المنصف ونّاس: الشخصيّة التونسيّة بحاجة إلى مراجعة جذريّة
قال انها غير ملائمة للقرن الواحد والعشرين!
قال انها غير ملائمة للقرن الواحد والعشرين!
يعتبر كتاب الدّكتور المنصف ونّاس ' الشخصيّة التونسيّة، محاولة في فهم
الشخصيّة العربيّة ' الصّادر سنة 2011 عن الدّار المتوسطيّة للنّشر، من
الكتابات العلميّة القليلة التّي تناولت بالدّرس الشخصيّة التونسيّة
القاعديّة.
وهيّ دراسة حاول صاحبها المختصّ في علم الاجتماع الثّقافي والسيّاسي والأستاذ بالجامعة التونسيّة تسليط الأضواء على الخصائص المميّزة لهذه الشخصيّة وجملة السلبيّات المتعلّقة بالتّنشئة الإجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والرّواسب التاريخيّة التّي جعلت من هذه الشخصيّة غير قادرة بكلّ مكوّناتها أن تتكيّف مع متطلّبات القرن الذّي نعيشه اليوم، ممّا يستدعي ضرورة إعادة بناء هذه الشخصيّة بالتّركيز على أدوارها ومراتبها داخل الأسرة والشّارع والبيئة والمدرسة والحزب والجمعيّة والإعلام، وبإيجاد الحوافز الكفيلة بجعلها شخصيّة منتجة ومحافظة على قيّمها ومكتسباتها غير مدّخرة لأيّ جهد في القيّام بواجباتها .
وبتصفّحنا لسيرة الدّكتور المنصف ونّاس الأستاذ والباحث والمدرّس بالجامعة التونسيّة الذّي تتلمذت على يديه أجيال متعاقبة من علماء الاجتماع الشبّان، نلمس دون عناء سعيه من خلال بحوثه للاهتمام بسوسيولوجيا الدّولة والمجتمع المدني والنّخبة الثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، وقد ألّف في هذا المجال العديد من الكتب والمقالات باللّغتين العربيّة والفرنسيّة لعلّ أهمّها :
ـ الدّولة والمسألة الثقافيّة في تونس، بيروت 1988
ـ الدّولة والمسألة الثقافيّة في المغرب العربي، تونس 1996
ـ الخطاب العربي، تونس 1992
ـ المقاولون الجدد في ليبيا (1988ـ 2009) المغرب الأقصى 2010
وحول موضوع الشخصيّة التونسيّة مدار اهتمام هذا الكتاب كان لنا هذا اللّقاء معه:
* كيف تقدّمون كتابكم لقرّاء 'القدس العربي'؟
*أعتبر بأنّ هذا الكتاب هوّ محاولة في فهم الشخصيّة القاعديّة التونسيّة .فاللاّفت للانتباه من الناحيّة العلميّة أنّ هذه الشخصيّة لم تدرس تقريبا البتّة دراسة علميّة على الرّغم من أهميّة هذا المشروع وعلى الرّغم من أهميّة انجازه لنفهم محطّات تشكّل هذه الشخصيّة البارزة مثلما فعل ذلك حامد عمّار في مصر وعليّ الوردي في العراق.
* هناك تصدير في الفصل الأوّل لمقولة مأخوذة من كتاب الأمير 'لمكيافيلي' تقول كالتّالي: 'المجتمع الفاسد هوّ الذّي لا يستطيع فيه الأفراد ممارسة حريّاتهم' :فما مدى انطباق هذه المقولة على المجتمع التونسي الذّي يتجاوز عمره 50 سنة من الإستقلال؟
*لقد أثّر الاستبداد والقمع اللّذان عرفتهما تونس على امتداد 56 سنة، أثّرا في بنيّة الشخصيّة القاعديّة التونسيّة وعمّقا ما فيها من انطواء على الذّات وعدم قدرة على المواجهة وعدم رغبة في الفعل وهذا أمر يجب الانتباه إليه . ولهذا ساعدت عقود الاستقلال على تشكّل شخصيّة مفرطة في الواقعيّة ومهادنة وغير حريصة على المواجهة بدليل أنّ مقاومة الاستبداد والقمع كانت مقاومة محدودة وضئيلة قيّاسا بمجتمعات أخرى، أنا أعتقد بأنّ القرون الخمسة الأخيرة من تاريخ تونس ساعدت مساعدة كبيرة على تشكّل الشخصيّة التونسيّة وعلى ابراز ملامحها الرئيسيّة، فهيّ شخصيّة لا تحبّذ كثيرا المواجهة وتلتفّ على الظّواهر وتفضّل أن تحتسب الأمور بكيفيّة تضمن لها المكاسب وتجنّبها الخسائر. وهيّ صفة على درجة من العقلانيّة ولكنّها تفضي بطول الوقت إلى بروز شخصيّة واقعيّة ومهادنة ومتقبّلة للأمور.
* اشتغلتم في هذا الكتاب على الشخصيّة القاعديّة التونسيّة، فما هيّ ملامحها وحدود التّعويل عليها في مجابهة التحديّات ؟
*مثل ما أسلفت القول، فهذه الشخصيّة تتّسم بالمرونة والقدرة على الإندماج وبالقدرة على الانصهار السّريع والتّجاوب مع الوضعيّات المختلفة ولكنّ هذه الإيجابيّات تترافق في الآن نفسه مع نقائص عديدة . فهذا الحرص على الاندماج يترافق مع واقعيّة قصوى وتغليب المصلحة الذاتيّة على المصلحة الجماعيّة واعطاء الأولويّة للمكسب الشّخصي على مكاسب أخرى . وهذا يؤدّي بالضّرورة إلى التّنازل وإلى سرعة القبول للآخر ومهادنة الحاكم وتجنّب مواجهته . ولديّ فرضيّة أشتغل عليها منذ سنوات وهيّ أنّ مثل هذه الشخصيّة لا يمكن إلاّ أن تشجّع المهادنة والقبول السّريع بالواقع وتجنّب مجابهته على الرّغم ممّا فيه من عيوب ونقائص وسلبيّات . وأمّا الفرضيّة الثانيّة فتتمثّل في أنّ هذه الشخصيّة على ما فيها من نقائص لا يمكن التّعويل عليها من أجل مجابهة تحديّات القرن 21 . فلا بدّ من اعادة بنائها بناء جديدا وتطويرها بما يتلاءم مع مقتضيات هذا القرن.
*لاحظنا خاصّة في الفصل الأوّل تركيزكم على التّاريخ في تحليل مراحل تشكّل الشخصيّة القاعديّة التونسيّة، فهل أنّ المراحل التاريخيّة التّي ذكرتموها قد أسهمت في تشكّل الشخصيّة القاعديّة التونسيّة ؟
لا شكّ في ذلك أنّ التّاريخ التّونسي القديم والحديث والمعاصر قد أدّى دورا مهمّا في تشكيل مضامين الشخصيّة التونسيّة . يكفي أن ننظر في العهود الباياتيّة (نسبة لعهود البايات في المملكة التونسيّة)حتّى نتأكّد حجم التّدمير الذّي أصاب الشخصيّة التونسيّة وما رافق ذلك من اذلال واهانة للإنسان التونسي حتّى نتأكّد من أنّ جذور الشخصيّة التونسيّة هيّ جذور ضاربة في التّاريخ.
* ذكرتم أنّ الشخصيّة التونسيّة هيّ شخصيّة متوتّرة على عكس الشخصيّة المصريّة الفهلويّة، فهل هيّ كذلك؟
* من شأن التّدمير المنظّم الذّي تعرّضت له الشخصيّة القاعديّة التونسيّة ابّان عهد البايات وابّان مرحلة الإستقلال من شأنه أن يدمّر هذه الشخصيّة وأن يذلّها بشكل أساسيّ وأن يمنع قدرتها على التّأثير الإيجابي وعلى الفعل التّغييري، نعم لقد ساعد الاستقلال على تحقيق مكاسب مهمّة ولكنّه في الآن نفسه أنتج نتائج سلبيّة عديدة من بينها اذلال الإنسان التونسي وتدمير شخصيّته.
* هل فعلا الشخصيّة التونسيّة شخصيّة غير منتجة أم أنّ هناك عوامل سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة قد حالت دون ذلك؟
*هناك عديد الدّراسات النفسيّة والتاريخيّة التّي تؤكّد أنّ هذه الشخصيّة غير منتجة أو هيّ تحديدا قليلة الإنتاج . فمثل هذا الاستنتاج نلمسه في عديد مواقع الانتاج ولكن خاصّة في الجامعة حيث نلاحظ عدم اقبال الأجيال على الجهد والمطالعة ومواكبة الإنتاج الفكري في مجال العلوم الإنسانيّة وعدم الرّغبة في الاستزادة من المعرفة . وهذا أمر محيّر ولافت للانتباه ويجدر بنا أن نحلّله لنفهم أسبابه.
* لمسنا في هذا الكتاب تركيزكم على جملة من السلبيّات بلغت حدّ إعطاء نظرة سوداويّة على الواقع الأكاديمي في تونس، فهل بعرضكم هذا تعطون إشارة واضحة لقارئ هذا الكتاب بأنّ الفساد في تونس المعاصرة بلغ حدّا من الصّعب إصلاحه ؟
*لا شكّ لدينا أنّ الجامعة التونسيّة تعيش معضلات حقيقيّة وتواجه صعوبات متعدّدة ونفذ إليها الفساد حتّى وإن بقي محدودا وقليل الأهميّة ولكن تتوجّب الإشارة إلى أنّ الجامعة التونسيّة تعيش فقرا في الإنتاج العلمي وفقرا في مستوى العلاقات الإنسانيّة الأمر الذّي يدعو إلى ضرورة مراجعة هذا الواقع.
*ذكرتم في هذا الأثر أنّ الشخصيّة التونسيّة شخصيّة تسربيّة بمعنى أنّها غير حافظة للأسرار فهل هناك تفسير نفسيّ سوسيولوجي لهذه الصّفة غير السويّة ؟
* ما تزال العلاقات الإنسانيّة في بلدنا علاقات قبليّة وعروشيّة وجهويّة ونفعويّة وذاتيّة ولهذا لا يمكن للفرد أن يحفظ الأسرار وهوّ يفشيها من باب الأخذ في الاعتبار هذه العوامل والمتغيّرات الاجتماعيّة والثقافيّة، كما يجب أن نشير إلى أنّ الشّعور السّائد لدى التونسيّين بأنّ الأمور غير مشروعة ولهذا يجوز أن نفعل كلّ ما نريد فعله، فعندما تختفي مشروعيّة الأمور، تفقد الأسرار قيمتها وأن يتمّ ابلاغها للمعنيّين بالأمر في دقائق وهذه مشكلة فعليّة حينما تكون الشخصيّة القاعديّة غير حريصة على صيّانة الأسرار والحفاظ عليها.
*هل تعتقد معي أنّ الشخصيّة التونسيّة بالمواصفات التّي ذكرتها وخاصّة في الجزء الثّاني غير قادرة على بناء المواطنة الحقّة ؟
*لا أدري ولكن يبدو لي أنّ هناك حاجّة ماسّة إلى إعادة بناء الشخصيّة التونسيّة وإلى التّركيز على مضامين جديدة وعلى ثقافة جديدة وعلى قيّم جديدة، فلا بدّ من تغيير مضمونها الكامل حتّى تتلاءم مع مقتضيات هذا القرن الذّي نعيشه.
*ما هيّ السّبل الكفيلة التّى تقطع مع الزبونيّة؟
*تقتضي القطيعة مع الزبونيّة احترام القوانين والحرص على تنفيذها بغضّ النّظر عن كلّ الظّروف والمعطيات وخاصّة التّركيز على شرط الاقتدار والحرص على اعطائه صفة الأولويّة.
* ألا ترى معي أنّ الثّورات العربيّة هيّ إيذان بعصر جديد يمكن تسميّته بعصر الجماهير التّي تريد فرض ارادتها؟
*ما يحصل الآن هوّ تغيير نوعيّ في المنطقة العربيّة ويؤشّر إلى مرحلة جديدة من التّغيير النوعيّ والاستثنائي ولكن، لديّ احساس بأنّ الغرب بدأ يلتفّ على هذه الثّورات وبدأ يعمل بجديّة على تسخيرها لفائدة أغراضه واستراتيجيّاته فما يجب أن نتّفق عليه أنّ الغرب لن يترك هذه الثّورات تذهب بعيدا في تحقيق أهدافها فهوّ سيعمل للحدّ من نتائجها والإبقاء عليها تدور في فلكه من خلال المديونيّة وإغراق الشّعوب في الدّيون الخارجيّة فمن المعلوم أنّ من يتحكّم في التنميّة يتحكّم في استقلاليّة القرار السيّاسي، إنّ هذه الخشية ليست وهميّة وإنّما هيّ فعليّة وجديّة.
*أفهم من كلامكم أنّكم مع وضع برنامج لبناء الشخصيّة التونسيّة من جديد وفقا لقيّم جديدة ؟
*كنت واضحا في الكتاب في التّأكيد على أنّ هذه الشخصيّة القاعديّة بكلّ نقائصها لا يمكن أن تكون ملائمة للقرن 21 وإنّما هيّ بحاجة إلى مراجعة جذريّة من حيث مضامينها وأنماطها التنشئويّة داخل الأسرة والإعلام والبيئة والشّارع والمدرسة والحزب والجمعيّة ...
وإذا كنّا نريد فعلا أن ننجح في هذا القرن عليّنا أن نعمل على إعادة بناء هذه الشخصيّة لتكون شخصيّة مقدّسة للعمل والجهد وحريصة على الإنتاج وعلى حماية حقوقها ومكتسباتها والقيّام بواجباتها .
حاوره: عبدالرّحمان المرساني
وهيّ دراسة حاول صاحبها المختصّ في علم الاجتماع الثّقافي والسيّاسي والأستاذ بالجامعة التونسيّة تسليط الأضواء على الخصائص المميّزة لهذه الشخصيّة وجملة السلبيّات المتعلّقة بالتّنشئة الإجتماعيّة والثقافيّة والسياسيّة والرّواسب التاريخيّة التّي جعلت من هذه الشخصيّة غير قادرة بكلّ مكوّناتها أن تتكيّف مع متطلّبات القرن الذّي نعيشه اليوم، ممّا يستدعي ضرورة إعادة بناء هذه الشخصيّة بالتّركيز على أدوارها ومراتبها داخل الأسرة والشّارع والبيئة والمدرسة والحزب والجمعيّة والإعلام، وبإيجاد الحوافز الكفيلة بجعلها شخصيّة منتجة ومحافظة على قيّمها ومكتسباتها غير مدّخرة لأيّ جهد في القيّام بواجباتها .
وبتصفّحنا لسيرة الدّكتور المنصف ونّاس الأستاذ والباحث والمدرّس بالجامعة التونسيّة الذّي تتلمذت على يديه أجيال متعاقبة من علماء الاجتماع الشبّان، نلمس دون عناء سعيه من خلال بحوثه للاهتمام بسوسيولوجيا الدّولة والمجتمع المدني والنّخبة الثقافيّة والسياسيّة والاقتصاديّة، وقد ألّف في هذا المجال العديد من الكتب والمقالات باللّغتين العربيّة والفرنسيّة لعلّ أهمّها :
ـ الدّولة والمسألة الثقافيّة في تونس، بيروت 1988
ـ الدّولة والمسألة الثقافيّة في المغرب العربي، تونس 1996
ـ الخطاب العربي، تونس 1992
ـ المقاولون الجدد في ليبيا (1988ـ 2009) المغرب الأقصى 2010
وحول موضوع الشخصيّة التونسيّة مدار اهتمام هذا الكتاب كان لنا هذا اللّقاء معه:
* كيف تقدّمون كتابكم لقرّاء 'القدس العربي'؟
*أعتبر بأنّ هذا الكتاب هوّ محاولة في فهم الشخصيّة القاعديّة التونسيّة .فاللاّفت للانتباه من الناحيّة العلميّة أنّ هذه الشخصيّة لم تدرس تقريبا البتّة دراسة علميّة على الرّغم من أهميّة هذا المشروع وعلى الرّغم من أهميّة انجازه لنفهم محطّات تشكّل هذه الشخصيّة البارزة مثلما فعل ذلك حامد عمّار في مصر وعليّ الوردي في العراق.
* هناك تصدير في الفصل الأوّل لمقولة مأخوذة من كتاب الأمير 'لمكيافيلي' تقول كالتّالي: 'المجتمع الفاسد هوّ الذّي لا يستطيع فيه الأفراد ممارسة حريّاتهم' :فما مدى انطباق هذه المقولة على المجتمع التونسي الذّي يتجاوز عمره 50 سنة من الإستقلال؟
*لقد أثّر الاستبداد والقمع اللّذان عرفتهما تونس على امتداد 56 سنة، أثّرا في بنيّة الشخصيّة القاعديّة التونسيّة وعمّقا ما فيها من انطواء على الذّات وعدم قدرة على المواجهة وعدم رغبة في الفعل وهذا أمر يجب الانتباه إليه . ولهذا ساعدت عقود الاستقلال على تشكّل شخصيّة مفرطة في الواقعيّة ومهادنة وغير حريصة على المواجهة بدليل أنّ مقاومة الاستبداد والقمع كانت مقاومة محدودة وضئيلة قيّاسا بمجتمعات أخرى، أنا أعتقد بأنّ القرون الخمسة الأخيرة من تاريخ تونس ساعدت مساعدة كبيرة على تشكّل الشخصيّة التونسيّة وعلى ابراز ملامحها الرئيسيّة، فهيّ شخصيّة لا تحبّذ كثيرا المواجهة وتلتفّ على الظّواهر وتفضّل أن تحتسب الأمور بكيفيّة تضمن لها المكاسب وتجنّبها الخسائر. وهيّ صفة على درجة من العقلانيّة ولكنّها تفضي بطول الوقت إلى بروز شخصيّة واقعيّة ومهادنة ومتقبّلة للأمور.
* اشتغلتم في هذا الكتاب على الشخصيّة القاعديّة التونسيّة، فما هيّ ملامحها وحدود التّعويل عليها في مجابهة التحديّات ؟
*مثل ما أسلفت القول، فهذه الشخصيّة تتّسم بالمرونة والقدرة على الإندماج وبالقدرة على الانصهار السّريع والتّجاوب مع الوضعيّات المختلفة ولكنّ هذه الإيجابيّات تترافق في الآن نفسه مع نقائص عديدة . فهذا الحرص على الاندماج يترافق مع واقعيّة قصوى وتغليب المصلحة الذاتيّة على المصلحة الجماعيّة واعطاء الأولويّة للمكسب الشّخصي على مكاسب أخرى . وهذا يؤدّي بالضّرورة إلى التّنازل وإلى سرعة القبول للآخر ومهادنة الحاكم وتجنّب مواجهته . ولديّ فرضيّة أشتغل عليها منذ سنوات وهيّ أنّ مثل هذه الشخصيّة لا يمكن إلاّ أن تشجّع المهادنة والقبول السّريع بالواقع وتجنّب مجابهته على الرّغم ممّا فيه من عيوب ونقائص وسلبيّات . وأمّا الفرضيّة الثانيّة فتتمثّل في أنّ هذه الشخصيّة على ما فيها من نقائص لا يمكن التّعويل عليها من أجل مجابهة تحديّات القرن 21 . فلا بدّ من اعادة بنائها بناء جديدا وتطويرها بما يتلاءم مع مقتضيات هذا القرن.
*لاحظنا خاصّة في الفصل الأوّل تركيزكم على التّاريخ في تحليل مراحل تشكّل الشخصيّة القاعديّة التونسيّة، فهل أنّ المراحل التاريخيّة التّي ذكرتموها قد أسهمت في تشكّل الشخصيّة القاعديّة التونسيّة ؟
لا شكّ في ذلك أنّ التّاريخ التّونسي القديم والحديث والمعاصر قد أدّى دورا مهمّا في تشكيل مضامين الشخصيّة التونسيّة . يكفي أن ننظر في العهود الباياتيّة (نسبة لعهود البايات في المملكة التونسيّة)حتّى نتأكّد حجم التّدمير الذّي أصاب الشخصيّة التونسيّة وما رافق ذلك من اذلال واهانة للإنسان التونسي حتّى نتأكّد من أنّ جذور الشخصيّة التونسيّة هيّ جذور ضاربة في التّاريخ.
* ذكرتم أنّ الشخصيّة التونسيّة هيّ شخصيّة متوتّرة على عكس الشخصيّة المصريّة الفهلويّة، فهل هيّ كذلك؟
* من شأن التّدمير المنظّم الذّي تعرّضت له الشخصيّة القاعديّة التونسيّة ابّان عهد البايات وابّان مرحلة الإستقلال من شأنه أن يدمّر هذه الشخصيّة وأن يذلّها بشكل أساسيّ وأن يمنع قدرتها على التّأثير الإيجابي وعلى الفعل التّغييري، نعم لقد ساعد الاستقلال على تحقيق مكاسب مهمّة ولكنّه في الآن نفسه أنتج نتائج سلبيّة عديدة من بينها اذلال الإنسان التونسي وتدمير شخصيّته.
* هل فعلا الشخصيّة التونسيّة شخصيّة غير منتجة أم أنّ هناك عوامل سياسيّة واقتصاديّة واجتماعيّة وثقافيّة قد حالت دون ذلك؟
*هناك عديد الدّراسات النفسيّة والتاريخيّة التّي تؤكّد أنّ هذه الشخصيّة غير منتجة أو هيّ تحديدا قليلة الإنتاج . فمثل هذا الاستنتاج نلمسه في عديد مواقع الانتاج ولكن خاصّة في الجامعة حيث نلاحظ عدم اقبال الأجيال على الجهد والمطالعة ومواكبة الإنتاج الفكري في مجال العلوم الإنسانيّة وعدم الرّغبة في الاستزادة من المعرفة . وهذا أمر محيّر ولافت للانتباه ويجدر بنا أن نحلّله لنفهم أسبابه.
* لمسنا في هذا الكتاب تركيزكم على جملة من السلبيّات بلغت حدّ إعطاء نظرة سوداويّة على الواقع الأكاديمي في تونس، فهل بعرضكم هذا تعطون إشارة واضحة لقارئ هذا الكتاب بأنّ الفساد في تونس المعاصرة بلغ حدّا من الصّعب إصلاحه ؟
*لا شكّ لدينا أنّ الجامعة التونسيّة تعيش معضلات حقيقيّة وتواجه صعوبات متعدّدة ونفذ إليها الفساد حتّى وإن بقي محدودا وقليل الأهميّة ولكن تتوجّب الإشارة إلى أنّ الجامعة التونسيّة تعيش فقرا في الإنتاج العلمي وفقرا في مستوى العلاقات الإنسانيّة الأمر الذّي يدعو إلى ضرورة مراجعة هذا الواقع.
*ذكرتم في هذا الأثر أنّ الشخصيّة التونسيّة شخصيّة تسربيّة بمعنى أنّها غير حافظة للأسرار فهل هناك تفسير نفسيّ سوسيولوجي لهذه الصّفة غير السويّة ؟
* ما تزال العلاقات الإنسانيّة في بلدنا علاقات قبليّة وعروشيّة وجهويّة ونفعويّة وذاتيّة ولهذا لا يمكن للفرد أن يحفظ الأسرار وهوّ يفشيها من باب الأخذ في الاعتبار هذه العوامل والمتغيّرات الاجتماعيّة والثقافيّة، كما يجب أن نشير إلى أنّ الشّعور السّائد لدى التونسيّين بأنّ الأمور غير مشروعة ولهذا يجوز أن نفعل كلّ ما نريد فعله، فعندما تختفي مشروعيّة الأمور، تفقد الأسرار قيمتها وأن يتمّ ابلاغها للمعنيّين بالأمر في دقائق وهذه مشكلة فعليّة حينما تكون الشخصيّة القاعديّة غير حريصة على صيّانة الأسرار والحفاظ عليها.
*هل تعتقد معي أنّ الشخصيّة التونسيّة بالمواصفات التّي ذكرتها وخاصّة في الجزء الثّاني غير قادرة على بناء المواطنة الحقّة ؟
*لا أدري ولكن يبدو لي أنّ هناك حاجّة ماسّة إلى إعادة بناء الشخصيّة التونسيّة وإلى التّركيز على مضامين جديدة وعلى ثقافة جديدة وعلى قيّم جديدة، فلا بدّ من تغيير مضمونها الكامل حتّى تتلاءم مع مقتضيات هذا القرن الذّي نعيشه.
*ما هيّ السّبل الكفيلة التّى تقطع مع الزبونيّة؟
*تقتضي القطيعة مع الزبونيّة احترام القوانين والحرص على تنفيذها بغضّ النّظر عن كلّ الظّروف والمعطيات وخاصّة التّركيز على شرط الاقتدار والحرص على اعطائه صفة الأولويّة.
* ألا ترى معي أنّ الثّورات العربيّة هيّ إيذان بعصر جديد يمكن تسميّته بعصر الجماهير التّي تريد فرض ارادتها؟
*ما يحصل الآن هوّ تغيير نوعيّ في المنطقة العربيّة ويؤشّر إلى مرحلة جديدة من التّغيير النوعيّ والاستثنائي ولكن، لديّ احساس بأنّ الغرب بدأ يلتفّ على هذه الثّورات وبدأ يعمل بجديّة على تسخيرها لفائدة أغراضه واستراتيجيّاته فما يجب أن نتّفق عليه أنّ الغرب لن يترك هذه الثّورات تذهب بعيدا في تحقيق أهدافها فهوّ سيعمل للحدّ من نتائجها والإبقاء عليها تدور في فلكه من خلال المديونيّة وإغراق الشّعوب في الدّيون الخارجيّة فمن المعلوم أنّ من يتحكّم في التنميّة يتحكّم في استقلاليّة القرار السيّاسي، إنّ هذه الخشية ليست وهميّة وإنّما هيّ فعليّة وجديّة.
*أفهم من كلامكم أنّكم مع وضع برنامج لبناء الشخصيّة التونسيّة من جديد وفقا لقيّم جديدة ؟
*كنت واضحا في الكتاب في التّأكيد على أنّ هذه الشخصيّة القاعديّة بكلّ نقائصها لا يمكن أن تكون ملائمة للقرن 21 وإنّما هيّ بحاجة إلى مراجعة جذريّة من حيث مضامينها وأنماطها التنشئويّة داخل الأسرة والإعلام والبيئة والشّارع والمدرسة والحزب والجمعيّة ...
وإذا كنّا نريد فعلا أن ننجح في هذا القرن عليّنا أن نعمل على إعادة بناء هذه الشخصيّة لتكون شخصيّة مقدّسة للعمل والجهد وحريصة على الإنتاج وعلى حماية حقوقها ومكتسباتها والقيّام بواجباتها .
حاوره: عبدالرّحمان المرساني
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق