في مقدمة كتابه القيم: 'نقض الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية' (إصدارات مجلة 'البيان')، يشير الدكتور محمد أحمد علي مفتي إلى أن الديمقراطية أضحت القاسم المشترك بين كل المفكرين السياسيين من مختلف المشارب، وحتى بعض رموز التيار الإسلامي، لإضفاء الشرعية على مفاهيم كل تيار فكري، ولترسيخ السلطة وإضفاء شرعية جديدة على بعض ممارساتها السياسية، تدعي الأنظمة السياسية أنها تنتهج الديمقراطية وتنادي بها لتحقيق القبول الجماهيري.
في الفصل الأول، يعرف الباحث الديمقراطية، بأنها كلمة يونانية قديمة تعني حكم الشعب، ويقسم تعريفاتها إلى ثلاثة أقسام : تعريف معياري كلاسيكي، تعريف إجرائي، وآخر إيديولوجي.
يبنى التعريف الأول على قاعدة (الخير العام) و(الإرادة العامة) التي تدفع الأفراد نحو المشاركة الشعبية في الحكم، وينقسم أرباب هذه المدرسة إلى فرديين وجماعيين. يركز الفرديون على الفرد، ويجعلون الحرية أهم قيمة اجتماعية، وينصب تحليلهم على حقوق الأفراد الطبيعية الثابتة، التي تسبق وجود الدولة، وتجعل مهمتها الحفاظ على حرية الأفراد وحقوقهم الطبيعية، ويركز الجماعيون على رفاهية الجماعة، ويهتمون بالمساواة، ومفهوم الإرادة العامة والخير العام. ويشترك الاتجاهان في المفاهيم الأساسية، التي يدعون إليها، كالسيادة الشعبية وحكم الشعب للشعب، وافتراض الأفراد خيرين وعقلانيين بطبعهم، قادرين على اختيار نظام الحياة المناسب لهم.
ومن الانتقادات الموجهة للمفهوم الكلاسيكي للديمقراطية:
- أن الشعب لا يستطيع أن يحكم نفسه، فالواقع الملموس يناقض ذلك المفهوم.
- قاعدتا الإرادة العامة والخير العام غير واقعيتين، فلا يوجد خير عام متفق عليه يشمل كل أفراد المجتمع.
- مفهوم القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية لا يمكن إثباته تاريخيا ولا إخضاعه للاختبار، وهذه الحقوق الطبيعية تصور ذهني لا علاقة له بالواقع التاريخي ارتبط بالعلمانية، التي جعلت الطبيعة المرتكز الأساس للحقوق والواجبات في المجتمع، بعد أن تم عزل 'الله' عن التدخل في شؤون الناس، وإنكار وجود قوانين إلهية تنظم تلك الحقوق.
- وجود تناقض بين الحرية والمساواة، فإذا كان الناس أحرارا فهذا يعني أنهم ليسوا متساوين، وإن فرضت عليهم المساواة، فهذا يعني أن حريتهم قد سلبت منهم.
- عدم واقعية فكرة عقلانية الأفراد، لأن الفرد يعتمد في رؤيته السياسية للأشياء على دوافعه الداخلية أكثر من النزعة العقلانية المجردة.
أما التعريف الإجرائي فيعتبر الديمقراطية طريقة معينة لاتخاذ القرارات، يمكن أن تبنى على أي نسق سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، كالديمقراطية الرأسمالية والديمقراطة الاشتراكية، ويؤكد الإجرائيون أن الديمقراطية توجد إذا توفرت لها عدة شروط كالانتخابات الدورية، التعددية السياسية، المنافسة، المشاركة السياسية، وهي الأسس العامة للديمقراطية الليبرالية، ومن الانتقادات الموجهة لهذه النظرية أنها تحصر الديمقراطية في انتخابات دورية، وينحصر دور المواطنين في اختيار النخبة وتمكنيها من الحكم، ثم إغفالها تحليل البعد الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، كما أن اختزال الديمقراطية في الانتخابات يفرغها من محتواها، فهناك أنظمة يقوم فيها الأفراد باختيار الحكام دون أن تكون ديمقراطية.
ووفقا للتعريف الإيديولوجي، تعد الديمقراطية نمط عيش ينبثق من طراز ذهني مبني على عدة افتراضات، كالإحساس الدائم بالرغبة في التغيير؛ الديمقراطي هو الإنسان القادر على تعديل أوضاع حياته وأفكاره حسب المتغيرات الاجتماعية، والمجتمع الديمقراطي لا يتبنى منظورا أحاديا (عقائديا أو أخلاقيا) للوحدة الاجتماعية. الديمقراطية تبنى على المنظور العلماني التعددي للمجتمع، وجوهر النظرية الديمقراطية يكمن في تقبل أفكار الآخرين مهما كانت، وتشجيع الناس على تطوير أفكارهم الدينية. والتعدد وإمكانية الاختلاف العقيدي شرطان مسبقان لقيام مجتمع ديقراطي، يكفل حرية التدين للجميع.
ويخلص الباحث إلى أن الديمقراطية نظام للحياة قائم على حيادية الدولة اتجاه القيم الدينية والأخلاقية، للأفراد الحق في اعتناق ما شاؤوا دون تدخل أحد من أحد؛ إنها نظام علماني قائم على قاعدة حيادية الدولة اتجاه العقيدة، وقاعدة سيادة الأمة المترتبة عليها، والتي تعني حق الأمة في تبني نظام الحياة التي تراه مناسبا.
' ' '
في الفصل الثاني يعالج الكاتب مفهوم سيادة الأمة، الذي يعد المرتكز الأساس للنظرية الديمقراطية، فالشعب في النظام الديمقراطي هو صاحب السيادة ومصدر السلطات. ولانعدام قواعد عقيدية أو فكرية تميز الباطل عن الحق، لا يحدد الفكر الديمقراطي الغربي ثوابت منطقية عقلانية للغايات الاجتماعية خارج إطار الاختيار الفردي، لذا تخضع غايات الفرد لرغباته وتتغير بتغير حاجاته الأساسية. ويرفض الباحث أطروحة أن ما تقرره الأغلبية يمثل الحق والعدل لمجرد صدوره من الأغلبية لعدة أسباب، منها أن هذا التوجه يضفي قداسة وعصمة على رأي الأغلبية فقط، والمصلحة تتغير بتغير نظرة الأفراد إلى الأشياء، فضلا عن تنازل الأفراد للأغلبية المسيطرة، وبالتالي الخضوع لتشريع قد يكون مغايرا لقناعات ومعتقدات الأفراد، بينما عصمة الأغلبية وصحة آرائها لا يصلح في المجتمعات الإسلامية، لأن المسلم ملتزم باتباع الشرع وليس قبول رأي الأغلبية، وهذه الأغلبية لا تعني أغلبية سكان الدولة، مما يعني أن السيطرة على شؤون الدولة بيد الأقلية، وهو ما يتعارض والنظرية الديمقراطية، وفي الأنظمة الغربية تحكم النخبة، وهي أقلية تتحكم في الموارد الطبيعية ومصادر الثروة والقوة، وتسعى تلك الأقلية إلى ترسيخ مصالحها ومزاياها الاجتماعية عن طريق مؤسسات اجتماعية، مما يتعارض والمعنى الحرفي للديمقراطية، التي تعني حكم الشعب وليس النخب، وهناك من دافع عن هذه الديمقراطية النخبوية، لأن وجود نخبة مثقفة تدير دفة الحكم يحول دون طغيان الأغلبية الدهماء. ويطرح حكم الأغلبية تساؤلا منهجيا مشروعا، وهو : ماذا لو قررت هذه الأغلبية التخلي عن الديمقراطية واللجوء إلى الدكتاتورية؟ ومتى يمكن الرجوع للأمة بأسرها وإلغاء دور الأغلبية؟...
ويختم الكاتب هذا الفصل بتحريم تبني الديمقراطية شرعا، لأن ربط السيادة بالأمة يجعل لها حق تبني نظام الحياة السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مما يجعل النظام الديمقراطي يقف طرف نقيض مع النظام الإسلامي، والحكم بقوانين وضعية يخرج الدولة عن مقتضى الشرع الإسلامي.
' ' '
في فصل 'الديمقراطية والحل الوسط'، يتطرق الدكتور محمد مفتي إلى مفهوم الحل الوسط، الذي يثير مشكلة في الحياة السياسية حين ترتبط دوافع السلوك بالالتزام العقائدي، حيث يلجأ الفرد إلى التعصب نحو الآخرين، الذين لا يشاركونه توجهاته العقائدية، وإذا كان الحل الوسط وسيلة لحل النزاعات في ظل النظام الديمقراطي، وذلك بإرضاء الأطراف المتنازعة عن طريق تقديم التنازلات المتبادلة، فالديمقراطية تتعارض والالتزام العقائدي، لأنها تفصل العقيدة عن الممارسة السياسية، التي لا تخضع لمقياس الحلال والحرام.
ويخلص الدكتور مفتي إلى أن مفهوم الحل الوسط باطل شرعا، لأنه في الدولة الشرعية لا يصح جعل الحل الوسط قاعدة لحل المشكلات، ويرى أن الاستعمار أخضع البلاد العربية والإسلامية للتبعية الفكرية للغرب، ومن ثم فرض الرأسمالية العلمانية والديمقراطية كأفكار يتصدى بها المسلم للخطر الشيوعي، ومعالجة مشاكل كل جوانب الحياة، فسادت ممارسات كثيرة تتكئ على 'الحل الوسط' وهو ما خلق ازدواجية في المفاهيم والمشاعر والسلوك عند الكثير من المسلمين، وصار هناك من يعلن أنه يدين بالإسلام ويتبنى العلمانية في نفس الوقت، وصار الإسلام ديمقراطيا عند الديمقراطيين واشتراكيا عند الاشتراكيين، حتى غيّبت أحكام الإسلام ومفاهيمه المعالجة للواقع.
' ' '
في مستهل مبحث 'الحرية والتعددية السياسية'، يشير الكاتب إلى تعدد تعاريف الحرية، فالليبراليون يؤكدون أنها تتمثل في غياب القيود الخارجية أو التدخل من طرف الآخرين في الشؤون الخاصة، ويدعون إلى إطلاق الحرية الفردية والحد من تدخل الدولة في النشاطات الإبداعية للفرد، وله أن يتمتع بحريته التامة، قانونيا واجتماعيا، ويفعل ما يراه ويتحمل ما يترتب عليه من نتائج، ويصبح للمجتمع الحق في التدخل في سلوك الفرد إذا أثر تصرفه على مصالح الآخرين.
وتعرف المدرسة الجمهورية الحرية من خلال ربطها بالتنظيم السياسي، فيصير الإنسان حرا حين يعيش في جماعة سياسية حرة، وتكون الجماعة حرة حين يحكمها الشعب، ويصبح المرء سيد نفسه، وهذه هي الحرية التي بنيت عليها فكرة الديمقراطية الغربية، ومن مظاهر الحرية السياسية حرية الرأي وحرية العقيدة، وحرية الرأي أساس 'التعدية السياسية' في الفكر الديمقراطي الغربي، وهو ما فرض الدعوة إلى احترام الرأي الآخر، والاعتراف بالتنوع والاختلاف في العقائد والمصالح والرؤى، وبالتالي التعايش بين تيارات سياسية مختلفة الآراء، من منطلق حرية الرأي للجميع.
والحرية بمفهومها الليبرالي- حسب الكاتب- تتناقض والنظرة الإسلامية القائمة على الخضوع لأحكام الشرع، والمجتمع المسلم محكوم بعقيدة لا تجيز تعدد دوائر الانتماء القائم على إعطاء كل الناس الحق ذاته في الدعوة إلى ما يدعون إليه، مهما كانت أفكارهم ومعتقداتهم، لأن الدولة الإسلامية قائمة على سيادة الشرع.
' ' '
يستهل الدكتور مفتي الفصل الأخير 'المسلمون والديمقراطية' بالحديث عن تغلغل الديمقراطية بفضل دعوات كتاب ومفكرين مسلمين إلى تبنيها، بدعوى أنها لا تعارض الشريعة الإسلامية، منهم يوسف القرضاوي، الذي ربط بين تبني الديمقراطية وتبني الوسائل والأساليب، معتبرا جوهر الديمقراطية من صميم الإسلام، ويشير الباحث إلى أن عدة جماعات إسلامية جديدة أقرت الديمقراطية كمنهج عمل سياسي، فجماعة 'الإخوان المسلمون' بمصر تبنت المفاهيم الديمقراطية، التي تؤكد المشاركة السياسية والتعددية الحزبية والنظام النيابي، بينما أكد حزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن تمسكه بالديمقراطية، الدفاع عن الحريات وإقرار التعددية السياسية.
ودعا عدة كتاب ومفكرين إلى إقرار الاختلاف بين الشرائح الاجتماعية، لأنه يضفي مشروعية على العمل السياسي، كفهمي هويدي، محمد عمارة، محمد سليم العوا وآخرين، وأجمعوا على ضرورة تكيف الحركة الإسلامية مع واقع المجتمع التعددي، المبني على وجود تيارات سياسية مختلفة، تتنافس لكسب أصوات الناخبين، ويدعو القرضاوي تلك الحركات في حالة فوزها في الانتخابات، وتسلمها السلطة إلى احترام الاختلاف والتعدد، وألا تحظر العمل على باقي التيارات، حتى لا تضيّع من اختاروها وأيدوها، وعدم خشية الأفكار المخالفة للإسلام، وعدم التفريط في التربية والعدل وإقناع الناس، حتى تستطيع البقاء وتحوز على ثقة الناخب.
وحث عدة كتاب على ضرورة المشاركة السياسية في الأنظمة المعاصرة، لتحقيق أهداف الحركة الإسلامية، خاصة المشاركة في البرلمانات، وبعضهم جعل الديمقراطية مطلبا شرعيا، يمكن من خلاله استئناف الحياة الإسلامية، رابطين الديمقراطية بالنظام السياسي الإسلامي، ممارسين الانتقائية في فهم وتطبيق الديمقراطية، مما أدى إلى خلل في المفاهيم عند أولئك الكتاب، ويستشهد الباحث بحيدر علي الذي انتقد الديمقراطية الإجرائية، التي يقبلها الإسلاميون رغم رفضهم للفلسفة التي تقوم عليها كنظام للحياة، ويبدو له اختزال الديمقراطية في الانتخابات والمشاركة يقدم نظرة ناقصة لها، فالصيغة الإسلامية للديمقراطية (الديمقراطية الإسلامية) مطالبة بتكييف نفسها مع ثوابت عقيدية وتحريمات ونواهٍ دينية قد تكون عوائق للديمقراطية الصحيحة، ويسوق نموذج الردة وحدّها القتل، وهو ما يتعارض مع حرية العقيدة، ويؤكد حيدر علي أن هناك مؤسسات وأجهزة يعيق وجودها قيام الديمقراطية، وتصطدم بالحريات الشخصية، مثل هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... ويخلص الباحث إلى أن الديمقراطية تقتضي 'علمنة العقول' ليس بقبول الآخرين فقط، وإنما بإلغاء المؤسسات الدعوية والأخلاقية، التي تتعارض والحريات الشخصية، مما يعني أن الديمقراطية ليست إجراءات شكلية تختزل في الانتخابات وتداول السلطة، وإنما هي نظام حياة قائم على النظرة الفردية للإنسان المستمدة من الفكر الليبرالي، والدولة الإسلامية لا تقوم على الحيادية الفكرية والعملية اتجاه التيارات السياسية المختلفة، وإنما دولة عقيدة، والتعددية السياسية والحزبية تتعارض معها، فوجود أحزاب علمانية أو شيوعية يتعارض والمجتمع الإسلامي، القائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينتقد المؤلفُ قول محمد عمارة ان الفقه الإسلامي لم يعالج ظاهرة التعددية الحزبية، فأجازها في الدولة الإسلامية، بأن 'الاجتهاد' في إجازة ما لم يجزه الشرع الإسلامي ليس اجتهادا، ويرى أن هذا الاجتهاد لون من ألوان مخالفة أحكام الشريعة، بإجازته قيام أحزاب مخالفة للشريعة الإسلامية.
وبخصوص مشاركة الإسلاميين في البرلمانات، يعتبر الباحث دخولهم البرلمان ليس انتصارا للمبدأ الإسلامي، إذ رغم اشتراكهم في البرلمان لا يطبق الإسلام في واقع الحياة، وقد يستغل وجودهم لإضفاء شرعية على عمل الدولة، ومن ثم الاستمرار في تعطيل شرع الله المنزل، والمشاركة البرلمانية تعزل العمل الإسلامي عن التأثير السياسي الجماهيري، وتفقد هذه المشاركة الحركة الإسلامية مصداقيتها المبدئية، بحيث تنظر إليها الجماهير على أنها تتاجر بالشعارات، كباقي التيارات السياسية المتنافسة، وأنها تسعى للوصول إلى الحكم 'بطريقة ميكافيللية'، تؤدي بها إلى التنازل عن المبادئ التي كانت تدعو إليها.
في الفصل الأول، يعرف الباحث الديمقراطية، بأنها كلمة يونانية قديمة تعني حكم الشعب، ويقسم تعريفاتها إلى ثلاثة أقسام : تعريف معياري كلاسيكي، تعريف إجرائي، وآخر إيديولوجي.
يبنى التعريف الأول على قاعدة (الخير العام) و(الإرادة العامة) التي تدفع الأفراد نحو المشاركة الشعبية في الحكم، وينقسم أرباب هذه المدرسة إلى فرديين وجماعيين. يركز الفرديون على الفرد، ويجعلون الحرية أهم قيمة اجتماعية، وينصب تحليلهم على حقوق الأفراد الطبيعية الثابتة، التي تسبق وجود الدولة، وتجعل مهمتها الحفاظ على حرية الأفراد وحقوقهم الطبيعية، ويركز الجماعيون على رفاهية الجماعة، ويهتمون بالمساواة، ومفهوم الإرادة العامة والخير العام. ويشترك الاتجاهان في المفاهيم الأساسية، التي يدعون إليها، كالسيادة الشعبية وحكم الشعب للشعب، وافتراض الأفراد خيرين وعقلانيين بطبعهم، قادرين على اختيار نظام الحياة المناسب لهم.
ومن الانتقادات الموجهة للمفهوم الكلاسيكي للديمقراطية:
- أن الشعب لا يستطيع أن يحكم نفسه، فالواقع الملموس يناقض ذلك المفهوم.
- قاعدتا الإرادة العامة والخير العام غير واقعيتين، فلا يوجد خير عام متفق عليه يشمل كل أفراد المجتمع.
- مفهوم القانون الطبيعي والحقوق الطبيعية لا يمكن إثباته تاريخيا ولا إخضاعه للاختبار، وهذه الحقوق الطبيعية تصور ذهني لا علاقة له بالواقع التاريخي ارتبط بالعلمانية، التي جعلت الطبيعة المرتكز الأساس للحقوق والواجبات في المجتمع، بعد أن تم عزل 'الله' عن التدخل في شؤون الناس، وإنكار وجود قوانين إلهية تنظم تلك الحقوق.
- وجود تناقض بين الحرية والمساواة، فإذا كان الناس أحرارا فهذا يعني أنهم ليسوا متساوين، وإن فرضت عليهم المساواة، فهذا يعني أن حريتهم قد سلبت منهم.
- عدم واقعية فكرة عقلانية الأفراد، لأن الفرد يعتمد في رؤيته السياسية للأشياء على دوافعه الداخلية أكثر من النزعة العقلانية المجردة.
أما التعريف الإجرائي فيعتبر الديمقراطية طريقة معينة لاتخاذ القرارات، يمكن أن تبنى على أي نسق سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي، كالديمقراطية الرأسمالية والديمقراطة الاشتراكية، ويؤكد الإجرائيون أن الديمقراطية توجد إذا توفرت لها عدة شروط كالانتخابات الدورية، التعددية السياسية، المنافسة، المشاركة السياسية، وهي الأسس العامة للديمقراطية الليبرالية، ومن الانتقادات الموجهة لهذه النظرية أنها تحصر الديمقراطية في انتخابات دورية، وينحصر دور المواطنين في اختيار النخبة وتمكنيها من الحكم، ثم إغفالها تحليل البعد الاجتماعي والاقتصادي للمجتمع، كما أن اختزال الديمقراطية في الانتخابات يفرغها من محتواها، فهناك أنظمة يقوم فيها الأفراد باختيار الحكام دون أن تكون ديمقراطية.
ووفقا للتعريف الإيديولوجي، تعد الديمقراطية نمط عيش ينبثق من طراز ذهني مبني على عدة افتراضات، كالإحساس الدائم بالرغبة في التغيير؛ الديمقراطي هو الإنسان القادر على تعديل أوضاع حياته وأفكاره حسب المتغيرات الاجتماعية، والمجتمع الديمقراطي لا يتبنى منظورا أحاديا (عقائديا أو أخلاقيا) للوحدة الاجتماعية. الديمقراطية تبنى على المنظور العلماني التعددي للمجتمع، وجوهر النظرية الديمقراطية يكمن في تقبل أفكار الآخرين مهما كانت، وتشجيع الناس على تطوير أفكارهم الدينية. والتعدد وإمكانية الاختلاف العقيدي شرطان مسبقان لقيام مجتمع ديقراطي، يكفل حرية التدين للجميع.
ويخلص الباحث إلى أن الديمقراطية نظام للحياة قائم على حيادية الدولة اتجاه القيم الدينية والأخلاقية، للأفراد الحق في اعتناق ما شاؤوا دون تدخل أحد من أحد؛ إنها نظام علماني قائم على قاعدة حيادية الدولة اتجاه العقيدة، وقاعدة سيادة الأمة المترتبة عليها، والتي تعني حق الأمة في تبني نظام الحياة التي تراه مناسبا.
' ' '
في الفصل الثاني يعالج الكاتب مفهوم سيادة الأمة، الذي يعد المرتكز الأساس للنظرية الديمقراطية، فالشعب في النظام الديمقراطي هو صاحب السيادة ومصدر السلطات. ولانعدام قواعد عقيدية أو فكرية تميز الباطل عن الحق، لا يحدد الفكر الديمقراطي الغربي ثوابت منطقية عقلانية للغايات الاجتماعية خارج إطار الاختيار الفردي، لذا تخضع غايات الفرد لرغباته وتتغير بتغير حاجاته الأساسية. ويرفض الباحث أطروحة أن ما تقرره الأغلبية يمثل الحق والعدل لمجرد صدوره من الأغلبية لعدة أسباب، منها أن هذا التوجه يضفي قداسة وعصمة على رأي الأغلبية فقط، والمصلحة تتغير بتغير نظرة الأفراد إلى الأشياء، فضلا عن تنازل الأفراد للأغلبية المسيطرة، وبالتالي الخضوع لتشريع قد يكون مغايرا لقناعات ومعتقدات الأفراد، بينما عصمة الأغلبية وصحة آرائها لا يصلح في المجتمعات الإسلامية، لأن المسلم ملتزم باتباع الشرع وليس قبول رأي الأغلبية، وهذه الأغلبية لا تعني أغلبية سكان الدولة، مما يعني أن السيطرة على شؤون الدولة بيد الأقلية، وهو ما يتعارض والنظرية الديمقراطية، وفي الأنظمة الغربية تحكم النخبة، وهي أقلية تتحكم في الموارد الطبيعية ومصادر الثروة والقوة، وتسعى تلك الأقلية إلى ترسيخ مصالحها ومزاياها الاجتماعية عن طريق مؤسسات اجتماعية، مما يتعارض والمعنى الحرفي للديمقراطية، التي تعني حكم الشعب وليس النخب، وهناك من دافع عن هذه الديمقراطية النخبوية، لأن وجود نخبة مثقفة تدير دفة الحكم يحول دون طغيان الأغلبية الدهماء. ويطرح حكم الأغلبية تساؤلا منهجيا مشروعا، وهو : ماذا لو قررت هذه الأغلبية التخلي عن الديمقراطية واللجوء إلى الدكتاتورية؟ ومتى يمكن الرجوع للأمة بأسرها وإلغاء دور الأغلبية؟...
ويختم الكاتب هذا الفصل بتحريم تبني الديمقراطية شرعا، لأن ربط السيادة بالأمة يجعل لها حق تبني نظام الحياة السياسي والاقتصادي والاجتماعي، مما يجعل النظام الديمقراطي يقف طرف نقيض مع النظام الإسلامي، والحكم بقوانين وضعية يخرج الدولة عن مقتضى الشرع الإسلامي.
' ' '
في فصل 'الديمقراطية والحل الوسط'، يتطرق الدكتور محمد مفتي إلى مفهوم الحل الوسط، الذي يثير مشكلة في الحياة السياسية حين ترتبط دوافع السلوك بالالتزام العقائدي، حيث يلجأ الفرد إلى التعصب نحو الآخرين، الذين لا يشاركونه توجهاته العقائدية، وإذا كان الحل الوسط وسيلة لحل النزاعات في ظل النظام الديمقراطي، وذلك بإرضاء الأطراف المتنازعة عن طريق تقديم التنازلات المتبادلة، فالديمقراطية تتعارض والالتزام العقائدي، لأنها تفصل العقيدة عن الممارسة السياسية، التي لا تخضع لمقياس الحلال والحرام.
ويخلص الدكتور مفتي إلى أن مفهوم الحل الوسط باطل شرعا، لأنه في الدولة الشرعية لا يصح جعل الحل الوسط قاعدة لحل المشكلات، ويرى أن الاستعمار أخضع البلاد العربية والإسلامية للتبعية الفكرية للغرب، ومن ثم فرض الرأسمالية العلمانية والديمقراطية كأفكار يتصدى بها المسلم للخطر الشيوعي، ومعالجة مشاكل كل جوانب الحياة، فسادت ممارسات كثيرة تتكئ على 'الحل الوسط' وهو ما خلق ازدواجية في المفاهيم والمشاعر والسلوك عند الكثير من المسلمين، وصار هناك من يعلن أنه يدين بالإسلام ويتبنى العلمانية في نفس الوقت، وصار الإسلام ديمقراطيا عند الديمقراطيين واشتراكيا عند الاشتراكيين، حتى غيّبت أحكام الإسلام ومفاهيمه المعالجة للواقع.
' ' '
في مستهل مبحث 'الحرية والتعددية السياسية'، يشير الكاتب إلى تعدد تعاريف الحرية، فالليبراليون يؤكدون أنها تتمثل في غياب القيود الخارجية أو التدخل من طرف الآخرين في الشؤون الخاصة، ويدعون إلى إطلاق الحرية الفردية والحد من تدخل الدولة في النشاطات الإبداعية للفرد، وله أن يتمتع بحريته التامة، قانونيا واجتماعيا، ويفعل ما يراه ويتحمل ما يترتب عليه من نتائج، ويصبح للمجتمع الحق في التدخل في سلوك الفرد إذا أثر تصرفه على مصالح الآخرين.
وتعرف المدرسة الجمهورية الحرية من خلال ربطها بالتنظيم السياسي، فيصير الإنسان حرا حين يعيش في جماعة سياسية حرة، وتكون الجماعة حرة حين يحكمها الشعب، ويصبح المرء سيد نفسه، وهذه هي الحرية التي بنيت عليها فكرة الديمقراطية الغربية، ومن مظاهر الحرية السياسية حرية الرأي وحرية العقيدة، وحرية الرأي أساس 'التعدية السياسية' في الفكر الديمقراطي الغربي، وهو ما فرض الدعوة إلى احترام الرأي الآخر، والاعتراف بالتنوع والاختلاف في العقائد والمصالح والرؤى، وبالتالي التعايش بين تيارات سياسية مختلفة الآراء، من منطلق حرية الرأي للجميع.
والحرية بمفهومها الليبرالي- حسب الكاتب- تتناقض والنظرة الإسلامية القائمة على الخضوع لأحكام الشرع، والمجتمع المسلم محكوم بعقيدة لا تجيز تعدد دوائر الانتماء القائم على إعطاء كل الناس الحق ذاته في الدعوة إلى ما يدعون إليه، مهما كانت أفكارهم ومعتقداتهم، لأن الدولة الإسلامية قائمة على سيادة الشرع.
' ' '
يستهل الدكتور مفتي الفصل الأخير 'المسلمون والديمقراطية' بالحديث عن تغلغل الديمقراطية بفضل دعوات كتاب ومفكرين مسلمين إلى تبنيها، بدعوى أنها لا تعارض الشريعة الإسلامية، منهم يوسف القرضاوي، الذي ربط بين تبني الديمقراطية وتبني الوسائل والأساليب، معتبرا جوهر الديمقراطية من صميم الإسلام، ويشير الباحث إلى أن عدة جماعات إسلامية جديدة أقرت الديمقراطية كمنهج عمل سياسي، فجماعة 'الإخوان المسلمون' بمصر تبنت المفاهيم الديمقراطية، التي تؤكد المشاركة السياسية والتعددية الحزبية والنظام النيابي، بينما أكد حزب جبهة العمل الإسلامي بالأردن تمسكه بالديمقراطية، الدفاع عن الحريات وإقرار التعددية السياسية.
ودعا عدة كتاب ومفكرين إلى إقرار الاختلاف بين الشرائح الاجتماعية، لأنه يضفي مشروعية على العمل السياسي، كفهمي هويدي، محمد عمارة، محمد سليم العوا وآخرين، وأجمعوا على ضرورة تكيف الحركة الإسلامية مع واقع المجتمع التعددي، المبني على وجود تيارات سياسية مختلفة، تتنافس لكسب أصوات الناخبين، ويدعو القرضاوي تلك الحركات في حالة فوزها في الانتخابات، وتسلمها السلطة إلى احترام الاختلاف والتعدد، وألا تحظر العمل على باقي التيارات، حتى لا تضيّع من اختاروها وأيدوها، وعدم خشية الأفكار المخالفة للإسلام، وعدم التفريط في التربية والعدل وإقناع الناس، حتى تستطيع البقاء وتحوز على ثقة الناخب.
وحث عدة كتاب على ضرورة المشاركة السياسية في الأنظمة المعاصرة، لتحقيق أهداف الحركة الإسلامية، خاصة المشاركة في البرلمانات، وبعضهم جعل الديمقراطية مطلبا شرعيا، يمكن من خلاله استئناف الحياة الإسلامية، رابطين الديمقراطية بالنظام السياسي الإسلامي، ممارسين الانتقائية في فهم وتطبيق الديمقراطية، مما أدى إلى خلل في المفاهيم عند أولئك الكتاب، ويستشهد الباحث بحيدر علي الذي انتقد الديمقراطية الإجرائية، التي يقبلها الإسلاميون رغم رفضهم للفلسفة التي تقوم عليها كنظام للحياة، ويبدو له اختزال الديمقراطية في الانتخابات والمشاركة يقدم نظرة ناقصة لها، فالصيغة الإسلامية للديمقراطية (الديمقراطية الإسلامية) مطالبة بتكييف نفسها مع ثوابت عقيدية وتحريمات ونواهٍ دينية قد تكون عوائق للديمقراطية الصحيحة، ويسوق نموذج الردة وحدّها القتل، وهو ما يتعارض مع حرية العقيدة، ويؤكد حيدر علي أن هناك مؤسسات وأجهزة يعيق وجودها قيام الديمقراطية، وتصطدم بالحريات الشخصية، مثل هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... ويخلص الباحث إلى أن الديمقراطية تقتضي 'علمنة العقول' ليس بقبول الآخرين فقط، وإنما بإلغاء المؤسسات الدعوية والأخلاقية، التي تتعارض والحريات الشخصية، مما يعني أن الديمقراطية ليست إجراءات شكلية تختزل في الانتخابات وتداول السلطة، وإنما هي نظام حياة قائم على النظرة الفردية للإنسان المستمدة من الفكر الليبرالي، والدولة الإسلامية لا تقوم على الحيادية الفكرية والعملية اتجاه التيارات السياسية المختلفة، وإنما دولة عقيدة، والتعددية السياسية والحزبية تتعارض معها، فوجود أحزاب علمانية أو شيوعية يتعارض والمجتمع الإسلامي، القائم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وينتقد المؤلفُ قول محمد عمارة ان الفقه الإسلامي لم يعالج ظاهرة التعددية الحزبية، فأجازها في الدولة الإسلامية، بأن 'الاجتهاد' في إجازة ما لم يجزه الشرع الإسلامي ليس اجتهادا، ويرى أن هذا الاجتهاد لون من ألوان مخالفة أحكام الشريعة، بإجازته قيام أحزاب مخالفة للشريعة الإسلامية.
وبخصوص مشاركة الإسلاميين في البرلمانات، يعتبر الباحث دخولهم البرلمان ليس انتصارا للمبدأ الإسلامي، إذ رغم اشتراكهم في البرلمان لا يطبق الإسلام في واقع الحياة، وقد يستغل وجودهم لإضفاء شرعية على عمل الدولة، ومن ثم الاستمرار في تعطيل شرع الله المنزل، والمشاركة البرلمانية تعزل العمل الإسلامي عن التأثير السياسي الجماهيري، وتفقد هذه المشاركة الحركة الإسلامية مصداقيتها المبدئية، بحيث تنظر إليها الجماهير على أنها تتاجر بالشعارات، كباقي التيارات السياسية المتنافسة، وأنها تسعى للوصول إلى الحكم 'بطريقة ميكافيللية'، تؤدي بها إلى التنازل عن المبادئ التي كانت تدعو إليها.
http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=data%2F2011%2F07%2F07-25%2F25qpt890.htm
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق