التونسي للشغل، لا غرابة أن تنضم قيادة الاتحاد الرجعية إلى صفوف الثورة في آخر لحظة أو إذا كثر عليها الضغط الجماهيري و هذا دليل ضدها و ليس معها، دليل جبنها و خوفها و انحيازها الانتهازي إلى القويّ مهما كان جنس هذا القوي، ثوري عند اندلاع الثورة أو رجعي عند استتباب الأمن و سيطرة بوليس نظام بن علي القمعي على مدى 23 سنة).
واصَل البريكي مؤكدا بنبرة وثوقية و ديماغوجية، لا أحبّذها عند اليسار و غير اليسار: « نحن اليسار، سنتحد و نكوّن جبهة »، ثم ذكر خالد الفالح و ذكر تاريخ 78 و جريدة الشعب السرية ثم توجه بالنقد – و يا ليته لم يفعل، احتراما لحلفائه المحتملين في اليسار و احتراما للشعار التوحيدي الذي يرفعه هذا المؤتمر التأسيسي الموحد – توجه بالنقد إلى الشق الذي لم يلتحق من حزب العمل الوطني الديمقراطي (للأسف، سمعت هذا النقد اللاذع و الذي لم أستسغه و لم يعجبني، سمعته بأذنيَّ من بعض المنشقين أنفسهم و لم يفت على انشقاقهم شهرا أو شهرين بعدُ، سمعتهم يقولون أنه لم يبق في  حزبهم القديم الـ »عَوَدِ » إلا رئيسه و مؤسسه عبد الرزاق الهمامي و عائلته الضيقة و سمعتهم يقولون أيضا أن عبد الرزاق الهمامي لم ينضم إلى المسار التوحيدي مع حركة شكري بالعيد من فرط حبه في الزعامة، أنا لا أنتمي إلى حزب الـ »عَوَدِ » و قد سبق و أن اختلفت مع رئيسه و مؤسسه نقابيا عندما كان كاتبا عاما لنقابتنا الجهوية للتعليم الثانوي ببن عروس و قد كنت من أشد منتقديه بل تستطيع أن تقول أنني كنت المعارض العلني الوحيد له و أختلف حاليا معه فكريا، رغم كل هذا الخلاف أحترم عبد الرزاق الهمامي و لا أتجرأ على قول ما قاله فيه رفاق و أصدقاء الأمس و ربما أصدقاء و رفاق الغد).
-         كلمة السيد شكري بلعيد الأمين العام لحزب حركة الوطنيين الديمقراطيين
بدأ بالترحيب بالضيوف ثم أضاف قائلا: « نتج هذا المؤتمر عن نقاشات و مئات الاجتماعات و نضال 35 سنة، فيه قوافل من الشهداء و شارك فيه المعطلون عن العمل و المثقفون. خطنا الوطني كان و لا يزال في الحقل الطلابي و النسوي و الحقوقي في الوطن و المَهاجر و حمادي زلوز عنوانا لمرحلة و فاضل ساسي و أبناء التيار الوطني الديمقراطي خاضوا ملحمة الانتفاضة الشعبية في الحوض المنجمي. أبناء التيار الوطني الديمقراطي خطبوا في الجماهير يوم 17 ديسمبر أمام الولاية في سيدي بوزيد. أبناء التيار الوطني الديمقراطي كانوا حاضرين في صفاقس و في القصبة 1 و 2 و فرضوا القطع مع حكومات التجمع. أبناء التيار الوطني الديمقراطي، كوكبة من الرفاق الذين عُذّبوا و سُجِنوا. هذا المؤتمر ينهي مسارا و يفتح مسيرة (ما الفرق بين الكلمتين؟ لا أعرف و هذا لا يعني أن الخطيبَ مخطئ و بصدق، قد أكون أنا هو الجاهل باللغة العربية و تعقيداتها). نحن ضد مصادرة القرار الوطني و مع تحقيق التحرر الوطني (و مَن المجنون الذي يخالفك في هذين المبدأين الرائعين المتكاملين؟). نحن ضد مساندة الناتو في ليبيا و لسنا مع القذافي. هم يستهدفون القضاء الموحد و يريدون الرجوع إلى الأحباس، البلاد فيها: 1. حراك اجتماعي. 2. و فيها جبهة تتعزز و تتشكل و تطرح نفسها بديلا لقوى الثورة المضادة، ليس لنا الحق في الخطأ (و متى أخطأتم أنتم أصلا؟؟!!)، سنبني جبهة في كل دشرة (بدأ اللسان الخشبي ينبئ عن حاله). 3. و فيها حكومة خانت كل عهودها: تحديد تاريخ لنهاية كتابة الدستور و تحديد تاريخ لنهاية الفترة الانتقالية. نقول لهم: لن تمروا… لن تمروا. حكومة انتقالية و بخطابها المزدوج تريد أن تحول نفسها إلى حكومة دائمة و كل مَن تخلى على الشغل و الحرية فلا شرعية له. واجبنا نكون مع شعبنا في إضراباته و تجمعاته، نؤطّره و لن نخجل من ذلك. نقف ضد الحكومة و ضد مساندتها لثوار سوريا. نحن ضد منوال تنموي طبقي، يعمّق الفقر و يخدم الرأسمال الأجنبي. نحن أمام نفس الوضع القديم. نحن ضد اللجوء إلى الحل الأمني و توظيف القضاء. نحن ضد الميليشيات التي تمارس العنف ضد الحقوقيين و الفنانين و لا حساب و لا مراقبة. نحن ضد استهداف الحقل النقابي و الحق النقابي، ضد استهداف قلعة النضال، ضد استهداف الإعلام، ضد استهداف التعليم الموحّد. نحن ضد حزب يلتفّ على الثورة و يكوّن حكومة تلتفّ أيضا على الثورة. نحن مع المساواة التامة و الكاملة بين النساء و الرجال. لقد سقطت هذه الحكومة أخلاقيا و عمليا و عليهم أن يرحلوا، أصابتهم اللعنة فتفتتوا و تفرّقوا.
ثم ذكّر بمؤتمرات اليسار و منها مؤتمر حزب العمال و أردف قائلا بنبرة قيادية آمرة: التوجه نحو جبهة واحدة. ثم أضاف قائلا: ينعقد مؤتمرنا هذا و أمتنا العربية مستهدفة من قبل مشروع صهيوني يدعمه اليمين المتستر بالدين في العراق المحتلة أمريكيا و خليجيا، مستهدفة في لواء الإسكندرون و في سبتة و مليلة. هذه الأمة فيها ممانعة و مقاومة مسلحة في العراق و فلسطين و مقاومة سلمية في تونس و مصر و إن شاء الله المقاومة غدا في ليبيا. من حق هذه الأمة أن تبني كيانها ضد الإمبريالية و الصهيونية و الرجعية العربية. الطبقة العاملة تنتفض في وول ستريت و في اليونان و اسبانيا و التلاحم الأممي يظهر من جديد. أنتم حركة يسارية منحازة إلى الطبقات المضطهدة لأن معركة الإنسان واحدة.
و أنهى خطابه بقوله: عندي ثلاث رسائل:
أ‌.        رفاقي في الجبهة: ليس لنا الحق في الخطأ، تونس، نستنهض ذاكرتنا، نستنهض ماضينا، نستنهض لنتّحد ثم نتّحد.
ب‌.   رسالة إلى رفاقي في حزب العمال: هذا المؤتمر، نريده منطلقا لبناء الحزب اليساري الكبير، الحزب العمالي الكبير.
ت‌.   الرفاق الذين نظفوا و نظموا هذا المؤتمر و دفعوا من أموالهم و الشباب في الجهات و أصدقاء هذا الحزب: تونس جديرة أن تحيا تحت الشمس جمهورية ديمقراطية (أتمنى من كل قلبي أن لا تكون جمهورية شعبية ديمقراطية اشتراكية على شاكلة الجمهوريات أو بالأحرى الديكتاتوريات السابقة و المنقرضة في أوروبا الشرقية و الاتحاد السوفياتي و ألبانيا).
إمضاء د. م. ك
على كل مقال سيء، نرد بمقال جيد، لا بالعنف اللفظي أو المادي أو الرمزي.
تاريخ أول نشر على النات
حمام الشط في 2 سبتمبر 2012.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق